- تلقى السكان مناشير تحذيرية من توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية، مما زاد من الذعر والفزع، في وقت تحذر فيه الأمم المتحدة من كارثة إنسانية قد تنجم عن الهجوم.
- النازحون والسكان يواجهون صعوبات في العثور على مأوى، مع نقص حاد في الموارد وإغلاق المعابر، مما يزيد المخاوف من تفاقم الوضع الإنساني والصحي في ظل استمرار القصف والعمليات العسكرية.
لا يجد عشرات الآلاف من الأشخاص في مدينة رفح، من سكانها والنازحين إليها، مكاناً يلتجئون إليه في ظل تقييد المناطق المتاحة، والتي تضم المنطقة الغربية من مدينة خانيونس، خصوصاً منطقة المواصي والمناطق القريبة من مدينة دير البلح.
وتوسعت حركة النزوح من المناطق الشرقية إلى وسط مدينة رفح، ووصلت إلى منطقة مخيم رفح الكبير ومنطقة البلد، والتي طاولها القصف الإسرائيلي على مدار الأيام الأخيرة، لكن وكالة "أونروا" أبقت على مراكز إيواء تغص بعشرات آلاف النازحين الذين لا يجدون أماكن للإيواء، معبّرة عن فشل كل الوساطات لإيقاف الهجوم الإسرائيلي على رفح، وعدم تمكّنها من إدخال أية مساعدات بسبب إغلاق المعابر، محذرة من أن الكارثة الإنسانية باتت قريبة أكثر من أي وقت مضى.
وصباح أمس السبت، تلقّى سكان عدة مناطق في مدينة رفح مناشير بها تحذيرات جديدة ألقاها الاحتلال الإسرائيلي عبر طائراته حول توسيع عملياته العسكرية، وذكر فيها مناطق وسط مدينة رفح التي تشمل جميع أجزاء مخيم رفح الكبير، ومخيم الشابورة، وكذلك أحياء ومناطق في وسط المدينة، من بينها أحياء الإداري والجنينة وخربة العدس، وكل تلك المناطق تقع في قلب مدينة رفح، ويقطن بها مئات الآلاف من سكانها الأصليين والنازحين من مختلف مناطق القطاع.
وتحذر الأمم المتحدة منذ أسابيع من أن الهجوم على رفح، الواقعة على الحدود بالقرب من نقاط الدخول الرئيسية للمساعدات، من شأنه أن يشل العمليات الإنسانية ويتسبب في ارتفاع كارثي في عدد الضحايا. وحذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الجمعة، من أن هجوماً برياً إسرائيلياً على رفح سيؤدي إلى "كارثة إنسانية هائلة".
قضت كثير من العائلات المهجرة من رفح الليالي الخمس الأخيرة بلا مأوى
ويجد من يرغبون في مغادرة رفح صعوبات كبيرة في العثور على أماكن تؤويهم، فالكثير منهم لا يملكون الخيام، وتوجه كثيرون إلى المناطق الغربية من المدينة إلى حين إيجاد أماكن نزوح، أو للحصول على خيام في ظل عدم توفرها منذ إغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم اللذين كانت المساعدات تدخل عبرهما.
على مدار أربعة أيام، بحث رامي نصر (37 سنة) عن منزل للإيجار، أو حتى غرفة واحدة في أي منطقة بمدينة دير البلح، أو في مخيم النصيرات، أو حتى في المواصي التي تكثر فيها المناطق الخالية وتضم عدداً قليلاً من المنازل. يحاول نصر إيجاد مأوى بشكل سريع، فوالدته الستينية مُقعدة، وتستخدم كرسيا متحركا، وتحتاج إلى المتابعة الطبية، وهي كل من تبقى له بعد استشهاد والده واثنين من أشقائه في قصف إسرائيلي على منزلهم بمخيم الشابورة في رفح في يناير/كانون الثاني الماضي.
كانت عائلة نصر تقيم في المنزل البسيط الذي استقبل عشرات من النازحين من مدينة غزة، لكن استشهاد والده وشقيقيه زاد من معاناته، وتسبب في تدهور صحة والدته التي أصبحت غير قادرة على الحركة، ما يجعل تواجدها في خيام النزوح صعباً، خاصة وأنها مريضة بالقلب، ولديها أمراض مزمنة مثل السكري.
يقول رامي لـ"العربي الجديد": "أتواجد حالياً في المنطقة الغربية داخل منزل في حي تل السلطان، وأحاول تأمين مكان يؤوينا، حتى أنني اضطررت للبحث عن خيمة كبديل في حال لم أجد غرفة تبقى فيها أمي مع زوجتي واثنين من أطفالي، بينما أنا مستعد للمبيت في الشارع، لكن حتى الخيام غير متوفرة، ولم أستطع العثور على أي منها بسعر يناسب ما أملكه من مال قليل".
اضطرت عائلات كثيرة إلى المبيت في الشوارع لعدم توفر أماكن إيواء
يضيف: "العديد من العائلات الغزية لديها أشخاص ذوو إعاقة ومسنون ومرضى وجرحى، ولا يمكننا الذهاب إلى أماكن تشبه الصحراء. منطقة المواصي والمناطق المحاذية لها لا تصلح للحياة، وحالياً كلي أمل في العثور على أي مكان أنقل والدتي وأسرتي إليه. بعد فقدان والدي زاد خوفي على أمي، والحرب دمرت كل ما نملك، وهمي حالياً هو الحفاظ على ما تبقى من العائلة".
وخلال اليومين الأخيرين، نزحت العديد من العائلات من المناطق الشرقية، واضطر غالبيتهم إلى المبيت في الشوارع بسبب عدم توفر أماكن للإيواء، وتشير التقديرات المحلية إلى أنه تم إخلاء 20 مدرسة في المناطق الشرقية من مدينة رفح، والتي كانت تضم ما لا يقل عن 100 ألف نسمة، ولم يتم منح الخيام سوى لعدد قليل منهم، وهؤلاء قاموا بنقل خيامهم معهم إلى غربي خانيونس.
خرج إسماعيل سكر (29 سنة) مع أسرته المكونة من سبعة أفراد، وكانوا يحملون الفراش والأغطية، وبعد أن عجز عن إيجاد مكان، قام بالمبيت هو وأسرته بالقرب من أحد السواتر الرملية في المنطقة الغربية لمدينة رفح، وقد استراح لبضع ساعات ثم بدأ مجدداً البحث عن مكان للإيواء.
لا يملك سكر مثل كثير من الغزيين أي مال، وقد دمر الاحتلال منزله في مدينة غزة، واستشهد والده الذي قرر البقاء لحماية المنزل، كما استشهد عدد من الجيران في قصف إسرائيلي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ولم تفلح كل محاولات إسماعيل للحصول على خيمة، لأن جميع الجمعيات الخيرية التي كانت تسجل حاجيات النازحين نقلت أعمالها بعد أوامر الإخلاء الإسرائيلية.
يقول سكر لـ"العربي الجديد": "أتواجد مع المئات في الشارع، ولا نعرف إلى أين نذهب، وحاول البعض العثور على أي أرض يبقون فيها، وقد فاتتني هذه الفرصة، فجميع الأراضي امتلأت بالفعل، وأعيش في ضغط نفسي حاد لأنني لا أملك خيمة، ولا أدري كيف يمكننا مواصلة الحياة من دون سقف، فكيف لي أن أترك أسرتي تحت أشعة الشمس الحارقة. نعيش حالة من التوهان، وكلما سمعنا خبراً عن توفر أرض فارغة سارع العشرات للاتصال بأصحابها، لكن سرعان ما تمتلئ، وناشدت وكالة أونروا وغيرها توفير أي شيء لنا، لكنهم يخبروننا أن إغلاق المعابر يمنع دخول المساعدات والخيام، ونحن الآن ما بين صراع الجوع والعطش، وأزمة الإيواء، وأخاف أن نموت بأحد هذين السببين".
وتشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن نحو 150 ألف نازح غادروا مدينة رفح خلال الأيام الأربعة الأخيرة، بينما تشير أرقام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أن الأرقام أكبر من ذلك، مشيراً إلى أن الاحتلال تعمّد استهداف المناطق المكتظة بالسكان والنازحين لإجبارهم على المغادرة، ويستمر في تهديد النازحين وبث الرعب في نفوسهم.
وقضت الكثير من العائلات الليالي الخمس الأخيرة بلا مأوى على أمل إيجاد مكان للنزوح. في صباح السبت، غادر معاوية شاهين المكان الذي يؤويه بالقرب من بوابة مدرسة بنات تل السلطان في المنطقة الغربية لمدينة رفح، لكن وجهته لا تزال غير واضحة.
تتواجد أسرة شاهين مع العديد من الأسر في الشوارع الصغيرة بمنطقة تل السلطان، وبعضها مكتظة بالنازحين الذين ينتظرون معرفة وجهة النزوح الجديدة. لكن غالبيتهم لا يزالون تائهين بدون أمل قريب، فوسائل النقل شحيحة، ويطلب من العائلات التي وجدت مكاناً للنزوح الانتظار لساعات أو أيام.
يقول معاوية لـ"العربي الجديد": "أنا عاجز عن فعل أي شيء منذ خمس ليال. حين غادرنا المنطقة الشرقية، كان لدينا أمل بالبقاء في رفح، لكن المنطقة الغربية تعرضت للقصف، وبتنا في الشارع على الأرض، وفكرت للحظة في الذهاب إلى الحدود المصرية، وأن أحاول الدخول إلى مصر، لكن حتى المعبر مغلق".
يضيف: "أوافق على الانتقال إلى سيناء لمدة مؤقتة حتى تنتهي الحرب، لأننا بهذا الشكل سنموت، فالنزوح إلى مناطق غربي رفح ليس آمنا، ولا يمكن ضمان تعهدات جيش الاحتلال. نحن نتنقل منذ بداية العدوان بين ما يزعم الاحتلال أنه مناطق آمنة، لكنه كان يقصفها ويقتل العشرات فيها. أنا خمسيني، ولدي 6 أبناء، وإن طلب مني الموت من أجل مستقبل جيد لأبنائي سأوافق، لكن لا يمكنني تحمّل هذه المذلة القائمة".
ولا يستطيع العديد من السكان والنازحين في مدينة رفح الانتقال إلى المنطقة الشمالية من قطاع غزة كونها محاصرة، ويحذر الاحتلال الغزيين من الاقتراب منها لأنها لا تزال تُصنف على أنها منطقة قتال، كما يمنع الاحتلال الاقتراب من الحدود الشرقية، ويستهدف كل من يحاول الوصول إلى بعد كيلومترات من الخط الشرقي الذي يفصل قطاع غزة عن مناطق غلاف غزة.