جامعة بيرزيت... أزمة هوية بين الحركات الطلابية والإدارة

10 فبراير 2022
تظاهرة طلابية في جامعة بيرزيت (عباس مومني/ فرانس برس)
+ الخط -

 

لم تفلح حتى الآن جهود حلّ أزمة إغلاق جامعة بيرزيت الفلسطينية، شمال رام الله، وسط الضفة الغربية، والمستمر منذ نحو شهر بسبب تفاقم الخلاف بين إدارتها والحركات الطلابية. وحققت جلسات حوار عدة عقدت في الأسابيع الماضية تقدماً بطيئاً، لكن مصادر تحدث أخيراً عن نواحي تفاهم.

فعلياً، تتواصل أزمات جامعة بيرزيت منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، ومن بينها إشكالات حصلت بين طلاب خلال إحياء "حركة الشبيبة"، الذراع الطلابية لحركة "فتح" ذكرى استشهاد الرئيس الراحل ياسر عرفات، واعتداء استهدف ممثل "كتلة الوحدة" الذراع الطلابية لـ "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" داخل مكان سكنه، وخلاف حصل بين "حركة الشبيبة" وكتل أخرى حول بيانات عن الاعتقالات السياسية في حق طلاب.

وبلغت الأزمات ذروتها إثر اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي حرم الجامعة في 14 يناير/ كانون الثاني الماضي، واعتقالها 5 من ممثلي الحركات الطلابية، قبل أن تفرج عن ثلاثة منهم، ما قطع طريق الوصول إلى حلّ مع الحركات الطلابية التي كانت أغلقت أبواب الجامعة، من دون مشاركة من "حركة الشبيبة" التابعة لـ"فتح".

وأعقب هذه الحادثة تراجع إدارة الجامعة عن تدابير نظامية كانت أعلنتها سابقاً، وبينها إحالة ثلاثة من ممثلي "الكتلة الإسلامية"، الذراع الطلابية لحركة "حماس"، و"القطب الديمقراطي التقدمي" الجناح الطلابي لـ "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" إلى لجنة فرض النظام الداخلي، بسبب مشاركتهم في تنظيم مهرجان لإحياء تأسيس "الجبهة الشعبية" و"حماس"، والذي شهد فتح طلاب بوابة قاعة بالقوة لإقامة المهرجان، رغم قرار الجامعة منع النشاطات في قاعات مغلقة بسبب تفشي وباء كورونا. ونفذت الكتلتان مسيرات بلباس عسكري وأقنعة، ما جدد الخلاف المستمر منذ أعوام بين الحركات الطلابية وإدارة الجامعة حول ما يسمى "عسكرة النشاطات الطلابية".

ولاحقاً، نظمت الحركات الطلابية، بمشاركة "حركة الشبيبة" هذه المرة، اعتصاماً داخل الجامعة للمطالبة بإقالة القائمة بأعمال عميد شؤون الطلاب، الدكتورة عنان الأتيرة، ومنعها من دخول الجامعة، ونائب رئيس الجامعة للتنمية والاتصال الدكتور غسان الخطيب، بعدما شبّه في صفحته على موقع "فيسبوك" أفعال الحركات الطلابية باقتحامات قوات الاحتلال للجامعة. كما طالبوا إدارة الجامعة بالتعهد بعدم محاسبة أي طالب بسبب نشاطات وطنية ونقابية، محملين الإدارة جزءاً من مسؤولية اعتقال الطلاب عبر المماطلة في معالجة المشاكل.

الصورة
مطالب بعناوين سياسية للطلاب (عباس موماني/ فرانس برس)
مطالب بعناوين سياسية (عباس مومني/ فرانس برس)

رفض طلابي لـ"الهيمنة والعقلية الأمنية"

وسبق أن شغلت الأتيرة التي عينت في منصبها مطلع العام الدراسي الحالي منصب نائب محافظ نابلس شمال الضفة الغربية، ما يمنح طلب إقالتها بعداً سياسياً يرتبط بمواجهة السلطة الفلسطينية، باعتبار أنّ "أداءها يندرج في إطار محاولات للهيمنة على المنحى العام لإدارة الجامعة" كما تزعم بعض الكتل الطلابية.

ويقول أحمد الخاروف، العضو في "القطب الديمقراطي التقدمي" التابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لـ"العربي الجديد": "إن الحركات الطلابية أوضحت للإدارة أنّ الأتيرة أتت من خلفية أمنية لا تلائم مجتمع الجامعة". ويشير إلى خلافات عدة مع الأتيرة منذ بداية العام الدراسي، ويصفها بأنها "مصدر خطر على الحرية والتعددية داخل الجامعة، علماً أنه لا يمكن إنكار تاريخها النضالي، لكنها تدير الأمور بعقلية أمنية، وهذا أمر مستحيل". ويعتبر الخاروف أن "الأزمة بدأت حين جرى تحويل ممثلي الكتل إلى لجنة الجامعة لفرض النظام، بتوصية من الأتيرة التي تريد تحجيم نشاط الحركة الطلابية وتطويعها".

ويرى الخاروف أنّ "أطرافاً عدة تحاول كسر الحركات الطلابية في مقدمها الاحتلال الإسرائيلي. كما تبذل السلطة الفلسطينية محاولات جدية لبسط سيطرتها على الجامعة، بعدما أصبحت على مدار سنوات واحة وحيدة لممارسة الفصائل والقوى السياسية رؤيتها وبرامجها، ما يزعج السلطة". ويتحدث الخاروف أنّ "إدارة الجامعة لم توافق على مطالب الخلايا الطلابية في الحوارات التي ناقشت فقط اتفاقات سابقة، ولم تتناول طلب إقالة الخطيب والأتيرة الذي تعتبره شأناً إدارياً، ومن الخطوط الحمراء لنظامها الداخلي".

الجامعة تتمسك بالمرونة

وفي شأن الحوارات الأخيرة، يقول الخطيب لـ"العربي الجديد" إنّ "تفاعلاً جيداً حصل فيها"، مؤكداً أنّ "الحوار هو الأداة الأفضل لتقريب وجهات النظر ومعالجة المشاكل. ونحن نركز منذ بداية الأزمة على الحوار المباشر، أو عبر وسطاء من أسرة الجامعة أو خارجها".

ويوضح عضو الهيئة الإدارية لنقابة العاملين في جامعة بيرزيت، سامح أبو عواد، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الجلسات الأخيرة التي عقدت عبر وساطة غير مباشرة بين الطلاب وإدارة الجامعة حملت بوادر إيجابية"، معتبراً أنّ "غياب الحوار خلق المشاكل السابقة". من جهته، يقول الخطيب إن إدارة الجامعة تحاول أن تكون مرنة إلى أقصى حد، لكنّها ترفض أي مطالب لا تتطابق مع أنظمتها وقوانينها. يضيف: "إذا اعترض أي مكون في الجامعة على سلوك أو أداء شخص يتولى منصباً إدارياً، يمكن أن يقدم شكوى للإدارة ومجلس الأمناء، وكلاهما منفتحان بالكامل على مراجعة مضمونها والتحقيق فيه. ومن وجهة نظر الإدارة لا تعالج المشاكل عبر تعطيل الدراسة والاعتصام، بل عبر تقديم شكاوى أو تقارير تحدد الخلل في عمل الشخص المعني أو الوحدة الإدارية".

ويرفض أبو عواد التعليق على موقف نقابة العاملين في جامعة بيرزيت من الأزمة، لكنه يشدد على أنّ "الإقالة من دون التقيد بإجراءات رسمية ضمن أنظمة وقوانين الجامعة يشكل مصدر خطر على المؤسسة. ومن حق الطلاب المطالبة بمحاسبة ضمن هذه الأنظمة، ويجب أن تقول الإدارة بصراحة إن من يخطئ يحاسب".

الصورة
إدارة الجامعة تؤكد ضمانها حرية التعبير (عصام ريماوي/ الأناضول)
إدارة الجامعة تؤكد ضمانها حرية التعبير (عصام ريماوي/ الأناضول)

بيرزيت و"العسكرة"

عموماً، تتمتع جامعة بيرزيت بميزة كونها ساحة فريدة تتيح العمل السياسي والنقابي بحرية مفقودة في الضفة الغربية. وتجرى فيها انتخابات دورية لمجلس الطلاب بمشاركة الكتل التي تمثل معظم الفصائل، وبينها "فتح" و"حماس".

وترافقت الأحداث الأخيرة التي شهدتها الجامعة مع اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي حرمها في 14 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ومصادرة أعلام "حماس" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" ومجسمات كرتونية لصواريخ المقاومة. كما اعتقلت أجهزة الأمن الفلسطينية 6 طلاب. وطرحت قرارات الجامعة الخاصة بمنع النشاطات الطلابية في القاعات، وإحالة ممثلي الكتل على لجنة تطبيق النظام الداخلي تساؤلات حول حصول تغييرات في هويتها ومبادئها.

ويعلّق الخاروف: "المسيرات بلباس عسكري جزء من مظاهر التعبير الوطني في الجامعة، والتي تتضمن أيضاً ندوات ومسيرات. وهي موجودة منذ تأسيس الجامعة، لكنّها تزعج الاحتلال الإسرائيلي لأنّها تحاكي أشكال المقاومة، وتنشر صورة الملثم الفلسطيني الذي يحنّ إليه الجميع. وبالنسبة للحركات الطلابية هذا خط أحمر لا يمكن مناقشته". يضيف: "عروض اللباس العسكري تهدف إلى الاحتفال بتأسيس الفصائل، ومن يرتديها ليسوا عسكريين، بل أصحاب قضية. ونحن لا ندخل السلاح إلى الجامعة، لكنّنا نحاكي مظاهر المقاومة".

أما الخطيب فيلمّح إلى أنّ "التباساً نشأ لسببين؛ أولهما وضع اللجنة الصحية في الجامعة قيوداً على كل الأنشطة داخل الغرف والمباني بسبب كابوس فيروس كورونا، في مقابل تشجيعها تنظيم الأنشطة خارج المباني. والثاني أن كل الإدارات المتعاقبة في الجامعة واجهت صعوبات في قبول بعض الأنشطة التي تصور دعائياً بأنها خارج نطاق اختصاص ومسؤولية ومجال عمل المؤسسات التعليمية. وتشكل هذه القضية سنوياً موضع احتكاك بين الإدارة والطلاب، ما يعني أنها لا تقتصر على الإدارة الحالية التي لا تطبق سياسة جديدة". ويتابع: "تلتزم الإدارة الحالية للجامعة ومجلس أمنائها الذي وجّه رئيسه حنا ناصر رسالة للطلاب أخيراً، ضمان حرية العمل السياسي والنقابي والطلابي، وهو الحال دائماً".

الوساطات

وكانت وساطات عدة قد دخلت على خط الأزمة، من داخل جامعة بيرزيت وخارجها، وأحدها لأساتذة. ويقول أبو عواد: "تحاول الهيئة الإدارية للنقابة تذليل الصعوبات، وقام أساتذتها بصوغ مبادرة تعكس رؤيتهم لطريقة الحل، ترتكز على مقومات ضمان حقوق الطلاب، واستمرار العمل الأكاديمي، وتوفير آليات لمعالجة الأزمات".

وتكشف مصادر أن المبادرة تحمل نقاطاً تضمن العمل السياسي والنقابي في الجامعة، وإجراء انتخابات لمجلس الطلاب، ورفض الاعتقال السياسي، في مقابل ضمان إبقاء الجامعة ومرافقها مفتوحة في أي ظرف، وتشكيل لجنة استشارية تساند عميد شؤون الطلاب وتساهم في تعيين مساعد له. وكذلك تحلي الناطقين باسم الجامعة بالدقة في التواصل مع وسائل الإعلام فيما يتعلق بقضايا الجامعة والرأي العام وفق السياق الوطني الذي تحرص الجامعة على مراعاته. ويقول البعض إن النقاط الأخيرة "تحاول تحديد إطار عمل عميد شؤون الطلاب كبديل عن إقالته".

المساهمون