تونس: خوف على السلاحف البحرية

01 يونيو 2021
مساعٍ لحماية السلاحف البحرية (من جمعية "أزرقنا الكبير")
+ الخط -

منذ أكثر من ستّ سنوات، يحاول خبراء البيئة ومنظّمات المجتمع المدني الناشطة في مجال حماية البيئة والمحيطات، إنقاذ السلاحف البحرية التي باتت مهدّدة بالانقراض، نتيجة تلوث المحيطات ورمي المواد البلاستيكية، بالإضافة إلى الصيد العشوائي. وتفشّت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة بيع السلاحف البحرية في الأسواق، على الرغم من منع صيدها باعتبارها ثروة بحرية مُصنّفة دولياً من الأنواع المهددة بالانقراض.
في تونس، ينصّ الفصل الثالث من الباب الرابع حول حماية الأصناف المائية من القانون عدد 13 لسنة 1994، والمتعلّق بممارسة الصيد البحري، على أنّه "يتعيّن إرجاع الأصناف المائية المحجر صيدها إلى الماء فوراً أو قبل التحاق المركب بالميناء عند تعذر ذلك" فيما ينصّ الفصل 14 من القانون نفسه على أنّه "يمنع نقل الأصناف المائية المحجر صيدها وكذلك بيعها أو خزنها أو تحويلها".  
وتعتبر جزيرتا قوريا الكبرى والصغرى الواقعتان على بعد 16 كم قبالة سواحل محافظة المنستير شرق تونس من المناطق الأبرز لناحية وجود أعداد كبيرة من هذه السلاحف، لا سيما ضخمة الرأس المعروفة باسم "كاريتا كاريتا" وهو ما جعل الجزيرتين محمية طبيعية للسلاحف والطيور، مع الإشارة إلى أنّ موقعهما مهم لتفقيس بيض السلاحف المهاجرة. ويعمل العديد من الشباب المتطوعين على حماية بيض السلاحف وصغارها قبل إطلاقها في البحر، في وقت تشهد العديد من الشواطئ التونسية توافد أعداد قليلة من تلك السلاحف، أو إيجادها نافقة على الشواطئ بسبب اختناقها بالبلاستيك. 
ويقول عبد الرحمن السويسي، وهو متخصّص في علوم الحياة، لـ"العربي الجديد" إنّ السلاحف البحرية تُعتبر من الأصناف السمكية المهاجرة، وتعيش في معظم البحار والمحيطات. ومنذ أكثر من عشر سنوات، باتت جزيرتا قوريا تستقبلان أعداداً كبيرة منها، الأمر الذي دفع باحثين إلى وضع برنامج متابعة عملية التفقيس على شواطئ الجزيرتين، بإشراف من المعهد الوطني للعلوم البحرية والتكنولوجيا (INSTM) بالإضافة إلى وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي ومنظمات المجتمع المدني على غرار جمعية "أزرقنا الكبير" في محافظة المنستير.

يضيف أنّ "السلاحف باتت مهددّة بسبب التغيّرات المناخية التي أثرت على هجرتها الطبيعية، بالإضافة إلى التلوث وإتلاف أعشاشها على الشواطئ، والصيد العشوائي في العديد من المناطق الساحلية على الرغم من تجريم صيدها. من هنا، يعمل العديد من المتطوعين منذ سنوات على حماية بعض أعشاش السلاحف البحرية والقيام بحملات توعية في العديد من الشواطئ للمصطافين وللسياح لحماية البيض قبل التفقيس.  
من جهته، يشير الصحبي الدرعي، وهو أحد النشطاء بجمعية "أزرقنا الكبير" لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "غالبية المتطوعين بالجمعية يراقبون بصفة مستمرة أعشاش السلاحف لحمايتها من الإتلاف وعبث المصطافين. وبعد تفقيس البيض، ينقلون السلاحف في أوعية بلاستيكية بحذر ويطلقونها في البحر على بعد بضعة أمتار من الشواطئ حتى لا تعود إلى الشواطئ". يضيف أنّ "الجمعية تعمل بالأساس على حماية الثورة البحرية بالشراكة مع منظمات ناشطة في المجال البيئي، بالإضافة إلى الشراكة مع مؤسسات حكومية على غرار وكالة حماية الشريط الساحلي".  

السلاحف باتت مهددّة بسبب التغيّرات المناخية (من جمعية "أزرقنا الكبير")
السلاحف باتت مهددّة بسبب التغيّرات المناخية (من جمعية "أزرقنا الكبير")

وبحسب الناشط في الجمعية، هناك ثلاثة أنواع من السلاحف البحرية في تونس، من بينها السلحفاة ضخمة الرأس "كاريتا كاريتا" والسلحفاة الخضراء. يضيف أنّ الجمعية تنفذ أيضاً عدّة حملات للتوعية بوجود أعشاش بيض السلاحف تحت الرمال، وكيفية الحذر من إتلافها أو دهسها من دون العلم بوجودها، لا سيما خلال فصل الصيف، خصوصاً أنّها باتت نادرة الوجود في كلّ أنحاء العالم". على صعيد آخر، يشير إلى أنّ بعض الشواطئ في تونس كانت من أهم الشواطئ التي تُهاجر إليها السلاحف على غرار خليج قابس، خصوصاً خلال فصل الشتاء لاعتباره من بين الشواطئ الدافئة التي قد تلجأ إليها السلاحف. إلّا أنّ تلوث الشاطئ بأطنان من جبس الفوسفات (مادة صناعية كيميائية) أدّى إلى نفوق العديد من الثروة السمكية، بما فيها السلحفاة البحرية. وهو ما يتم تسجيله سنوياً، لا سيما في فصل الشتاء. وعثر خلال العام الماضي على أعداد كبيرة من السلاحف النافقة في خليج قابس وشاطئ جزيرة جربة. يضيف أنّ "الجمعية تقوم أيضاً بمعاينة السلاحف النافقة لمعرفة أسباب وفاتها، ليتبين أنّ السبب الرئيسي هو التلوث ووجود معدّات صيد في أعماق البحر تعلق فيها السلاحف، بالإضافة إلى البلاستيك الذي يؤدي إلى اختناقها".

ولم تقتصر الاعتداءات على إتلاف أعشاش السلاحف على الشواطئ؛ فالصيد العرضي (يستخدم هذا المصطلح مع السمك والمخلوقات البحرية التي يجرى صيدها من دون قصد أثناء محاولة اصطياد أنواع أخرى من السمك) أدى في أحيان كثيرة إلى صيد بعض أنواع تلك السلاحف وبيعها من قبل الصيادين أو بيع لحومها. ونددت العديد من المنظمات البيئية بغياب الرقابة المستمرة على مراكب الصيد التي تعود إلى الموانئ محملة ببعض أنواع الأسماك النادرة أو تلك التي يُمنع صيدها في أوقات التفقيس والتكاثر. 

السلاحف باتت مهددّة بسبب التغيّرات المناخية (من جمعية "أزرقنا الكبير")
يقيس حجمها (من جمعية "أزرقنا الكبير")

وتدخلت العديد من البلديات في المناطق الساحلية لإيجاد حلول خصوصاً للصيد العشوائي للسلاحف، على غرار المجلس البلدي لمدينة المنستير الذي صادق عام 2020، على قرار يقضي بفرض عقوبة إدارية على كلّ من يخالف منع صيد السلحفاة البحرية والاتجار بها. وأكد القرار على أنّه "يعاقب بغرامة مالية قدرها ألف دينار (300 دولار) كلّ من قام بإمساك أو بيع أو نقل للسلحفاة البحرية داخل المناطق التابعة لبلدية المنستير".

المساهمون