تعرضت النرويج والسويد والدنمارك في اليومين السابقين لموجة عواصف كبيرة خلفت دمارا في شوارعها، مذكرة مرة أخرى بظاهرة التطرف المناخي الذي يزداد توسعا نحو مناطق لم تتأثر به من قبل.
فإذا كان شتاء أميركا اللاتينية انقلب هذا العام إلى صيف حار على العديد من دول القارة، فإن أوروبا من جنوبها إلى شمالها شهدت هذا الصيف التقلبات "المتطرفة" للطقس. واشتركت دول أوربا في تحول أزماتها من الحرائق المدمرة إلى الفيضانات والأمطار الغزيرة، وهو ما يرجعه المتخصصون إلى عواقب التغيرات المناخية الكارثية على دول لم تكن تتصور أن تصاب بحالة جفاف ثم فيضانات مدمرة.
العاصفة "هانز" هزت السويد والنرويج بقسوة يومي الاثنين والثلاثاء، فيما الدنمارك ظلت منذ الأحد تعيش عواصف هوجاء اقتلعت الأشجار ودمرت أسطح منازل وأغرقت أراضي وشوارع تحت المياه.
كما اضطر النرويجيون والسويديون، على وقع "هانز"، لإجلاء المئات من السكان الذين صارعوا مع ارتفاع منسوب المياه في بعض الأماكن إلى 70 و80 سنتيمتر، وخصوصا تلك القريبة من الموانئ. وأدى فيضان نهر غوتا على الساحل الغربي للسويد، في غوتنبرغ، إلى أضرار كبيرة في شبكات مياه الشرب وتلوثها بمياه النهر.
كما أدت الفيضانات في أور السويدية، على الحدود مع النرويج والتي تضم منتجعا للتزلج، إلى دمار غير مسبوق، حيث تدفقت المياه عير الجبال باتجاه المنازل التي حوصر قاطنيها، وسط مناشدات رسمية لهم بالبقاء متحصنين فيها، بحسب ما نقل التلفزيون السويدي، أس في تي. وطمرت شوارع أور الطين وحطام الشجر في مشاهد لم يعتد عليها السويديون في موسم الصيف.
من الجفاف إلى الأمطار الغزيرة
وإذا كان صيف جنوب أوروبا عاش حرائق متكررة، قبل أن ينقلب الوضع إلى أمطار وفيضانات تحصد أرواحا وتدمر ما في طريقها، فإن الصيف الإسكندنافي ينقلب منذ يوليو/تموز الماضي، بعد فترة جفاف طويل، إلى خريف وعواصف وأمطار غزيرة لم يعتد عليها بعد سكان هذه الزاوية الشمالية من أوروبا.
ويصف المسؤولون عن الطوارئ في استوكهولم وكوبنهاغن وأوسلو ما جرى بـ"الكارثي المخيف". كما بادر عدد من خبراء التغيرات المناخية، من خلال التلفزة المحلية، إلى مواكبة ما جرى باعتباره جزءا من التغيرات المناخية العالمية، رابطين بين الحدث المحلي والأحداث الأخرى الممتدة من آسيا إلى جنوب أميركا وإلى كندا شمالا. ويشير هؤلاء إلى أن التطرف المناخي يتحول بشكل سريع إلى حالات متكررة، مع رصد تضرر كبير في الرقعة الجليدية في القطب الشمالي، وارتفاع منسوب المياه وتضرر تيارات المحيطات.
وتدخل الصليب الأحمر في النرويج لتأمين الطعام للناس الذين حاصرتهم الأعاصير والمياه، وأولئك الذين جرى إجلاؤهم عن مناطق سكنهم. حيث حوصر أكثر من ألف شخص إلى الشمال من شرق العاصمة أوسلو، واضطر الصليب الأحمر إلى فتح ممر ضيق عبر الغابات لتأمين الطعام لهم. الأمر نفسه حدث في المدينة السياحية ليلهامر التي شهد غربها انهيارات طينية مخيفة للسكان وهي ترى المنازل تنجرف. وحتى اليوم الأربعاء، مع استمرار حالة الطقس السيئة لم تجزم السلطات النرويجية بعدد الضحايا نتيجة الأعاصير والفيضانات.
أضرار كبيرة وعواصف نادرة نسبيا
شركات التأمين الدنماركية استيقظت اليوم الأربعاء على وقع آلاف عمليات تسجيل الأضرار التي ألحقتها الأعاصير والفيضانات. فالخسائر تبدو كبيرة مع عنف الرياح التي اقتلعت الأشجار وسدت الطرقات ودمرت أسطح عمارات ومنازل، وأغرقت بعض البيوت بمياه الأمطار والفيضانات ما تسبب بأضرار جسيمة في الممتلكات الخاصة، وتأثرت عديد الطرقات وعقد المواصلات بالطقس السيئ.
وذهب مسؤولون في الأرصاد الدنماركية، اليوم الأربعاء، إلى اعتبار العواصف التي شهدتها منطقة إسكندنافيا" نادرة نسبيا في أشهر الصيف". وشدد الأرصاد الدنماركي، وفقا لتصريحات على تلفزيون الدنمارك (دي آر) اليوم على أنه منذ 1891 سجل عاصفة واحدة في موسم صيف.
وصرح باحث المناخ في الأرصاد مارتن ستيندل بأن هذه المنطقة من أوروبا "ستشهد طقسا صيفيا عاصفا وأكثر قوة في المستقبل".
الباحث في التغيرات المناخية في معهد نيلز بور في كوبنهاغن، ينس هسلبيرغ كريستنسن، يرى أن ما يجري على امتداد أوروبا هو نتاج للغازات الدفيئة والتغيرات المناخية الناجمة عنها.
وشدد كريستنسن، اليوم الأربعاء، في تصريحات للصحافة المحلية على ربط ما يجري بالتغيرات المناخية بقوله: "نحن في منتصف ما قلناه قبل 30 سنة، وسيصبح الأمر أكثر سوءا من سنة إلى أخرى، حيث إن تغير المناخ يؤثر في الظواهر المناخية وحالة الطقس".
ويتوقع علماء التغيرات المناخية أن تصبح حالة الطقس في أنحاء أوروبا أكثر تطرفا مما شهدته سلوفاكيا من عواصف وفيضانات خلال الأيام الماضية، حيث توفي ستة على الأقل في أسوأ كارثة طبيعية تشهدها البلاد منذ الاستقلال عام 1991.