تونس: طلاب عائدون من أوكرانيا يترقّبون مستقبلهم الدراسي المهدّد

09 مارس 2022
نجح هؤلاء الطلاب في بلوغ تونس وقد هربوا من الحرب في أوكرانيا (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

 

استكمال الدراسة في ظل الحرب الدائرة في أوكرانيا أمر مستحيل اليوم، بالنسبة إلى الطلاب الأوكرانيين والأجانب، على حدّ سواء. وهذا ما دفع الطلاب حاملي الجنسية التونسية للعودة إلى بلادهم، كما فعل غيرهم من الطلاب العرب.

غامض هو المصير الدراسي الخاص بالطلاب التونسيين العائدين من أوكرانيا، إذ إنّ الأولوية في الوقت الحالي تعطى لإجلاء العالقين في البلد المستهدف، وسط اشتداد القصف الروسي على المدن الأوكرانية، علماً أنّ أكثر من 1500 تونسي يعيشون هناك. وحتى تاريخ كتابة هذه الأسطر، تمكّنت السلطات التونسية من إجلاء أكثر من 500 من مواطنيها عبر أربع رحلات جوية، معظم هؤلاء من الطلاب الذين فضّلوا العودة إلى بلادهم في انتظار المستجدّات التي قد تؤدّي إمّا إلى توقف الحرب وإمّا إلى استمرارها الطويل فتستحيل بالتالي عودتهم إلى جامعاتهم. ويتابع نحو ألف تونسي دراستهم في الجامعات الأوكرانية، تحديداً في الطب والصيدلة، وبدرجة أقلّ في الاختصاصات المالية.

لينا الزموري، طالبة تونسية في كلية الطب في مدينة أوديسا، جنوب غربي البلاد، تقول في اتصال مع "العربي الجديد"، إنّ "الطلاب العائدين لم يتلقوا أيّ إشعار من كلياتهم بشأن مصير عامهم الدراسي"، مؤكدة أنّهم "بمعظمهم لا يملكون وثائق خاصة بدراستهم، بسبب المغادرة على عجل وعدم التمكّن من التواصل مع إدارات الجامعات بعد بدء الهجوم العسكري". تضيف الزموري أنّ "الطلاب يحاولون التواصل مع إدارات كلياتهم من أجل السماح لهم بمواصلة الدروس عند بُعد في حال تحسن الوضع الأمني، كما أنهم سوف يتقدّمون بطلبات لإعادة دمجهم في جامعات بتونس أو دول أخرى". 

ولا تستبعد الزموري أن "يبحث الطلاب العائدون من أوكرانيا عن حلول فردية، لا سيّما الانتساب إلى جامعات في الاتحاد الأوروبي أو جامعات أخرى عربية تعترف بمعادلة الشهادات الأوكرانية، الأمر الذي يجنّبهم الانتظار وإضاعة سنة جامعية". لكنّها تعبّر عن "مخاوف من عدم التمكّن من الحصول على ملفات الانتساب إلى الجامعات الأوكرانية، في حال استمرار الحرب وتعذّر التواصل مع الإدارات". وإذ تقول الزموري إنّ "كل السيناريوهات ممكنة والوضع سوف يتغيّر بحسب المستجدات على ساحة القتال"، تلفت إلى أنّ "الطلاب المغاربة العائدين من أوكرانيا بحثوا مع دولتهم عملية دمجهم في الكليات المغربية في كل الاختصاصات".

ويتركّز الطلاب التونسيون في جامعات بمدن كييف وأوديسا وخاركيف ودنيبرو، وهي من بين أكثر المدن التي تتعرّض للقصف الروسي. ولم تكشف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تونس عن الحلول التي قد تلجأ إليها من أجل ضمان استمرارية المسار الدراسي للطلاب العائدين وفرضيات التحاقهم بالجامعات التونسية، خصوصاً أنّ الشهادات الجامعية الأوكرانية معترف بها رسمياً من قبل الدولة التونسية ولا تمثّل مشكلة تكافؤ في المناهج التعليمية المعتمدة.

في سياق متصل، يقول مدير الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية التونسية محمد الطرابلسي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تركيز الجهود في الوقت الحالي ينصبّ على إجلاء العالقين في أوكرانيا من الرعايا التونسيين وضمان عودتهم إلى بلدهم عبر جسر جوي مخصص لذلك"، مشيراً إلى أنّه "في إمكان عدد من الطلاب مواصلة دراستهم عن بُعد، إذ وفّرت الجامعات الأوكرانية آليات لذلك".

الصورة
مواطنون تونسيون عائدون من أوكرانيا (ياسين القايدي/ الأناضول)
(ياسين القايدي/ الأناضول)

وكان وزير الخارجية التونسي عثمان الجارندي قد أفاد في خلال إشرافه علي اجتماع خلية الأزمة التي تشكلت لمتابعة وضع التونسيين في منطقة النزاع، بأنّ كلّ الحلول مطروحة وممكنة في حال تعكّرت الأوضاع أكثر في أوكرانيا واستحالت مواصلة الطلاب التونسيين دراستهم هناك. وذكر الجارندي أنّه "تمّ الانطلاق فعلياً في دراسة كلّ السيناريوهات المطروحة، انتهاء الحرب وعودة الطلبة للدراسة هناك بصفة طبيعية أو تواصل الوضع على ما هو عليه... كلها فرضيات سوف تُناقَش مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي"، مؤكداً أنّ "كلّ الأطراف ملتزمة بإيجاد الحلول اللازمة للطلاب التونسيين".

وفي تصريحات سابقة، كان طلاب تونسيون قد قالوا لـ"العربي الجديد"، إنّ كلياتهم تتمسّك بالتدريس الحضوري ولم تسمح لهم بالمغادرة بل هُدّدوا بالفصل النهائي في حال الخروج من أوكرانيا، وهو الأمر الذي تسبّب في تأخّرهم عن رحلات الإجلاء خوفاً من ضياع مسارهم الدراسي الذي يكلّف أسرهم ما لا يقلّ عن 20 ألف دينار تونسي (نحو 6800 دولار أميركي) سنوياً.

وفي هذا الإطار، يخبر الطاهر بن سالمة، وهو والد الطالب جهاد بن سالمة الذي كان يدرس الصيدلة في مدينة خاركيف الواقعة شمال شرقي البلاد، بأنّه وافق على قرار ابنه عدم مغادرة أوكرانيا عندما لم تكن الحرب قد اندلعت بعد، خوفاً على مصير مساره الدراسي، لا سيّما أنّ ابنه أكّد له أنّ إدارة الجامعة أبلغت الطلاب الأجانب بأنّه لن يُسمح لهم بالمغادرة أو الدراسة عن بُعد. يضيف بن سالمة متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أنّ "تمسّك ابني بإنقاذ مساره الدراسي عرّضه لاحقاً للخطر مع بدء القصف على خاركيف، وهو ما جعلني أطلب منه المغادرة في الفرصة الأولى التي تتوفّر له. وهذا ما تمّ فعلاً"، وقد تمكّن من مغادرة المناطق المشتعلة والوصول إلى الحدود البولندية عبر القطار. ويشدّد بن سالمة على أنّه "حين يتعلّق الأمر بسلامة الفرد، يفقد كلّ شيء آخر أهميته"، لافتاً إلى أنّ "مصير الدراسة يتحدّد لاحقاً وسوف نجد الحلول لا محالة".

تجدر الإشارة إلى أنّ أوكرانيا صارت من الوجهات الدراسية المهمة للطلاب التونسيين بعد جامعات الاتحاد الأوروبي، إذ تسمح وزارة التعليم العالي بمعادلة الشهادات بين البلدَين، غير أنّ غياب تمثيلية دبلوماسية تونسية في أوكرانيا يجعل المقيمين سواء من الطلاب أو غيرهم يواجهون صعوبات إدارية زادت حدتها مع بداية الأزمة.