تونسيون يستهلكون الحليب الخام وسط تحذيرات من السلّ الحيواني

16 يناير 2023
يحقّ لكلّ مستهلك شراء عبوتَين فقط من الحليب (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

تدفع أزمة نقص الحليب العائلات التونسية إلى استهلاك الحليب الخام الذي كان قد تراجع على مدى أعوام طويلة، وسط تحذيرات من مخاطر صحية ناجمة عن انتشار السلّ الحيواني، الذي يتسبّب فيه استهلاك الألبان غير المعقّمة وغير الخاضعة إلى الرقابة.

ويشكو السوق في تونس وسط هذه الأزمة من نقص كبير في الحليب "نصف دسم" الأكثر استهلاكاً من قبل العائلات التونسية، الأمر الذي يجعل عدداً منها يبحث عن بدائل في محلات الألبان التقليدية، التي لا تلتزم كفاية بالشروط الصحية في الغالب.

وتسجّل تونس سنوياً 29 حالة عدوى جديدة بمرض السلّ من بين كلّ 100 ألف نسمة، 60 في المائة منها حالات سلّ خارج الرئتَين. والإصابات بمرض السلّ خارج الرئتَين تنجم بمعظمها عن عدوى السلّ الحيواني التي يتسبّب فيها استهلاك الحليب غير المعقّم ومشتقاته ولحوم البقر المصابة، مع 78 في المائة من الحالات، بحسب بيانات وزارة الصحة، مع نحو 3600 حالة سنوياً. والعدوى بهذا النوع من السلّ تنجم عن استهلاك الحليب غير المعقّم ومشتقاته ولحوم الأبقار المصابة.

الصورة
حليب خام في تونس (ياسين محجوب/ Getty)
يزداد الطلب على الحليب الخام وسط الأزمة في تونس (ياسين محجوب/ Getty)

تتحدّث الطبيبة المتخصصة في الأمراض الصدرية ووزيرة الصحة السابقة في تونس سميرة مرعي، لـ"العربي الجديد"، عن أنّ "ثمّة مخاطر تتعلّق بارتفاع الإصابات بالسلّ خارج الرئتَين الناجم عن زيادة استهلاك الحليب غير المعقم ومشتقاته". تضيف مرعي أنّ "الألبان غير المعقّمة، أو ما يصطلح على تسميته محلياً بالحليب الصبّة، هي سبب رئيسي للإصابة بالسلّ الحيواني، لا سيّما السلّ اللمفاوي أو العقدي في العنق".

وتوضح مرعي أنّ "عدوى السلّ تنتقل من قطعان الماشية المصابة إلى الإنسان عبر استهلاك الألبان بصورة أساسية، لا سيّما تلك التقليدية وما يُعرَف بالرايب الذي لا يخضع إلى أيّ نوع من التعقيم".

وتشير مرعي إلى أنّ "السلّ الحيواني يصيب أشخاصاً من أعمار مختلفة، وتُكشَف بؤر العدوى في الغالب في مناطق يرتفع فيها استهلاك الألبان غير المعالجة أو غير المعقّمة". وتحذّر من "عودة انتشار استهلاك الحليب الخام على الصحة العامة"، مشدّدة على "ضرورة البحث عن بدائل أخرى تكون صحية ولا تمثّل خطورة على التونسيين".

من جهته، يقول المهندس المتخصّص في الإنتاج الحيواني ورئيس نقابة مخصّبي الأبقار مهيب الكعبي، لـ"العربي الجديد"، إنّه "يُصار إلى التكتّم عن إصابات الأبقار بالسلّ من قبل مالكي القطعان، وسط تراجع مهمّات المعاينة البيطرية الرسمية".

يضيف الكعبي أنّ "مهمّات معاينة قطعان الأبقار التي تنفّذها الدوائر الرسمية تراجعت بصورة لافتة، الأمر الذي يتسبّب في تزايد إصابات السلّ فيها"، مشيراً إلى أنّ "مالكي القطعان يتكتّمون عن الإصابات خوفاً من الإجهاز على الأبقار".

ويتابع الكعبي أنّ "السلطات كانت في السابق تعوّض أصحاب القطعان عن الأبقار المُجهَز عليها بسبب إصابتها بالسلّ، وذلك في حدود 80 في المائة من قيمة الأبقار، غير أنّ هذا الإجراء مجمّد منذ أعوام، الأمر الذي يزيد من مخاطر انتشار الأمراض في القطعان ونقلها إلى مستهلكي الألبان واللحوم".

الصورة
تظاهرة وسط أزمة الحليب في تونس (الشاذلي بن إبراهيم/ Getty)
من الاحتجاجات التونسية التي شملت مطالبها حلّ أزمة الحليب (الشاذلي بن إبراهيم/ Getty)

وتنفّذ وزارة الصحة في تونس استراتيجية خماسية لمكافحة السلّ، من أبرز قواعدها الكشف المبكر بهدف قطع سلسلة المرض وتحقيق الشفاء التام، بالشراكة مع المجلس الأعلى للبياطرة ووزارة الزراعة المكلّفة بمكافحة السلّ الحيواني.

ويمثّل مرض السلّ الحيواني الذي ينتشر عبر الأطعمة الملوّثة تهديداً للصحة البشرية أكبر ممّا كان يُظَنّ، وذلك بحسب ما يفيد أطباء بشريون وكذلك بيطريون. ويمكن أن يكون ذلك المرض أكثر خطورة وصعوبة في المعالجة من مرض السلّ التقليدي بين البشر، في حين تبيّن منظمة الصحة العالمية أنّ السلّ الحيواني أُهمل لعقود طويلة.

المساهمون