جامعيو غزة يصطدمون بأبحاث التخرج المكلفة

16 أكتوبر 2021
بعض بحوث التخرج قد تكون فردية (محمد الحجار)
+ الخط -

يشكل عجز طلاب كثيرين في غزة عن تسديد الرسوم الجامعية الكاملة أو حتى نصفها تمهيداً لإدراج اسمهم في سجلات كشوف الاختبارات النهائية، أكثر المشاكل التي واجهوها في سنوات الحصار الإسرائيلي. كما يحرمهم تدهور الوضع الاقتصادي من دراسة تخصصات علمية تحتاج إلى رسوم مرتفعة. واليوم تبلغ المشاكل حدّ عجز الطلاب عن تأمين المال لإجراء أبحاث التخرج.
يعمد بعض الطلاب إلى تنفيذ هذه الأبحاث التي تضاف تكاليفها المرتفعة الى المصاريف العادية في بعض التخصصات، في شكل مشترك، أو إلى اختيار أبحاث غير مكلفة حتى لو أثرت على المعدل النهائي لعلامات التخرج، وهو ما حصل مع إيهاب بركات (23 عاماً) الذي اكتفى بتقدير "جيد" في بحث التخرج الخاص به في كلية الهندسة المدنية.
على مدى ثلاثة أشهر، واجه إيهاب عقبات عدة في إنجاز بحث تخرجه الذي تضمن تصاميم بنى تحتية لمشروع هندسي، بينها العمل على الكمبيوتر المحمول الخاص بشقيقته المتزوجة، والاضطرار إلى دفع مبلغ مالي لمصمم غرافيك، وآخر لجلب أدوات خشبية وأخرى من أجل تنفيذ مجسمات.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

واستخدم إيهاب موقعاً مجانياً جعله ينجز العرض الفني للتصميم بجودة أقل من تلك المطلوبة في معايير البحث، كما أن الكمبيوتر المحمول الذي عمل عليه لم يسمح بتنزيل برامج حديثة. وواجه أيضاً مشكلة تحضيره بحث التخرج داخل منزل يضم عشرة أفراد إلى جانب والده الذي يعاني من إعاقة منذ سنوات.
يقول إيهاب لـ "العربي الجديد": "التحقت بكلية الهندسة مستفيداً من منحة قدمتها لي مؤسسة خيرية، لأن ظروفي المالية والاجتماعية لا تسمح بأن أنفق على دراستي، علماً أن مصاريف المعدات والأبحاث تقع على عاتقي، وهو حال كثيرين من زملائي. وهكذا دفعت ثمناً غالياً لاضطراري إلى إنجاز بحث باستخدام إمكانات محدودة، إذ نال درجة تقييم منخفضة أثرت على معدلي التراكمي النهائي. لقد كان مشروع التخرج في كلية الهندسة فردياً وصعباً وبمتطلبات مكلفة لا يمكن التهرب منها".

الصورة
قد ينتظر أعواماً لإنجاز بحث التخرج (محمد الحجار)
قد ينتظر أعواماً لإنجاز بحث التخرج (محمد الحجار)

عموماً، يواجه طلاب غزة ظروفًا صعبة في تأمين الاحتياجات المادية لجامعاتهم، علماً أن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية تتيح حصولهم على قروض لتأمين رسومهم وتسديدها بنظام التقسيط، لكنها تلزمهم دفع الرسوم عبر بنوك، وهو ما اعتبره كثيرون أكبر من قدراتهم في ظل تزايد التأثير السلبي للحصار الإسرائيلي على اقتصاد غزة في الأعوام الثلاثة الأخيرة.
إلى ذلك، يستفيد بعض الطلاب من برامج لتحرير شهادات التخرج تغطي ميزانياتها دول وجمعيات خيرية إقليمية، علماً أن قطر قدمت العام الماضي منحاً لتحرير أكثر من 3000 شهادة تخرج.
وبين مشاكل الطلاب الجامعيين في غزة، عدم امتلاك قسم كبير منهم أجهزة كمبيوتر محمولة خاصة بهم، أو حتى أجهزة كمبيوتر داخل البيت، ما يعرقل تنفيذهم مهمات أكاديمية وعملية، وصولاً إلى بحوث التخرج. 

الصورة
الكمبيوترات الشخصية غير متوفرة لطلاب كثيرين (محمد الحجار)
الكمبيوترات الشخصية غير متوفرة لطلاب كثيرين (محمد الحجار)

وبالنسبة إلى جهاد محمد (25 عاماً) الذي يدرس تخصص العلاج الطبيعي، لا يوجد حتى الآن أي وسيلة مادية لإنجاز بحث التخرج الذي من المقرر أن يُسلِمَ مسودته الأولى في منتصف ديسمبر/ كانون الأول المقبل. يوضح لـ "العربي الجديد": "يميل الأكاديميون والمحاضرون في معظم العام الدراسي إلى اختيار واجبات غير مكلفة للطلاب مراعاة للظروف الاقتصادية السائدة، وتقتصر على البحث عبر الإنترنت وتقديم ملخصات لأبحاث. لكن ذلك لا يمنع عجزي حالياً عن استكمال بحث تخرجي الذي أحتاج فيه إلى ترجمة دراسات، وتنفيذ مجسم مطلوب للجزء العلوي لجسم الإنسان".
يضيف: "ينتمي القسم الأكبر من طلاب الجامعات إلى أسر فقيرة، ونتعرض في جامعتنا لضغوط كثيرة من أجل دفع نصف قيمة الرسوم فصلياً، ما يجعلنا نتدبر أمورنا بطرق عدة. وشخصياً، باعت أمي سلسلة ذهب لتأمين نصف رسوم الفصل الدراسي الأخير، ولا أزال أفكر بالوسائل المتاحة الأقل كلفة لتلبية متطلبات بحث التخرج، فهذا أمر صعب علي".

الصورة
عقبات كثيرة في مسار التخصص الجامعي (محمد الحجار)
عقبات كثيرة في مسار التخصص الجامعي (محمد الحجار)

من جهته، استطاع نبيل الحداد (24 عاماً) إقناع مشرف مادة البحث في كلية الصيدلة بتنفيذ بحث تخرج مع ثلاثة من زملائه، باعتبار أن جميعهم يواجهون ظروفاً اقتصادية غير عادية. وهم قرروا إنجاز بحث عن عقار مسكن للآلام الشديدة يخلو من أية أعراض جانبية، لكنه لم ينجز فعلياً مع باقي زملائه أي مهمة عملية خاصة بالبحث طوال العامين الماضيين اللذين أمضوهما مع غالبية الطلاب في التعليم الإلكتروني بسبب جائحة كورونا.

ويقول نبيل  لـ"العربي الجديد": "المشكلة أن لا مفر من بحث التخرج، علماً أن كلفته قد تصل إلى ألف دولار في كليات الهندسة والطب، ويحتاج غالباً إلى كمبيوتر شخصي يسمح بتفرّغ الطالب للعمل عليه".

المساهمون