يخوض الحوثيون حرباً موازية بعيداً عن جبهات القتال، تتمثل في تعديلات كبيرة في المناهج التعليمية وترسيخ "الهوية الإيمانية"، في معركة تستهدف النشء لاستقطابهم وترسيخ أفكار الحوثيين الأيديولوجية، الأمر الذي يقلق الأهالي.
في بداية العام الدراسي الجاري، فوجئ عمر ناصر (39 سنة) بحجم التغيرات التي طرأت على المناهج حين كان يتصفح الكتب المدرسية لأبنائه الثلاثة الذين يدرسون في المرحلة الابتدائية في إحدى المدارس الخاصة في العاصمة اليمنية صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
يقول عمر لـ "العربي الجديد" إن "حجم التغيير في المناهج جعلني أفكر بشكل جدي في البحث عن وسيلة أخرى لتعليم أطفالي من دون إلحاقهم بالمدارس". ويشير إلى أنه بالإضافة إلى التغيير في المناهج، ينظم الحوثيون العديد من الفعاليات في المدارس. "أشعر أنهم يختطفون عقول أبنائنا بشكل تدريجي". وعلى الرغم من حرصه على إلحاق أبنائه في مدرسة خاصة للحصول على تعليم جيد، يرى أن "ما يحصل أشبه بتعبئة قسرية للأطفال. وإلا فكيف نفهم فرض شعار الحوثيين في المدارس والهتاف ضد أميركا وإسرائيل؟".
وفي أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عقدت وزارة التربية والتعليم في حكومة الحوثيين بصنعاء مؤتمراً استمر أسبوعاً لتطوير المناهج. وفي ختامه، أشار المشاركون إلى تعزيز المفاهيم الوطنية والهوية الإيمانية والقيم الأخلاقية في المناهج الدراسية، وفق ما نقلت وكالة "سبأ" للأنباء.
ويقول رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين مهدي المشاط إن "الأعداء يركزون على استهداف الجيل الناشئ والشباب كونهم حاضر الأمة ومستقبلها ودعامة قوتها". يضيف خلال افتتاح المؤتمر بصنعاء أن "جزءاً من هذه الحرب يحرص على تغيير المناهج بما يتوافق مع المزاج الأميركي والصهيوني/ وحذف آيات الجهاد، وحرف بوصلة العداء، وتقديم الأعداء على أنهم أصدقاء".
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أصدرت وزارة التربية والتعليم التابعة للحوثيين بصنعاء، دراسة عن التعليم في اليمن، وأكدت على أهمية إجراء تغييرات جذرية في جوهر العملية التعليمية ونظامها. وأوصت الدراسة "باستيعاب المرتكزات الإيمانية ومواكبة المناهج للمتغيّرات المعرفية وفق بصيرة إيمانية، مع ضرورة إعادة النظر في الكتب ذات الطابع الفكري، ومنها التاريخ والسيرة بما يرتبط بمقوّمات التحرك الإيماني".
خلال السنوات الماضية، أجرى الحوثيون في اليمن تغيرات كبيرة في المناهج التعليمية استهدفت المرحلة الأولى لتلاميذ المدارس، وغالبيتها تكرس أفكاراً أيديولوجية وسياسية للحوثيين على أساس طائفي، الأمر الذي تعتبره الحكومة اليمنية استهدافاً ممنهجاً للهوية الوطنية. وحذّرت الأخيرة من استمرار الحوثيين في تغيير المناهج. ويقول وزير الإعلام معمر الأرياني إن "تغيير المناهج التعليمية وتعزيز ثقافة الإرهاب والفكر الطائفي فيها وتجنيد الأطفال والزج بهم في جبهات القتال، تنذر بتشكل أجيال من الشباب المسلح بالفكر الطائفي الإرهابي الذي لا يؤمن بالتعايش ولا يقبل بالآخر".
وبدأ الحوثيون فرض عملية التغيير الواسعة منذ 2017، بعد تعيين شقيق زعيم الجماعة يحيى بدر الدين الحوثي وزيراً للتربية والتعليم في الحكومة غير المعترف بها، والتي أعلنت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016. ومنذ ذلك الحين، ما زال باقياً في منصبه على الرغم من التقلبات والتغيرات الجوهرية في تلك الحكومة التي كانت تتويجاً لتحالف الحوثيين مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، قبل أن ينفض بمقتل الأخير.
وركزت التغيرات على المرحلة الأساسية (من الصف الأول وحتى السادس) في أربع مواد دراسية وهي: القرآن الكريم، التربية الإسلامية، اللغة العربية، التربية الوطنية، والاجتماعيات. وشملت حذف دروس بأكملها وإضافة جديدة بدلاً عنها، وعملت على إضافة شخصيات وزعامات مذهبية وقيادات من الجماعة الذين قتلوا خلال الحرب في البلاد، وأضافت دروساً عن معركة كربلاء بين الحسين بن علي ويزيد بن معاوية.
كما حُذفت دروس الأعياد الوطنية وسيرة بعض الصحابة، وأضيف درس بعنوان ثورة 21 سبتمبر (السيطرة على صنعاء) بالإضافة إلى دروس عن ثورات الأئمة من بينهم يحيى حميد الدين (مؤسس المملكة المتوكلية اليمنية). وحُذف درس عن مظاهر الحضارة اليمنية وقصائد شعرية ودروس لشعراء الثورة اليمنية محمد محمود الزبيري وعبد العزيز المقالح. وفي أحد الدروس، يوجه التلاميذ بمشاهدة قنواتهم ووصف القنوات الحكومية بأنها تابعة للعدوان.
ويكشف نائب وزير التربية والتعليم علي العباب أن التغيرات الطائفية التي أجرتها جماعة الحوثيين للعام الدراسي الجاري بلغت أكثر من 420 تغييراً على مناهج الصفوف الدراسية الأولى. وقال في ندوة بمدينة مأرب في سبتمبر/ أيلول الماضي إن "المخاطر المحدقة التي يحيكها الحوثيون هي في صناعة أجيال مشبعة بالفكر الطائفي والعنصري والكراهية".
يرى الحوثيون أن التغييرات التي تطاول المناهج التعليمية ضرورية وتواكب التطورات، ويتبنون إقامة مؤتمرات في هذا الإطار. وبعد سنوات من التغييرات التي بدأت بشكل تدريجي، يرون هذه الممارسات جزءاً من متطلبات معركتهم.
ويرى التربوي عبد العزيز مصلح "التغيرات الحوثية التي تطاول المناهج مرفوضة من حيث المبدأ، حيث لا يحق لجماعة أن تستولى على السلطة بالسلاح وبعد ذلك تغير المناهج، هذا تأسيس لحالة العبث وانتهاك قدسية التعليم الذي يعتبر حق وطني للجميع".
ويقول في حديث لـ"العربي الجديد": "يبرر الحوثيون انتهاكاتهم بالحديث عن تطوير المناهج. لكن لا يمكن تصديق ذلك في ظل الحرب. في الحقيقة هناك عملية تخريب شاملة للتعليم، الذي يجب أن يكون بعيداً عن تجاذبات الصراع. حتى الحكومة الشرعية لا يحق لها تعديل المنهاج في ظل هذا الوضع".
ويلفت مصلح إلى أنه خلال مسيرته التربوية منذ نحو أربعة عقود (تقاعد قبل سنوات)، لم يجد حالة الاستهتار والعبث في التعليم كما يحدث حالياً من قبل الحوثيين. ويقول: "تدمير التعليم معناه مستقبل ضائع لأجيال من اليمنيين الذين من المفترض أنهم يعيدون بناء البلاد التي تدمرت خلال السنوات الماضية".
وتعرض قطاع التعليم في الحرب للتدمير. وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، يواجه اليمن هذا العام "أزمة تعليمية حادة، وعدد الأطفال الذين يواجهون انقطاعاً في التعليم قد يرتفع إلى 6 ملايين". وأفادت بأن "أكثر من مليوني طفل يمني لم يستطيعوا الالتحاق بالتعليم، وما يزيد على 2500 مدرسة في اليمن باتت غير صالحة للاستخدام، إذ دُمّرت أو حُوّلت إلى أغراض عسكرية".
وبحسب دراسة أعدّتها نقابة المعلمين اليمنيين، "فإن عملية تغيير المناهج هدفها تشكيل هوية الجيل الجديد من اليمنيين، في حين أن مواصلة تسييس التعليم والمناهج ستشكل هوية الجيل الناشئ". وقالت: "أحد الوجوه الخطيرة لهذه الحرب أنها ليست من نوعية الحروب التي يراد منها تحقيق سيطرة عسكرية وسياسية فحسب، بل يراد لها تدمير هوية المجتمع وتاريخه ووعيه بالكامل".
ويقول الأمين العام لنقابة المعلمين اليمنيين حسين الخولاني: "تغييرات الحوثيين للمناهج جريمة لأنها تخالف الدستور والأهداف وقوانين التعليم باليمن، وتخالف أيضاً مبادئ الأمم المتحدة التي تجرم التعليم على أساس طائفي أو سياسي". يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "تلك التغيرات أسسها طائفية سلالية تغرس التفرقة، وفي المستقبل ستصنع أجيالاً ملغمة بالأفكار الطائفية تحمل الأحقاد والضغائن وترسخها بين اليمنيين، وتمزق النسيج الاجتماعي". ويرى أن "إضافة رموز طائفية للمناهج هي محاولة لتكريس الأفكار السياسية الحوثية بأن لهم الحق الإلهي في الحكم، وهذه عقائد منحرفة ومتطرفة لا يقبل بها اليمنيون".
ويرى الخولاني أن خطورة ما يقوم به الحوثيون تكمن في "عملية صناعة أفكار تستهدف نسيج المجتمع اليمني المتنوع، وتتجاوز فكرة تحقيق انتصار آني في سياق الحرب الجارية، بالإضافة إلى محاولة محو الهوية الوطنية والثقافة الدينية التي نشأ عليها اليمنيون". ويقول: "نحن في نقابة المعلمين نرفض مطلقاً هذا العبث في المناهج التعليمية، والممارسات الأخرى كفصل معلمين وتوظيف آخرين موالين للجماعة، وتحويل المدارس إلى محاضن طائفية لتنفيذ أجندة إقليمية قادمة من طهران وفقاً لمبدأ تصدير الثورة الإيرانية".
ورصدت نقابة المعلمين اليمنيين خلال سبع سنوات من الحرب مقتل 1582 تربوياً، وتعرض 1173 معلماً للاعتقال والاختطاف، من بينهم قرابة 170 حالة إخفاء قسري، و621 حالة تعذيب جسدي ونفسي. وكشفت النقابة في تقرير نشرته في يوليو/ تموز الماضي أن "22 معلماً قتلوا تحت التعذيب بسجون الحوثيين"، مشيرة إلى أن "60 في المائة من العاملين في القطاع التربوي البالغ عددهم 290 ألف موظف بلا رواتب منتظمة، و924 تربوياً تم فصلهم واستبدالهم بموالين للحوثيين".