قبل أسبوعين فقط من بدء العام الدراسي الجديد، لا تزال مدارس العراق بلا كتب مدرسية بسبب تعثر إقرار الموازنة الحكومية ضمن آثار الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، ما يثير ردود فعل غاضبة من قبل أولياء الطلبة، وانتقادات لاذعة لوزارة التربية باعتبارها المسؤول عن ملف الطباعة.
ليست أزمة نقص الكتب المدرسية ظاهرة جديدة في العراق، لكنها تبدو متفاقمة هذا العام مقارنة بأعوام سابقة، لا سيما بعد تحذيرات أطلقتها لجنة التربية والتعليم النيابية ووزارة التربية حول عدم طباعة الكتب بسبب غياب المخصصات المالية.
وبدأت الكوادر التعليمية دوامها بشكل رسمي، مطلع الأسبوع الحالي، بانتظار دوام الطلبة في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وفقاً للتقويم الدراسي المعلن.
وقال عضو لجنة التربية والتعليم في البرلمان العراقي جواد الغزالي، في بيان، إنّ "وزارة التربية تواجه تحديات كبيرة، أبرزها عدم قدرتها على طباعة كتب جديدة خلال العام الحالي بسبب غياب التخصيصات المالية، رغم وجود عائدات هائلة للنفط، فضلاً عن نقص واضح في عدد الأبنية المدرسية نتيجة للأزمة السياسية الراهنة. النقص الحاد في الأبنية له أثر كبير على الواقع التعليمي، إذ يسبب اكتظاظ القاعات الدراسية بالطلاب، فضلاً عن الدوام المزدوج". وأضاف الغزالي أنّ "طباعة الكتب المدرسة بحاجة إلى أموال طائلة، ولا يمكن اللجوء إلى طرق أخرى مثل الطبع بالآجل بسبب التعقيدات، ورفض أغلب الجهات ذلك، والطلبة مجبرون على استخدام الكتب القديمة، والاعتماد على المسترجع لحين إيجاد مخرج لهذه الأزمة".
في السياق ذاته، أكد مصدر في وزارة التربية فضل عدم الإفصاح عن هويته، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الوزارة لن تُسلّم كتباً جديدة للتلاميذ في العام الجديد بسبب عدم وجود تخصيصات مالية كافية لطباعتها"، مبيناً أنّ "الكتب المدرسية المتاحة لدى الوزارة لا تسد سوى 20 إلى 30 في المائة من احتياجات المدارس"، وأضاف أنّ "طباعة الكتب المدرسية تحتاج إلى مبالغ تصل إلى 250 مليون دولار سنوياً، ما جعل الأمر يتجاوز قدرات الوزارة، والتي كانت في السابق تطبع في لبنان وإيران، وفي داخل البلاد. الكتب الجديدة لم تطبع حتى الآن، ولم تتسلم إدارة المدارس أي كتب جديدة بسبب عدم إقرار الموازنة المالية".
وأفاد ذوو طلبة في العاصمة بغداد بأن أسعار الكتب الدراسية ارتفعت إلى الضعف مع قرب بدء العام الدراسي، وقال أحمد الصجري لـ"العربي الجديد"، إن "الأسعار ارتفعت بشكل كبير بعد حديث جهات رسمية حول عدم وجود كتب جديدة لهذا العام. سعر الكتب يختلف حسب المادة، وعدد الصفحات، وتراوح الأسعار بين 5000 و10000 دينار (نحو 7 دولارات) للكتاب الواحد"، وأضاف أنّ "الطالب الواحد يحتاج إلى أكثر من 50 دولاراً لتأمين احتياجاته من الكتب المدرسية، ناهيك عن المستلزمات الأخرى التي تبلغ كلفتها أكثر من ذلك، والأعباء المادية ترهق المواطنين، لا سيما أنّ أغلب العائلات العراقية تعيش تحت خط الفقر".
وتقول المعلمة العراقية علياء الشمري لـ"العربي الجديد"، إنّها أم لثلاثة أطفال، وجميعهم تلاميذ، وإنّ الإنفاق المالي على طلاب المدارس وصل إلى حدّ جنوني رغم أنّ معظم العراقيين يعيشون في وضع اقتصادي صعب، مبينة أنّ العائلات أصبحت مجبرة على استنساخ الكتب المدرسية، وقلة من يقررون شراءها في حال توفر المال لذلك، وأضافت أنّ "نقص الكتب الجديدة، والاعتماد على الكتب المسترجعة يؤثر على استيعاب الطالب للمادة وتحضير الواجبات اليومية، والكثير من العائلات غير قادرة على تأمين المصاريف المدرسية بسبب غلاء المعيشة في ظل التدهور الاقتصادي القائم".
ويقول المشرف التربوي محمد الدليمي إن "وزارة التربية تواجه تحديات كبيرة أثرت بشكل واضح على واقع التعليم، من أهمها نقص الكتب المدرسية نتيجة عدم إقرار الموازنة، وعدم وجود تخصيصات مالية للطباعة، وعدد الطلاب المسجلين في المدارس يراوح بين 11 و12 مليون طالب، وهو رقم كبير جداً، ويحتاج إلى موازنة كبيرة لتأمين احتياجاتهم".
وأوضح الدليمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها العراق، على إدارات المدارس التعاون مع ذوي الطلبة للتوصل إلى أي إجراء يساهم في تخفيف المعاناة، ويساعد في عدم تأخر أي طالب عن العودة إلى الفصول الدراسية، أو التأثير على مستواهم العلمي عند بداية العام الدراسي. وزارة التربية تسعى إلى تجهيز المدارس وتوفير بعض الكتب الدراسية إلى حين إيجاد حل نهائي لهذه المشكلة التي أصبحت متكررة في كل موسم دراسي".