تكرار القتل على خلفية الشجار يقلق أهالي غزة

27 سبتمبر 2022
انتشار السلاح ظاهرة خطيرة في غزة (محمد الحجار)
+ الخط -

قضى ثمانية من أهالي قطاع غزة نحبهم خلال الأشهر الأربعة الماضية في جرائم عنف أو خلافات عائلية استخدمت فيها الأسلحة، في تنامٍ للمشكلة بالقطاع بسبب الانغلاق الجغرافي الناجم عن الحصار الإسرائيلي الذي يفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

ينعكس الغضب الكامن في نفوس الغزيين على محاولات التفريغ عبر العنف اللفظي والجسدي، فضلاً عن خطاب الكراهية المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب العنف المتنامي ضد النساء اللواتي تطالب بعضهن بالتدخل لحمايتهن من أفراد أسرهن، لكن الغالبية يلتزمن الصمت بحكم الاعتبارات المجتمعية.
في 12 أغسطس/ آب الماضي، قُتل مواطن يبلغ من العمر 19 سنة، بعد إصابته بطلق ناري في البطن خلال شجار عائلي في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، وسبقت ذلك حوادث أخرى مشابهة.
يشدد خليل أبو السعيد، وهو أحد أعضاء لجان الإصلاح في جمعية مخاتير فلسطين، على خطورة قضايا القتل المتكررة، والتي تنتج عنها ردة فعل بالثأر من قبل عائلات الضحايا، موضحاً أن دور لجان الإصلاح يتمثل في ضمان عدم ثأر عائلة الضحية، وتقديم الحماية لطرفي الخصام حتى تنتهي الإجراءات القانونية.
ويؤكد أبو السعيد أن "الشجارات تفاقمت منذ بداية العام الحالي مقارنة بالأعوام السابقة. الناس في غزة يميلون إلى العصبية، والعنف ضد المرأة يتزايد، والمخاتير يميلون إلى الحلول السريعة القائمة على الصلح بين أفراد الأسرة، فلو نظرنا لكل جريمة تحصل، فعادة تكون الأسباب بسيطة، وقابلة للحل، لكن ردات الفعل والميل للتفريغ النفسي يحولانها إلى مشكلة، والأساس ليس فقط انتشار حمل السلاح، وإنما المشكلات المعيشية والنفسية القائمة".
وتكشف دراسة نشرها الباحث جميل وصفي جميل، قبل ثلاثة أعوام، بعنوان "جرائم القتل في محافظات غزة. دراسة في جغرافية الجريمة"، أن نسبة القتل على خلفية الشجار تبلغ 62.2 في المائة من إجمالي عدد الجرائم، وأن الأكثر استخداماً فيها هو السلاح الأبيض بنسبة 45.7 في المائة، كما أكدت الدراسة أن هناك ارتباطاً قوياً بين الظروف المعيشية التي تنتج عن الكثافة السكانية العالية وتكرار جرائم القتل.
وتناولت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في غزة في تقريرها السنوي لواقع سيادة القانون وحقوق الإنسان في فلسطين عام 2021 ظاهرة انتشار السلاح وسوء استخدامه، مؤكدة أنها تتصاعد بدرجة كبيرة، ويلاحظ انتشاره الكثيف في أيدي الفلسطينيين، واستخدامهم له في المناسبات الاجتماعية، وفي الشجارات العائلية.

وحذرت الهيئة من "سباق تسلح بين المواطنين والعائلات والعشائر في غزة، الأمر الذي يشكل تهديداً حقيقياً للسلم الأهلي، ولحق الأفراد في الأمن الشخصي، وحقهم في الحياة، وفي السلامة الجسدية، بالتزامن مع غياب سيادة القانون، حيث يعد عجز السلطات عن فرض الأمن إحدى المشكلات التي تواجه المجتمع، وتهدد بنيته وتماسكه، رغم حظر القانون الأساسي الفلسطيني اقتناء الأفراد للسلاح".
ويشير الباحث في الدراسات الاجتماعية عبد الرحمن رحمة إلى أن "الجريمة تزدهر في غزة لأنها تعكس حالة اليأس التي يمر بها السكان نتيجة انعدام فرص العمل، وانسداد أفق المستقبل، خصوصاً أمام الشباب الذين يشكلون قوة الدفع الرئيسية في المجتمع، ما يدفعهم إلى الانتحار، أو ارتكاب مختلف الجرائم".
ويقول رحمة لـ"العربي الجديد": "لا يوجد أمن  في غزة، لا أمن سياسياً ولا اجتماعياً ولا غذائياً، وبالتالي لا يمكن اعتبار الجرائم ظاهرة، وإنما هي ردة فعل، وأخطر ما نعيشه هو حالة الانغلاق التام، فهناك جيل لم يختلط أبداً بجنسيات أخرى، ولا يعرفون كيف يفكر العالم خارج القطاع الذي يتعرض لعقاب جماعي من العدو الإسرائيلي، وكذلك حالة من الانقسام الوطني، والغالبية منهم لم يشاهد يوماً جبالاً أو سهولاً، والبحر هو منفذهم الوحيد".

الصورة
البطالة والحصار الإسرائيلي لغزة بين أسباب العنف (محمد الحجار)
البطالة والحصار الإسرائيلي لغزة بين أسباب العنف (محمد الحجار)

وتحاول بعض المؤسسات المحلية الحد من العنف الواقع على النساء، والذي تقدر معدلاته بنسبة 40 في المائة من عدد الجرائم في قطاع غزة، وأطلق "مركز الإعلام الاجتماعي" في مايو/ أيار الماضي تطبيقاً ذكياً للهواتف المحمولة للإبلاغ عن العنف الأسري، والحصول على الدعم النفسي والاجتماعي، وتؤكد مديرة المشاريع في المركز خلود سوالمة أنه "خلال الشهر الأول بعد إطلاق التطبيق، تواصلت عبره 190 سيدة مع مؤسسات نسوية للحصول على مساعدة قانونية أو نفسية".
ورغم أنّ معدلات الجريمة انخفضت خلال جائحة كورونا بنسبة 23 في المائة مقارنة بسنوات سابقة، حسب الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، إلا أنها عاودت الارتفاع في 2022، وخلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي، وقع 30 قتيلاً في شجارات عائلية، أو جرائم الأخذ بالثأر، أو جرائم عنف ضد المرأة، وأغلب هؤلاء قتلوا بسلاح غير مرخص، أو أسلحة بيضاء.

المساهمون