تعليم المغرب... أسعار ومطالب "تُلهب" العودة المدرسية

05 سبتمبر 2022
تطرح العودة المدرسية مسؤوليات اجتماعية على الحكومة المغربية (Getty)
+ الخط -

يتوجه اليوم آلاف التلاميذ إلى مؤسسات التعليم العام والخاص في المغرب، بعدما أكملت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والرياضة كافة الترتيبات ومتطلبات بدء العام الدراسي الجديد، وبينها تخفيف التدابير المرتبطة بجائحة كورونا عقب انحسارها خلال الأشهر الماضية.
ويلقي ارتفاع تكاليف العودة المدرسية بظلاله، بسبب "لهيب" أسعار اللوازم المدرسية مقارنة بالعام الماضي، ما يزيد الأعباء المالية على عدد من الأسر، ويثقل كاهلها في ظل ظروف اقتصادية صعبة.
يقول عبد العزيز الحرشي، ولي أمر أحد التلاميذ، لـ"العربي الجديد"، إن "أسعار اللوازم المدرسية مرتفعة بشكل لا يصدق مقارنة بالعام الماضي، وأنا شخصياً لست قادراً على تحمّلها، وهو ما أدركته حين قصدت مكتبة خدمة الكتاب في العاصمة الرباط للاطلاع على أسعار اللوازم المدرسية. واستنتجت بعدها أن وجهتي الأخيرة لشراء لوازم أولادي هي أحد الأسواق العشوائية".
وتؤكد "الجمعية المغربية للكتبيين"، ارتفاع أسعار اللوازم المدرسية بنسبة تتراوح بين 40 و110 في المائة، بتأثير احتكار السوق، واستغلال الظروف. وتشير إلى أن غياب إخضاع أسعار الكتب المستوردة المعتمدة في المدارس الخاصة للقوانين وتدابير المراقبة، رفع أسعارها بين 5 و25 في المائة سنوياً لدى غالبية المستوردين.

ويشدد رئيس "الفيدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ" في المغرب، نور الدين عكوري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على ضرورة تدخل وزارة التربية الوطنية ومجلس المنافسة لمراقبة أسعار الدفاتر وباقي اللوازم المدرسية، مشيراً إلى أن "ارتفاع أسعار الدفاتر محلية الصنع يرتبط بوجود نوع من الاحتكار والمضاربة في السوق. أما ارتفاع أسعار الدفاتر المستوردة بنسبة تتجاوز 60 في المائة فيعود إلى فرض بعض المدارس الخاصة شراء هذه الدفاتر".
وتكشف المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة حكومية، أن الموازنة التي تخصصها الأسر المغربية لمستلزمات دراسة أبنائها تضاعفت أكثر من ثلاث مرات في الفترة بين عامي 2001 و2019، وتحديداً من 1277 درهماً (120 دولاراً) و4356 درهماً (411 دولاراً).
وتوضح أن الموسم الدراسي 2019 - 2020 كلّف الأسر نحو 1556 درهماً (146 دولاراً) في المتوسط، ما يمثل نسبة 35.7 في المائة من نفقاتها المخصصة للتدريس، و20.4 في المائة من ميزانيتها الشهرية.
ويقول الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم التابعة للاتحاد الوطني للشغل (اتحاد عمالي)، عبد الإله دحمان، لـ"العربي الجديد"، إن "الدخول المدرسي الحالي يرتبط بالوضع الاجتماعي السائد في البلاد، والمغاربة عموماً ينتظرون حصول تحول حقيقي في أحوالهم المعيشية، نظراً إلى استمرار ارتفاع الأسعار، ومحدودية الإجراءات الاجتماعية التي أفرزتها جولات الحوار التي لم تغير شيئاً في الواقعين الاجتماعي والاقتصادي، خصوصاً في ظل استمرار الأزمة العالمية والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية لكورونا".
ويلفت إلى أن "العام الدراسي يطرح مسؤوليات اجتماعية على الحكومة، على صعيد أسعار الكتب المدرسية وتكاليف الدراسة، ما يوجد ظاهرة العودة إلى التعليم العام".

ارتفعت أسعار اللوازم المدرسية بشكل لا يصدق (Getty)
ارتفعت أسعار اللوازم المدرسية بشكل لا يصدق (Getty)

شعار الإصلاح
واختارت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والرياضة شعار "من أجل مدرسة ذات جودة للجميع"، للعام الدراسي الجديد، في وقت يواجه القائمون على القطاع تحدي تفعيل إرادة إصلاح منظومة التربية والتكوين.
وينصبّ عمل الوزارة خلال العام الدراسي الحالي على تفعيل قانون يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وتطبيق خريطة طريق لإصلاح المنظومة التربوية الوطنية شكلت موضع مشاورات أجريت في الفترة بين 5 مايو/أيار و6 يوليو/تموز الماضيين، وشارك فيها 21837 أستاذا وأستاذة، وشملت خصوصاً تحسين جودة التعليم، وضمان توفير دعم ملائم للمدارس العامة.
ويذكر الكاتب العام الوطني لـ "الجامعة الوطنية للتعليم - التوجه الديمقراطي" عبد الرزاق الإدريسي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن توقع جني ثمار أي إصلاح في المدى القريب، فتأثير التدخل السياسي في المنظومة التربوية يتطلب زمناً كي يسفر عن نتائج"، وقد طُبقت برامج ومخططات للإصلاح منذ سنوات طويلة، من دون أن تسفر عن نتائج".
ويوضح: "نتمنى أن نصل إلى نهاية الأجل المحدد لتنفيذ الرؤية الاستراتيجية التي أطلقت عام 2015، وتمتد حتى عام 2030 أو ربما عام 2035، تاريخ نهاية موعد تنفيذ النموذج التنموي الجديد، علماً أن التشخيص الحالي للوضع يشمل القول إن التلاميذ يتمتعون بمستوى تعليمي ضعيف، وهم لا يجيدون اللغات".

لم تسفر مخططات إصلاح سابقة عن نتائج (فاضل سنّا/ فرانس برس)
لم تسفر مخططات إصلاح سابقة عن نتائج (فاضل سنّا/ فرانس برس)

قلق واحتقان
في غضون ذلك، تبدي نقابات تعليمية قلقها من عدم قدرة الوزارة على تنفيذ مخططات الإصلاح، في ظل عدم وجود مؤشرات إلى قرب إنجاز النظام الأساسي لموظفي الوزارة الذي كان يفترض أن يرى النور قبل نهاية يوليو/ تموز الماضي.
ويقول دحمان: "لا نتصور بعد سلسلة اللقاءات وجولات الحوار أن يتأخر النظام الأساسي أكثر، لأن الحاجة ملحّة لوضع نظام عادل ومحفز ومنصف وموحد ينهي معاناة الفئات المتضررة، عبر إيجاد حلول نهائية وليست ناقصة قد تزيد تأزم الوضع. كما يؤسس النظام الأساسي لتحقيق العدالة بين الفئات سواء على صعيد الأجور أو آليات الترقية، ويساعد في تطوير المدرسين أوضاعهم المهنية والإدارية، تمهيداً للحفاظ على المكتسبات السابقة، حتى لا تتكرر مأساة نظام عام 2003".
يضيف: "يجب أن يحصل ذلك في إطار مقاربة تستشرف المستقبل، وتستجيب ليس فقط على تساؤلات الكوادر التعليمية، بل أيضاً مستجدات التربية في المستقبل من خلال خطوات للتطوير، وتوقع النتائج. ونحن نريد نظاماً لدمج الأساتذة الذين فرض عليهم نمط التعاقد في العمل، وإخضاع أحوال فئات أخرى تضم المساعدين الإداريين والتقنيين وغيرهم، إلى مراجعة جذرية تسمح بوضع أفرادها في المنظومة التربوية في النظام الأساسي.

وكان أساتذة التعاقد استبقوا بدء العام بالتصعيد، عبر إعلان تنظيم وقفات احتجاج في مؤسسات تعليمية في 14 سبتمبر/أيلول الجاري، وتنفيذ إضراب وطني في 26 من الشهر نفسه، من أجل "إسقاط مخطط التعاقد، وتحقيق دمج الأساتذة المعنيين في السلك العام".
ويرى الإدريسي أن "العام الدراسي الحالي لن يختلف كثيراً عن السنوات الماضية على صعيد غياب الحلول للمشاكل وتراكمها، ما يسيء إلى المنظومة التربوية. لذا يجب أن تعمل الوزارة لحل الملفات، وعدم تركها تتراكم، خاصة أن بعضها يحتاج إلى مناقشة كل نقاطها من أجل إيجاد حلول لها".
أما دحمان فيقول: "نحن أمام سقف عالٍ لمطالب الكوادر التعليمية بعد فشل حلها الموسم الماضي، بسبب رفض المتحاورين بعض الوعود الحكومية التي أطلقت، وبينها زيادة الأجور، كما أن هناك مطالب عالقة للكوادر التعليمية وفئات الموظفين لم تعالجها حوارات سابقة".

تبدي فئات تعليمية غضبها من الوضع (Getty)
تبدي فئات تعليمية غضبها من الوضع (Getty)

بحثاً عن الاستقرار
ويخوض "الأساتذة المتعاقدون" منذ نحو خمس سنوات احتجاجات، تشمل إضرابات عن العمل واعتصامات ومسيرات ووقفات للمطالبة بدمجهم في سلك الوظائف العامة، ما يزيد المخاوف من أن يعيش قطاع التعليم في المغرب، كما العام الماضي، على وقع احتقان يهدد العام الدراسي لآلاف التلاميذ بسبب الصراع الدائر بين وزارة التربية الوطنية وأساتذة التعاقد.
ويقول أحمد العمراني، ولي أمر أحد التلاميذ، لـ"العربي الجديد"، إن "استمرار هدر الزمن الدراسي جراء احتجاجات الأساتذة قد يضع مستقبل التلاميذ في خطر. وطلبنا الأول والأخير هو وضع حد لتوقف الدراسة، وتمكين التلاميذ من حصصهم، مع الإفساح في المجال للحوار من أجل حل المشاكل التي ما زالت عالقة بين الوزارة والأساتذة".
من جهته، يشدد الإدريسي على ضرورة "إيجاد حل عاجل لملف التعاقد الذي يؤدي تمديد النقاش فيه إلى تداعيات كثيرة ستنعكس على التلاميذ". 
ويرى دحمان أن "الدخول المدرسي الحالي تبنى عليه آمال كبيرة يجب التجاوب معها لمنع تحولها إلى خيبات قد تفجر احتجاجات، وهو ما لا نريده لأننا ننشد الاستقرار الحقيقي للمنظومة التربوية الذي يسمح بمواجهتنا التحديات المطروحة في بلدنا".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

ويلفت إلى ضرورة مراجعة حقيقية للأجور ونظام الترقية وواقع الموارد البشرية في القطاع. ويتابع: "سيبقى العام الدراسي الحالي رهن نتائج مسار الحوار وقدرة الأطراف على التوافق على حماية مكاسب الكوادر التعليمية ويصون حقوقها، والتمهيد بالتالي لوضع إطار لمقاربة استراتيجية وطنية قادرة على التجاوب مع التحديات التعليمية التي تفرضها مستجدات الواقع المهني والتربوي".

المساهمون