تغير المناخ وموت الأشجار

08 ديسمبر 2022
خوف على الأشجار في المستقبل (نيكولاس إيوكونومو/ Getty)
+ الخط -

ما هي العلاقة بين تغير المناخ والأشجار التي تموت من الجوع الكربوني وتلك التي تموت من العطش النسغي؟ المقصود هنا ليس الجوع الذي تعرفنا عليه أيام المدرسة. فطعام الشجرة ليس هو الأسمدة العضوية والكيميائية التي نضعها في التربة حول جذعها؛ والعطش ليس هو ذلك العطش الناتج عن عدم الري، سواء بالمطر أو غيره. في الواقع، إن تغير المناخ يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة وموجات جفاف أشد ونباتات أكثر جفافاً. وكما يبدو، فإن هذه الظروف ستستمر خلال العقود المقبلة وستؤدي إلى زيادة في مدى وكثافة وتواتر حرائق الغابات. ومع الحرائق تختفي العديد من الغابات التي باختفائها ستتسبب بزيادة احترار الأرض وقلة الأمطار وذهابها إلى أماكن أخرى. 
لذلك، فإن الأشجار ستستجيب لهذه الظروف الجافة والحارة فتضيق أو بالأحرى تقفل ثغورها التي تستقبل ثاني أوكسيد الكربون وتفصل عنه الأوكسيجين وتخرجه وتحتفظ بالكربون الذي تستخدمه في صناعة العديد من المنتوجات. وعندما تضيق المسام هذه أو تغلق فلن يدخل ثاني أوكسيد الكربون إلى الأوراق، بينما تكون الشجرة في أشد احتياجها للكربون، فتعمد عندئذ إلى استهلاك الكربون المخزن في الأشجار على شكل نشاء وفركتوز وكزيلوز، إلخ. عندها ستموت الأشجار إذا ما استمر الجفاف لأن فتحات تنفسها ستبقى مغلقة لفترة طويلة في النهار ولن تفتح إلا في الليل، حيث يكون التنفس من خلالها هو عموماً لإخراج ثاني أوكسيد الكربون. هذا الموت في الغابات المتبقية والتي لم تحترق بعد هو الموت الناتج عن جوع الأشجار للكربون (جوع كربوناتي). 
كما أن ارتفاع درجات الحرارة الذي يسببه تغير المناخ قد يحدث فجأة ويسبب تبخراً عالياً لدى الأشجار وجفافاً شديداً، وعندما تفقد الأشجار الكثير من الماء بسرعة كبيرة يمكن أن تتشكل لديها في "الزيلم" (ما يشبه الأوعية الدموية لدى الإنسان) فقاعات الهواء وتمنع نقل المياه من الجذور إلى الأوراق. وهذه عملية يمكن أن تؤدي أيضاً إلى موت الأشجار عطشاً، ليس بسبب عدم ري الأشجار من الأمطار أو الإنسان بل من عدم تمكن الماء وبعض المعادن من الصعود، في الزيلم النسغي، من الأرض إلى الأغصان وأوراقها بسبب فقاعات الهواء التي تعطل الصعود الأوسموزي (بالامتصاص). وهكذا تفقد الأشجار طاقاتها من الإنهاك الذي حل بها نتيجة صعوبة التنفس وصعوبة التمثيل الكلوروفيلي في النهار، الأمر الذي يضعفها ويجعلها فريسة سهلة لهجوم الآفات والحشرات عليها، تماماً كما تفعل الأمراض الفيروسية والبكتيرية والفطرية بجسد الإنسان الفاقد للمناعة نتيجة سوء التغذية. 
وفي غياب الإحصاءات العلمية في مناطقنا، وجدنا في تقرير دائرة الغابات الأميركية أنه في عام 2018 دمرت الآفات ومسببات الأمراض حوالي ستة ملايين فدان من الغابات على مستوى البلاد. قد نعرف الكثير عن الغابات التي تحترق كل عام بسبب الجفاف ولكننا لا نعلم كم هي مساحات الغابات التي تفنى بسبب الأمراض والآفات.

ما يحصل بسبب تغير المناخ هو القليل مما نعرفه أو نتوقعه حتى اليوم بينما آثاره ووطأته تزداد كل عام لتضغط على كل ما له علاقة بكوكب الأرض ومكوناته الحيوية وغير الحيوية. آثاره التي تتصف بالعالمية تستدعي تكاتفاً دولياً لإيقاف تطور تغير المناخ ولجعل الكائنات الحية تتكيف مع التغير من خلال رفع الضغط عنها من جراء الحرائق المفتعلة وغير المفتعلة، والتحطيب للتدفئة والطبخ، والصيد البري والبحري الجائرين. يضاف إلى ما سبق سوء إدارة المياه العذبة السطحية والجوفية والمياه البحرية المالحة وسوء إدارة الغابات، وجرف التربة وتوسع المساحات الزراعية والبنيان السكني على حساب الغابات والأحراج واستعمال المبيدات الكيميائية التي تحد من تكاثر أنواع التنوع البيولوجي، واستخدام السموم التي تقتل الأسماك وطيور البحر كالنوارس، أو استعمال السموم التي توضع للصيد اللاقانوني للثعالب وبنات آوى فتقتل علاوة على ذلك النسور آكلة الجيف ومنظفة الطبيعة.
ويتعارض تكيف الكائنات مع تغير المناخ من خلال تجفيف الأراضي الرطبة، وتشحيل الغابات في أوقات تفريخ الطيور التي تأخذ على عاتقها مهاجمة والتهام الآفات والحشرات وتلقيح النباتات كما يفعل النحل. وما يضعف الكائنات الحية أمام تغير المناخ أيضاً كل أفعال الإنسان التي تخرب التوازن الطبيعي للحيوانات والنباتات من خلال، على سبيل المثال، اعتبار الذئاب والضباع حيوانات ضارة بينما الذئب يصطاد الحيوانات الضعيفة والضبع يأكل الجيف والنفايات العضوية. لحل كل هذه الأمور تطبيق القوانين وزيادة التوعية. 
(اختصاصي في علم الطيور البريّة)

المساهمون