انخرط معظم المهاجرين في الدورة الاقتصادية بمناطق عدة في تونس، ويعملون في مهن يرفض المواطنون القيام بها، مثل الزراعة، وأعمال البناء، ومقالع الحجارة، والرخام، والمطاعم والمقاهي.
يعمل المهاجر الإيفواري جوناثام في أشغال البناء منذ سنة ونصف السنة. يتنقل بين مناطق العاصمة للبحث عن ورش بناء للعمل فيها وتأمين قوته، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا مشكلة في إيجاد عمل. أتقاضى أجراً يومياً مماثلاً لما يتقاضاه أي مواطن يعمل في ورش البناء أو الزراعة أو مهن أخرى، فأرباب العمل يفضلون تشغيل المهاجرين بدلاً من التونسيين، لأنهم أكثر تحملاً لمهمات المهن الشاقة، ويعملون ساعات أطول من المواطنين الشبان".
لا يتردد جوناثام، أحد آلاف المهاجرين الذين قدموا من دول أفريقية، خصوصاً في جنوب الصحراء، في ممارسة أي مهنة شاقة من أجل تأمين قوته، علماً أن عددهم ارتفع في تونس خلال السنوات الأخيرة، وتقدر جمعية الإيفواريين في البلاد عددهم بنحو 20 ألفاً، لكن لا أرقام دقيقة لهذا العدد الذي تحدده السلطات بنحو 10 آلاف، ما يشير إلى دخول بعضهم البلاد عبر رحلات سرّية من البرّ الليبي تحديداً، أو من البحر، حيث رصدت قوات خفر السواحل بعضها، لا سيما في الجنوب.
يقول الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية رمضان بن عمر لـ"العربي الجديد"، إنّ "تونس في الأساس منطقة عبور إلى أوروبا، لكن مهاجرين كثيرين يعملون في تونس لتأمين مصاريف رحلاتهم السرّية، ومبالغ لمهربي البشر في سبيل الالتحاق بالرحلات إلى أوروبا".
يضيف: "أوقف مهاجرون سريون كثيرون خلال عبورهم السواحل التونسية، ونقلوا إلى مخيمات لإيواء اللاجئين، بعضها في الجنوب، والتي لم تعد تستوعب عددهم الذي ارتفع كثيراً خلال السنوات الخمس الأخيرة، علماً أنه لا يمكن حصر وجودهم في أماكن محددة، لذا تطلق السلطات سراحهم، فيتنقلون بحرية في أرجاء البلاد.
ورغم أنّ تونس لا تلجأ إلى سياسة الترحيل القسري، لكن هؤلاء المهاجرين لا يستطيعون تسوية أوضاعهم القانونية، وهو ما لا يريدونه في الأصل للإبقاء على هدفهم الأساس في الهجرة إلى أوروبا".
ويشير بن عمر إلى أنّ "تونس رفضت دائماً مطالب الاتحاد الأوروبي بالتحول إلى بلد لجوء، وإنشاء مراكز إيواء يرحّل المهاجرون إليها، خصوصاً الأفارقة من الدول الأوروبية، وفي مقدمها إيطاليا".
وتكشف إحصاءات نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن قوات خفر السواحل التونسية اعترضت أكثر من 25 ألف مهاجر سرّي في العام الماضي، وهو ضعف العدد الذي جرى تسجيله عام 2020. وهم ينتشرون في كل المدن التونسية حالياً، لا سيما تلك الكبيرة التي تتوفر فيها مصالح عمل، مثل مطاعم ومقاه ومحلات التجارية، في حين يوجد عدد قليل منهم في مناطق ريفية حيث يعملون في الزراعة".
وتخبر السنغالية كتانا (32 عاماً)، التي دخلت تونس عبر رحلة بحرية انطلقت من ليبيا، وجرى إنقاذها مع عشرات آخرين غرق قاربهم في جرجيس، جنوبي تونس، "العربي الجديد"، بأنّها تنقلت بين مدن تونسية عدة قبل أن تستقر في العاصمة، وتعمل في الخدمة المنزلية.
وتقول: "لا مشكلة لدي في إيجاد عمل في أحد البيوت. باتت عائلات تونسية كثيرة تفضل تشغيل المهاجرات لأنّهن أكثر تحمّلاً للأشغال المنزلية الشاقة، وأجورهن أقل، كما أنهن لا يتمتّعن بأي حقوق مهنية، فنحن في نهاية الأمر نعمل خارج الأطر القانونية، ولا خيار لدينا إلا قبول أي عمل تحت أي ظرف".
ويعمل العديد من المهاجرين في ورش البناء حيث يتكبدون عناء الوجود ساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، وكذلك في ورش تصليح السيارات وغسلها. وقد ينتقد البعض واقع مزاحمتهم التونسيين في حق العمل، خصوصاً أنّ معدلات البطالة مرتفعة، لكن أرباب عمل كثيرين يضطرون إلى تشغيل المهاجرين بسبب رفض الشباب المحليين ممارسة بعض الأشغال، لا سيما تلك الخاصة بحصد الزيتون والغلال والخضر.
إلى ذلك، تحاول جمعيات عدة في تونس الدفاع عن حقوق العمال المهاجرين، خصوصاً أنّ معظمهم يعملون من دون عقود، ولا يتمتّعون بحقوق مهنية.
وتنشط الجمعيات التي تعنى بأحوال المهاجرين، تحديداً لتأمين مساعدات لأولئك الذين لا يجدون عملاً، أو لا يستطيعون العمل بسبب حالات صحية خاصة.
أيضاً بات الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة للعمل في تونس، يدعم العمال المهاجرين بعدما وافق على ضمهم إلى صفوفه، وهو يساعد ألفي شخص منهم حالياً، ويتولى الدفاع عن حقوقهم. لكن آلافاً منهم يعملون خارج الأطر القانونية، وبلا عقود مهنية معترف بها، بسبب وجودهم غير القانوني، وعدم امتلاكهم أوراقاً ثبوتية.