يخضع حوالى 12 ألف مريض لعلاج القصور الكلوي في تونس، وتبلغ تكلفته السنوية حوالى 30 مليون دولار تتحمّلها الدولة وصندوق التأمين على المرض. ولأنّ المستشفيات العمومية لا تستطيع استيعاب العدد الكبير للمرضى، وتنفيذ عمليات تصفية الدم (غسل الكلى) للجميع، أنشأت السلطات مصحات خاصة لتنفيذ هذا الأمر، وكلّفت صندوق التأمين على المرض تسديد المصاريف الكاملة للعلاج.
لكن منظومة العلاج الخاص بتصفية الدم تواجه خللاً كبيراً منذ أكثر من سبع سنوات، بسبب ارتفاع تكلفتها، ووجود خلل بين تكلفتها والتعويضات التي يقدمها الصندوق، ما أدى إلى تدهور الحالة المادية لأقسام تصفية الدم في المصحات الخاصة، وأفقدها القدرة على اقتناء معدات جديدة، أو حتى صيانة تلك القديمة. ورغم أن المصحات الخاصة طالبت بزيادة مساهمة الدولة في تكاليف علاج المرضى، لم يطرأ أي تعديل على المساهمات منذ عام 2016، وواجهت المصحات بالتالي مشاكل كبيرة منذ عام 2019، في ظل نكس صندوق التأمين على المرض تعهداته تجاهها، إثر ظهور أزمة تفشي وباء كورونا، وتداعياتها على القطاع الصحي عموماً.
وقدرت وزارة الصحة تكلفة عملية تصفية الدم للمريض الواحد بـ60 دولاراً، فيما تتقاضى المصحات 35 دولاراً من الصناديق، ما يكبّدها خسائر كبيرة سنوياً. ولم يستجب صندوق التأمين على المرض لمطالب المصحات، رغم الاحتجاجات التي رافقت الأشهر الأخيرة، والتي دعت إلى إجراء حوار لحلّ الإشكال.
وأخيراً، قرّر المكتب التنفيذي للغرفة الوطنية لمصحات تصفية الدم إيقاف العمليات في كامل المصحات، باستثناء الحالات المستعجلة، بسبب ارتفاع أسعار المستلزمات الطبيّة والأدوية، وتكلفة الطاقة والتجهيزات وصيانتها. وتأثر القرار أيضاً باستنفاد كلّ محاولات إجراء حوار مع الصندوق الوطني للتأمين على المرض الذي رفض زيادة تعرفة الحصة الواحدة لتصفية الدمّ.
وأوضحت رئيسة نقابة مصحات تصفية الدم هاجر الإمام، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنّ النقابة تحاول منذ سنوات إيجاد حلّ مع الصندوق، وتأكيد أن ارتفاع تكلفة العلاج بات يكبد المصحات خسائر كبيرة. لكن الصندوق غير مقتنع بالتعرفة التي تطالب بها المصحات، رغم تدخل وزارة الصحة في تنفيذ دراسة حددت فيها التكلفة الحقيقية للجلسة الواحدة.
من جهتها، طالبت الجمعية التونسية لمرضى الكلى "بضرورة إيجاد حلّ للقطاع من أجل إنقاذ حياة المرضى الذين لا يمكن أن يغيبوا عن حصة لتصفية دم قد تهدد صحتهم وحياتهم، علماً أن غالبيتهم ينتظرون إجراء عمليات زرع كلى متعثرة بسبب عدم إيجاد متبرعين". وقال عبد الله بالضياف، أحد مرضى قصور الكلى لـ"العربي الجديد": "أجري عملية تصفية الدم مرتين أسبوعياً، علماً أن البعض يُجرونها ثلاث مرات أسبوعياً، وغالبية المرضى متعاقدون مع صندوق التأمين على المرض الذي يتكفل بمصاريف علاجهم بالكامل، والتي قد تبلغ 700 دولار شهرياً للشخص الواحد". ويتحدث عبد الله عن عدم مواجهته غالباً أي مشاكل أو تعقيدات باستثناء وجود معدات غير صالحة في بعض المصحات أحياناً، بسبب عدم القدرة على صيانتها.
ويحتم ذلك تأجيل عملية تصفية الدم بضعة أيام. أما التوجه إلى مستشفيات عمومية، فغير مفيد، لأنّها غير قادرة على استيعاب العدد الكبير للمرضى، علماً أنّ بعض المرضى قد يحتاجون إلى ثلاث جلسات تصفية دم أسبوعياً، فيما قد تستغرق الحصة الواحدة خمس ساعات".
وتضم تونس حوالى 158 مركزاً متخصصاً بتصفية الدم، بينها 111 تابعة للقطاع الخاص. وقد نصّ الفصل الخامس المتعلّق بضبط شروط خدمات مراكز تصفية الدم، على "ألا تكون طاقة استيعاب مركز تصفية الدم أقل من أربعة أشخاص، وأكثر من عشرة، مع التشديد على امتلاك المركز جهازاً احتياطياً إذا كانت تضم 4 أجهزة، وجهازين احتياطيين إذا كانت تضم 6 أجهزة. ولا يمكن أن يتجاوز عدد المرضى الذين يتلقون العلاج دورياً 40 في مركز واحد، مع مراعاة التناسب بين عدد المرضى وعدد الأجهزة المستغلّة على أساس آلة لكل أربعة مرضى". وتخضع كل المراكز الخاصة بتصفية الدم لرقابة وزارة الصحة التي تملك حق إغلاق مركز في حال ثبوت حصول تجاوزات فيه، أو تقصير من أي نوع.
وتعهدت الوزارة أخيراً بالتدخل لإيجاد حلّ بين المراكز الصحية وصندوق التأمين على المرض، تمهيداً لمحاولة التوصل إلى اتفاق نهائي بخصوص تكلفة العلاج في مارس/ آذار المقبل.