تونس: عقوبات ضد أساتذة الدروس الخصوصية

19 مارس 2022
في إحدى مدارس تونس (العربي الجديد)
+ الخط -

تشهد بداية كلّ سنة دراسية جدالاً يثيره الأساتذة، في ظلّ استمرار العمل بقانون منع الدروس الخصوصية. لكن مع بداية العام الدراسي الحالي، بادرت وزارة التربية إلى الحديث عن الدروس الخصوصية، ووصفتها بالظاهرة التي "ساهمت في تعميق الفوارق بين التلاميذ"، مشيرة إلى أن "بعض المدرّسين يجبرون التلاميذ على ذلك. لهذا، فرضت الوزارة عقوبة الحرمان من الأجر لثلاثة أشهر، وهي ذاهبة نحو مزيد من تشديد العقوبات".

وقالت وزارة التربية إنّ الغاية من هذا التنبيه الجديد، تنظيم الدروس الخصوصية داخل المؤسسات التربوية لتخضع للرقابة الإدارية، وحماية التلاميذ من الاستغلال، وتجنيبهم تلقي تلك الدروس في أماكن عشوائية، وإجبار أولياء الأمور على إلحاق  أبنائهم بهذه الدروس المنظمة والمراقبة بعيداً عن أي استغلال. إلا أن حديث الوزارة عن الدروس الخصوصية وتذكيرها بالعقوبات القانونية أثارا جدلاً بين الأهل والأساتذة ونقابات التربية والتعليم، إذ يرفض البعض المنع، في وقت يطالب آخرون بمنعها حتى داخل الأوساط التربوية. 
وكان الأمر الحكومي الخاص بشروط تنظيم دروس الدعم والدروس الخصوصية داخل المؤسسات التربوية الحكومية قد صدر في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، وينصّ على أنّ إعطاء الدروس الخصوصية خارج المؤسسة التربوية الحكومية يعرّض مرتكبه لعقوبة تأديبية من الدرجة الثانية، ويمكن أن يعاقب المخالف بالعزل.
وفي الخامس من إبريل/ نيسان 2019، صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية أمر حكومي يتعلق بضبط شروط تنظيم دروس الدعم والدروس الخصوصية داخل المؤسسات التربوية الحكومية. وطبقاً لهذا الأمر، يتولى المتفقدون الإداريون والماليون في وزارة التربية، بناءً على أذون مهام، التفقد وإجراء عمليات المراقبة الميدانية، وتحرير التقارير المتعلقة بمخالفة أحكام قانون منع الدروس الخصوصية خارج المؤسسات التربوية من قبل المدرسين العاملين في مختلف المؤسسات التربوية الحكومية التابعة لوزارة التربية، من أجل إحكام التصدي للدروس الخصوصية التي تُقدَّم خارج المؤسسات التربوية وفي فضاءات عشوائية وغير آمنة بالنسبة إلى التلاميذ.
يذكر أنّ عدداً كبيراً من التلاميذ اضطروا إلى الإقبال على الدروس الخصوصية خلال السنتين الأخيرتين لتدارك المناهج والدروس التي تأثّرت بإغلاق المدارس والمعاهد ضمن إجراءات مكافحة تفشي فيروس كورونا في الأوساط المدرسية. 
ودعت الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ مع بداية هذا العام، في بيان، إلى "إعادة النظر في تعامل وزارة التربية مع الدروس الخصوصية باعتبارها نتيجة لفشل المنظومة التربوية". أضافت أنّه "يجب دعم سياسات تكوين المدرسين وانتداب حاجاتها من الموارد البشرية وتطوير البنية التحتية"، معتبرة أن "اعتماد إجراءات زجرية وقانونية وتأديبية ضد الدروس الخصوصية لم يحل دون تفاقم هذه الظاهرة من عام إلى آخر. كذلك إنّ لجوء أولياء الأمور إلى الدروس الخصوصية والمدارس الخاصة من دون أي ضمانة مسبقة للنجاح شرّ لا بدّ منه. وما سبق هو نتيجة لتدني أداء المدرسة الحكومية إلى مستويات كارثية وعدم استقرارها بسبب اضطراباتها المتكررة"، مشيرة إلى أن "الإقبال على هذه الدروس أدى إلى تعميق الفوارق بين التلاميذ".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

ويقول رئيس الجمعية رضا الزهروني، في حديثه لـ "العربي الجديد" إنّ "غالبية الأهل يضطرون إلى إلحاق أبنائهم بالدروس الخصوصية لعدم إيمانهم بقدرة المؤسسات التعليمية على تمكين التلاميذ من التحصيل المعرفي الكامل داخل المدارس، بسبب اكتظاظ الأقسام التي يفوق فيها عدد التلاميذ أحياناً الأربعين داخل الفصل الواحد، الأمر الذي لا يساعد المعلم أو الأستاذ على الاهتمام بجميع التلاميذ أو الانتباه إلى نقائص كلّ تلميذ في كلّ مادة تعليمية. ويعتقدون أيضاً أنّ تنظيم الدروس الخصوصية داخل المدارس فقط لن يحلّ المشكلة؛ فحتى تلك الدروس الخصوصية سيكون فيها الفصل الواحد مكتظاً ولن يمكّن المُعلّم أو الأستاذ من الاهتمام بكلّ تلميذ".

يلجأ بعضهن إلى الدروس الخصوصية للتقوية (ياسين القايدي/ الأناضول)
يلجأ بعضهم إلى الدروس الخصوصية للتقوية (ياسين القايدي/ الأناضول)

يضيف أنّ "غالبية الأهل يلجأون إلى الدروس الخصوصية العشوائية لإيمانهم بتدني مستوى التعليم الحكومي، وأنّ أبنائهم قادرون على تدارك الدروس خلال تلك الحصص التي يكون عدد التلاميذ فيها قليل". 
ويقول محمّد (38 عاماً)، وهو أحد أساتذة التعليم الثانوي، لـ "العربي الجديد" إنّ "غالبية الأساتذة يلجأون إلى تلك الدروس بسبب الأجر المنخفض مقارنة بأجور الأساتذة في بعض الدول"، لافتاً إلى أن "الأمر ليس استغلالاً للأهل أو التلاميذ بقدر ما هو مسألة إيجابية للأستاذ لتوفر له مداخيل إضافية، وللتلميذ لتمكنه من تدارك بعض الحصص أو الدروس التي لم يستوعبها داخل المعهد أو التي لم يتلقّها بسبب غياب نتيجة المرض". يضيف أن "عدد التلاميذ في صف الدروس الخصوصية لا يتجاوز العشرة، الأمر الذي يمكّن الأستاذ من تلقين كلّ تلميذ الدروس بحسب حاجته وقدرته على الاستيعاب".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

أما عبير (40 عاماً)، وهي معلّمة في إحدى المدارس، فتقول إنّ "الدروس الخصوصية باتت أداة ابتزاز يعتمدها بعض الأساتذة لإجبار الأهل على إلحاق أبنائهم بها، في مقابل الحصول على علامات جيدة في الامتحانات. وغالباً ما يرضخ الأهل لهذا الأمر مخافة الإضرار بأبنائهم داخل الفصل أو خلال الامتحانات". تضيف أن "تنظيم تلك الدروس داخل المؤسسات التربوية ومنعها خارج الفضاءات القانونية من شأنه أن يحمي التلميذ والأهل وينهي ظاهرة الاستغلال والابتزاز التي يخضع لها الأهل مجبرين". 
من جهتها، تقول رقية عبد الحميد، وهي إحدى أولياء الأمور، إنّه "لا يخفى على أحد أنّ بعض الأهل يضطرون إلى إلحاق أبنائهم بتلك الدروس الخصوصية، ليس لحاجتهم لها، بل لأنّ بعض المعلمين والأساتذة يجبرون التلاميذ على تلقي دروس خصوصية لديهم، في مقابل تحسين علاماتهم في الامتحانات. وأحياناً تُسرَّب الامتحانات إلى التلاميذ الذين يتلقون الدروس الخصوصية، الأمر الذي لا يخلق فرصاً متكافئة بين جميع التلاميذ، ويعمّق الفوارق بينهم". 

المساهمون