وسط البساتين والتلال في شمال العراق تتجمّع بقع سوداء راكدة هي بقايا تسرّب نفطي امتزج مع سيول مياه الأمطار الغزيرة، وهو تلوث يتكّرر منذ سنوات ويتلف مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية.
وتعاني محافظة صلاح الدين منذ العام 2016 على الأقلّ من هذا التسرّب النفطي في بلد غنيّ بالنفط، لكن عقوداً من الحروب والنزاعات أنهكت بنيته التحتية، ويواجه أيضاً أزمة مناخية خطرة آخذة بالاتساع.
تلوث تعجز السلطات العراقية عن مواجهته
ويعكس هذا التلوث المتكرر الذي يطاول تلال منطقة حمرين والأراضي الزراعية المجاورة لها في قرية المعيبدي عجز السلطات المحلية عن إيجاد حلول دائمة لوضع حدّ لهذا التسرب النفطي.
ويقول عبد المجيد سعيد، وهو مزارع يملك ستة هكتارات من الأراضي الزراعية تلوّثت بالنفط، إن "النفط سرق مونة الأرض كلها"، مضيفا "كل ما وضعنا بها البذور، تفسد...لم يعد هناك فائدة لهذه الأرض".
وسط التلال، تكدّست الوحول الممزوجة بالنفط وطفت برك مياه سوداء على التربة. وفي بعض البقع حيث جفّت الأرض، تكوّنت كتلٌ سوداء متجمّدة.
على مقربة، تقوم جرافات ببناء سواتر ترابية، وهو الحلّ الذي أوجدته السلطات المحلية لمنع سيول المياه الملوثة بالنفط من التسرّب باتجاه الأراضي الزراعية، لكن ذلك لا يلغي واقع أن الضرر قد وقع بالفعل.
وتقدّر المساحة "التي تعرضت للتلوث بالنفط بنحو خمسة آلاف دونم (500 هكتار)، كانت مزروعة بمحصولي الحنطة والشعير"، وفق محمد مجيد، مدير دائرة البيئة في محافظة صلاح الدين، مشيرا إلى أن السبب "هطول الأمطار بكميات كبيرة"، ما تسبب بطوفان "هذه المخلفات التي كانت متراكمة داخل كهوف طبيعية" في منطقة حمرين.
ويقول الفلاح أحمد شلاش، الذي تضررت أرضه البالغة مساحتها خمسة هكتارات جراء تسرب النفط: "ناشدنا رئاسة الوزراء ووزير الزراعة ووزير النفط لتعويض الفلاحين المتضررين من هذه الكارثة البيئية...إلا أننا لم نجد شيئاً".
ويضيف هذا المزارع، البالغ من العمر 53 عاماً، أن بعض الفلاحين رفعوا دعاوى بهدف الحصول على تعويضات من الدولة. لكنهم وجدوا أنفسهم داخل نزاع قانوني يدفعهم من محكمة إلى أخرى دون نتيجة.
وتتعدد التفسيرات بشأن مصدر هذا النفط، لكن بحسب المزارعين والمسؤولين المحليين، فإنّ لعناصر تنظيم داعش الإرهابي الذين سيطروا على تلك المنطقة دوراً في هذه المأساة.
داعش وسرقة نفط العراق
وبعد سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي على مناطق واسعة من العراق في العام 2014، وضع يده في سلسلة جبال حمرين على حقلي نفط عجيل وعلاس، حيث حفر أحواضاً لتخزين النفط فيها.
ويشرح مجيد أن عناصر التنظيم عمدوا إلى "تفجير خطوط الأنابيب والآبار ما تسبب بنزول المخلفات" النفطية إلى الكهوف الطبيعية في حمرين.
وبعد استعادة السيطرة على المنطقة إثر هزيمة "داعش" في العام 2017 في العراق، طمرت القوات الأمنية هذه الخزانات، لكن عند هطول الأمطار يطوّف هذا النفط، وفق عامر المهيري، مدير هيئة الحقول النفطية في محافظة صلاح الدين في حديث لوكالة الأنباء العراقية.
ويقول مدير دائرة الزراعة في محافظة صلاح الدين إن "ظاهرة السيول النفطية في منطقة حمرين والعلم تتكرر منذ العام 2016"، موضحا أن "الأرض تتأثر من خلال تخندق التربة وامتصاص المواد النفطية والزيوت في الأراضي"، مضيفا أن "هذا الموضوع يكلف ويكبد الفلاح خسائر كبيرة".
ويشرح المسؤول أن "الفلاح سوف يخسر لعدم استغلال الموسم الشتوي في زراعة الحنطة"، مؤكداً في الوقت نفسه أن المزارعين المتضررين سيتلقون تعويضات عن خسائرهم.
تلوث الأراضي يضاعف معاناة التغير المناخي
ويضيف هذا التلوث معاناة إلى معاناة أخرى يواجهها المزارعون في هذا البلد نتيجةً للتغير المناخي، وسط جفاف يرخي بظلاله على العراق للعام الخامس على التوالي. وبهدف توفير الموارد المائية، تعمد السلطات إلى تقليص المساحات المزروعة بشكل كبير.
ويقول مدير دائرة البيئة في صلاح الدين إن وزارته "فاتحت وزارة النفط" من أجل العمل على "التخلص من هذه المخلفات"، مضيفا أن "استصلاح هذه التربة" يتمّ "من خلال قشط التربة ورفعها واستبدالها بتربة أخرى".
ويشرح مجيد أن هذه المخلفات النفطية يمكن أن تؤثر أيضاً على "منسوب المياه الجوفية والآبار" التي يستخدمها الفلاحون في المنطقة، كما أنّ هذا التلوث يؤدي إلى "انبعاث الغازات ورائحة النفط الخام".
ويعدّ العراق بلداً غنياً بالنفط الذي يمثّل نسبة 90 بالمئة من عائداته. كما أن العراق ثاني أكبر بلد منتج للنفط في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ويصدّر يومياً حوالى 4 ملايين برميل.
ويمكن للعراق أن يواصل استغلال النفط على مدى 96 عاماً مقبلةً بفضل الاحتياطات الهائلة التي يملكها، وفق البنك الدولي.
(فرانس برس،العربي الجديد)