أثارت حادثة وفاة جنين واستئصال رحم والدته العشرينية في مستشفى تونسي ملف ضعف الرعاية الطبية للحوامل في المحافظات الداخلية للبلاد نتيجة افتقار المستشفيات الحكومية إلى أطباء متخصصين في الأمراض النسائية والتوليد.
وأوّل من أمس الإثنين، داهم المخاض المرأة الشابة في أحد المستشفيات الحكومية بمحافظة الكاف شمال غربي تونس، ولم يتمكّن طاقم المستشفى من إنقاذ حياة جنينها بسبب غياب طبيب اختصاص. كذلك أدّى وضعها الصحي المعقّد إلى استئصال رحمها، الأمر الذي يحرمها من حقّها في الأمومة مجدداً.
وتسبّبت الحادثة في سيل من الانتقادات للنظام الصحي في تونس وللنقص في أطباء الاختصاص بالمحافظات الداخلية، الأمر الذي يحرم المواطنين من النفاذ إلى الحقّ في العلاج الآمن واللائق.
وبدأت مأساة المرأة التونسية الشابة التي فقدت جنينها ورحمها على السواء، قبل يومَين، عندما توجّهت إلى مستشفى محلي في مدينة الطويرف التابعة لمحافظة الكاف لتلد. لكنّ الطاقم شبه الطبي أحالها إلى مستشفى مركز المحافظة، وهناك تأخّرت عملية الولادة لعدم وجود طبيب متخصّص في التوليد.
وقد حاولت عائلتها نقلها إلى مستشفى خاص، إلا أنّ إدارته رفضت استقبالها لعدم تأمين تكاليف العملية، فاضطر أهلها إلى إعادتها إلى المستشفى الجهوي في الكاف حيث فقدت جنينها. وفي الوقت نفسه، تعرّضت المرأة الشابة لنزيف حاد اضطرّ الأطباء إلى استئصال رحمها.
وأمس الثلاثاء، أذنت النيابة العمومية في المحكمة الابتدائية في الكاف بالاحتفاظ بناظر مستشفى خاص وقابلتَين وممرّضتَين وطبيب خاص على ذمّة التحقيقات المتعلقة بالحادثة، بحسب ما أوضح المساعد الأول لوكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بالكاف والمتحدث الرسمي باسمها فوزي الداودي في تصريحات إعلامية.
من جهتها، رأت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي أنّ "كلّ المعالجات الظرفية لمثل هذه المشكلات غير مجدية، ما لم تتمكّن الدولة من تحقيق عدالة صحية بين النساء في كلّ مدن البلاد". وقالت الجربي لـ"العربي الجديد" إنّ "من أشدّ أنواع العنف المسلط على النساء هو حرمانهنّ من حقّهنّ في صحة إنجابية سليمة، وهو كذلك الفوارق بين الجهات في ما يخصّ ظروف رعاية النساء الحوامل وعمليات وضعهنّ".
وأوضحت الجربي أنّ "الصحة الإنجابية وحقّ المرأة في رعاية صحية مناسبة في أثناء فترة الحمل والولادة يعرفان ردّة كبيرة وتراجعاً، نتيجة تقلّص دور الكوادر الصحية المتخصصة التي كان لها دور ريادي مهّم في وضع السياسة الإنجابية بالبلاد". أضافت الجربي أنّ "النساء في أرياف تونس محرومات من حقّ المتابعة في أثناء الحمل، وهنّ يواجهنَ مخاطر الولادة غير الآمنة بسبب غياب الأطباء المتخصصين في الجهات والبُعد عن المرافق الصحية".
بالنسبة إلى الجربي، "لم يعد من الممكن الحديث عن مساواة في حقوق المرأة" بتونس، مؤكدة أنّ "فجوة الفوارق بين نساء المدن ونساء الريف تتحوّل إلى هوّة سحيقة". وطالبت بـ"وضع سياسات عامة عاجلة تجعل من صحة المرأة أولوية مطلقة، نظراً إلى تأثير ذلك على العائلة والمجتمع برمته".
تفيد البيانات الرسمية الأخيرة للديوان الوطني للأسرة والعمران البشري (حكومي) الصادرة في عام 2018، أنّ وفيات الأمهات في أثناء الولادة في تونس تبلغ نحو 30 وفاة لكلّ مائة ألف ولادة، فيما قدّرت نسبة وفاة الرضّع حديثي الولادة في الشهر الأول من حياتهم بنحو 12 وفاة لكلّ ألف مولود جديد. يُذكر أنّه في عام 2010، سجّلت نسبة وفيات الأمهات في أثناء الولادة 44 وفاة لكلّ مائة ألف ولادة قبل أن تتراجع إلى 33 بعد ثمانية أعوام.
وتعاني المستشفيات الحكومية في تونس نقصاً في عدد أطباء الأمراض النسائية والتوليد، الأمر الذي من شأنه أن يرفع نسبة الوفيات بين النساء في أثناء الولادة. وتسعى الحكومة التونسية إلى زيادة أعداد أطباء الاختصاص في الجهات لرفع المستوى الصحي، لكنّ هجرة الأطباء إلى الخارج تحول دون تحقيق عدالة صحية في مختلف محافظات البلاد.