تترقب مئات من العائلات التونسية الحصول على مواعيد لأبنائها من فاقدي السمع في قوائم انتظار عمليات زرع القوقعات الطبية، في وقت لا تمنح شروط إنجاح هذه العمليات مهلة ترقب طويلة، إذ تصبح حلول القوقعات محدودة الجدوى بعد سنّ الخامسة.
وتشمل عملية زرع القوقعة تثبيت جهاز إلكتروني وزنه نحو 15 غراماً تحت الجلد خلف الأذن بهدف استثارة الجهاز العصبي للسمع. وبسبب كلفتها العالية التي تتجاوز 45 ألف دينار (14500 دولار)، تأخذ وزارة الصحة التونسية على عاتقها سنوياً تمويل عشرات عمليات زرع القوقعات للأطفال من فاقدي السمع، فيما يظل آخرون على قائمة الانتظار، ما يجعل استعادة السمع امتيازاً لمن استطاع إليه سبيلاً فقط .
هذه حال الأختين أميرة وسماح المدنيني (17 و19 عاماً) اللتين ولدتا محرومتين حاسة السمع، لكن وضعيهما اختلفا بعدما استطاعت أميرة زرع القوقعة في عمر خمس سنوات، بينما حُرمت سماح ذلك، لأنها تجاوزت سنّ الخامسة حين حان دورها على قائمة الانتظار.
تقول شقيقتهما إيمان لـ"العربي الجديد" إن "أسرتها سجلت أميرة وسماح على قوائم فاقدي السمع الذين يحتاجون إلى زرع قوقعات قبل أن تبلغا سن الثالثة، لكن الحظ لم يحالف سوى أميرة التي أجرت العملية في سنّ الخامسة، فيما لم تستطع سماح الإفادة من الحل الطبي بسبب بلوغها سنّ السابعة حينها".
وتؤكد إيمان أن زرع القوقعة غيّر حياة أميرة التي التحقت بالتعليم الحكومي، رغم أن صعوبات كثيرة اعترضتها، بينما حُرمت سماح التعلّم واكتفت الأسرة بدمجها في جمعية متخصصة بتعليم لغة الإشارات للصم والبكم.
وفيما يعد شرط السن مهماً جداً لإنجاح زرع القوقعات لفاقدي السمع، توضح إيمان أن شقيقتها احتاجت إلى وقت لالتقاط الصوت والتأقلم مع القوقعة، وهو ما تطلّب جهداً كبيراً من أسرتها ومعلميها في المدرسة الذين ساعدوها في سماع الدروس وفهمها حتى أنهت المرحلة الابتدائية قبل أن تنقطع عن التعليم بإرادتها في المرحلة الثانوية. وتخبر أن سماح بقيت من دون دراسة نتيجة التأخر في زرع القوقعة، واكتفت بتعلّم لغة الإشارات، مشددة على ضرورة تقليص فترات الانتظار في هذا النوع من العمليات، نظراً إلى أهمية عامل الوقت بالنسبة إلى الأطفال فاقدي السمع.
وكانت المديرة العامة لوزارة الصحة نبيهة برصالي، قد أعلنت عام 2019 أنّ الوزارة ستستجيب مستقبلاً لجميع طلبات زرع القوقعة للأطفال الصم، وأكدت أن الاستجابة لنحو 20 طلباً فقط سنوياً، علماً أن قائمة الانتظار ضمت حينها أكثر من 240 طلباً.
وأشارت أيضاً إلى أن قوائم الانتظار ستلغى تمهيداً للاستجابة لأي طلب تتلقاه المستشفيات في المستقبل، كي لا تتجاوز مدته أسبوع بعد نقل تقنية الزرع إلى كل المستشفيات الجامعية مقابل إجرائها حصرياً في مستشفى الرابطة بالعاصمة تونس.
وأكّدت أنّ الاستراتيجية تهدف إلى التخلي عن مدارس الصم والبكم في السنوات التالية، تمهيداً لدمج التلاميذ المعنيين بالمداس العمومية.
وفيما لم تنفذ هذه الوعود، يؤكد المستشار في آليات النفاذ والولوج للأشخاص ذوي الإعاقة ومترجم لغة الإشارات حسام العلوي لـ"العربي الجديد" أن هناك اختلاف بشأن جدوى عمليات زراعة القوقعات لدى الأطفال فاقدي السمع، مشيراً إلى أن هذه الأجهزة تسهّل الاندماج الطبيعي لبعض الأطفال، لكنها تفقدهم أيضاً ملكات أخرى، أهمها حرية ممارسة النشاط البدني والرياضي.
ويقول العلوي لـ"العربي الجديد": "ليس زرع القوقعات الحل المثالي دائماً لفاقدي السمع، ويفضل بعضهم التواصل بلغة الإشارات بسبب صعوبة التأقلم مع القوقعة التي تحمل للأصم أصواتاً مختلفة تجعله غير قادر على التركيز بالقدر الكافي".
يضيف: "لا يمكن أن يحصل التقييم العلمي لنجاح عمليات زرع القوقعات من دون إجراء دراسة شاملة لدورها في تغيير حياة الأشخاص الذي يحملون هذه الآلات، وتونس لا تملك قاعدة بيانات رسمية وأرقاماً موحدة عن عدد الصم والبكم، علماً أن عددهم يقدّر بنحو 30 في المائة من أصحاب الاحتياجات الخاصة، وهم يحتلون المرتبة الثانية بعد الإعاقة العضوية.
ويقدّر آخر مسح أجراه معهد الإحصاء الحكومي عدد حاملي الإعاقة في تونس بنسبة 4.3 في المائة من مجموع السكان، أي نحو 500 ألف من أصل 11 مليون مواطن. أما إحصاءات منظمة الصحة العالمية، فتقدر عددهم نحو 12 في المائة من مجموع السكان.
وتتحمل منظمات المجتمع المدني جزءاً كبيراً من أعباء هذه الفئات، بينما يتقلص سنوياً حجم الموازنات المرصودة للفئات الهشة في المجتمع على غرار المكفوفين وذوي الإعاقة والصم، ما بات يؤثر في شكل لافت في الخدمات التي تقدمها هذه الجمعيات.