تعقيدات كورونا... عرقلة قانون العمالة المتخصصة في ألمانيا

04 مايو 2021
بحث عن فرصة عمل (توبياس شوارتز/ فرانس برس)
+ الخط -

 

في ألمانيا، ثمّة حاجة إلى العمال المهرة. لكنّ جائحة كورونا جعلت السفر والخدمات القنصلية في غاية الصعوبة حول العالم، الأمر الذي عرقل الهجرة والجهود في هذا الإطار. من جهة أخرى، فرضت الجائحة حاجة إلى تغيير طبيعة المهن.

عندما دخل قانون العمالة المتخصصة في ألمانيا حيّز التنفيذ في مارس/ آذار من عام 2020، كانت التوقعات مرتفعة. وقد رأى حينها وزير الاقتصاد بيتر التماير أنّ القانون الخاص بهجرة العمال المهرة في البلاد سوف يجذب متخصصي تكنولوجيا المعلومات والحرفيين ومقدّمي الرعاية الصحية وغيرهم من أصحاب الكفاءات العالية من كل بلدان العالم، إلا أنّ الواقع لم يكن بحجم التوقعات على الرغم من أنّ ولايات ألمانية عدّة عمدت الى تعديل بعض القوانين لتسهيل التقييم والاعتراف بالمؤهلات المهنية المكتسبة في الخارج. ثمّ أتت أزمة كورونا لتعرقل آليات التطبيق على الرغم من إشادة المسؤولين عنه بعد مضي عام على بدء العمل به.

وذكرت شبكة التحرير الألمانية (آر إن دي) أنّ أزمة كورونا حتّمت على أقسام التأشيرات في السفارات الألمانية العمل بشكل محدود، على الرغم من الحاجة الماسة إلى العمال المهرة في الوقت الحالي. ونقلت الشبكة عن خبيرة الهجرة بتينا أوفر أنّ استقدام العمالة المتخصصة من دول في خارج الاتحاد الأوروبي من قبيل الهند والمكسيك، كاد يتوقف خلال أزمة كورونا وفشل في أحيان كثيرة، لأنّ المعنيين لم يكونوا قادرين على الحصول على حجوزات أو لأنّ الحدود أغلقت في وجه وافدين من بلدان معيّنة. أضافت أوفر أنّ المحور الرئيسي للعمال المهرة الراغبين في الهجرة هي البعثات الدبلوماسية الألمانية التي تصدر التأشيرات، التي تأثرت مع القنصليات والممثليات الأخرى بالقيود المفروض بسبب الجائحة. ورأت أوفر التي تقدّم المشورة إلى الشركات بشأن العمالة المتخصصة، أنّ هذا الأمر مأساوي لأنّ صناعات عديدة في حاجة ماسة إلى هؤلاء في إطار دعم الاقتصاد.

وعلى الرغم من أنّ قانون هجرة العمال المهرة سهّل وصول كفاءات عديدة في قطاعات معيّنة، فإنّ جائحة كورونا فرضت تغيير الحاجة إلى نوعية العمال المتخصصين مع إعادة توجيه الطلب. وفي حين أنّ عمال الصيانة من مهنيين ذوي كفاءة في مجال تكنولوجيا المعلومات ما زالوا محل متابعة، إلا أنّ الحاجة مثلاً إلى عمال المطاعم والفنادق سجّلت تراجعاً. ويشير المسؤول عن التعاون الدولي في مجلس إدارة الوكالة الاتحادية للعمل، دانيال تيرزنباخ، في هذا الإطار، إلى أنّ ثمّة التفاتة إلى السوق المحلي حالياً، بعدما فقد كثيرون وظائفهم بسبب أزمة كورونا.

الصورة
مهاجر باكستاني مهندس كهربائي في ألمانيا (ألكسندر كورنر/ Getty)
(ألكسندر كورنر/ Getty)

وبحسب تقييم لمجلس خبراء المؤسسات الألمانية للاندماج والهجرة، فإنّ أسباب ما سبق عرضه لا تعود إلى عيب في القانون، إنّما إلى آثار أزمة كورونا على الصعيد العالمي. ولم يغفل نائب المدير العام لمجلس الخبراء هولغر كولب الإشارة إلى أنّ طلب الشركات الألمانية انخفض على العمال المهرة بشكل كبير، موضحاً أنّه انخفض بالإجمال وتلاشى مثلاً في ما يخص المهندسين في شركات صناعة السيارات. لكنّ الطلب زاد على المتخصصين في قطاع الصحة والمهن المتعلقة بالعلاج الصحي والتمريض. وتوقّع كولب أن يعود الطلب ويرتفع على العمال المتخصصين في القطاعات الأخرى ومن دول في خارج الاتحاد الأوروبي عندما يتعافى الوضع الاقتصادي، مشدداً على أهمية أن تقدّم الأطراف المعنيّة المشورة بشأن نقاط القوة والضعف في القانون بغض النظر عن كورونا.

في سياق متصل، يشير المحاميان ماريوس توليناري ونيما سارفاري، من مكتب شركة المحاماة "فراغومان غلوبال" المتخصصة في تبادل الموظفين وهجرة اليد العاملة لموقع "بيك أونلاين"، إلى أنّ إطار قانون الهجرة جذاب جداً للمتخصصين من أصحاب المؤهلات العالية، وفي إمكانهم الحصول على تصاريح إقامة بعد 21 شهراً فقط، أي الحق في الإقامة الدائمة والدخول إلى سوق العمل الحر. في المقابل، تبرز معرقلات عدّة ومسائل مرهقة من قبيل اللوائح الخاصة بإثبات التعادل ما بين المؤهل المهني والمؤهلات التي تمّ الحصول عليها في هذا البلد. ويشدد توليناري على ضرورة ألا يُقاس كل شيء وفقاً للمعايير الألمانية، بل ينبغي التحقق من ملاءمة الدورات التدريبية مع الاختبارات الخاصة بالوظيفة والمتعلقة بالمهارات، لافتاً إلى أنّ النظام الألماني للتدريب المهني مزدوج.  يُذكر أنّ مجلس الشيوخ في ولاية برلين عمد إلى تعديلات تهدف إلى ضمان إمكانية العمل بسرعة للأشخاص الحاصلين على التحصيل المهني في الخارج، وبطريقة أكثر سهولة وفعالية في سوق العمل الألماني.

وتوضح سارفاري أنّ ثمّة قوانين جديدة تبدو جيّدة على الورق فقط، فأفضل قانون قد يكون ذا فائدة ضئيلة في حال كانت السلطات تفتقر إلى الأدوات اللازمة، لافتة إلى صعوبة في تحديد مواعيد للتأشيرات. فقد يستلزم الأمر مدة تزيد عن تسعة أشهر في البلقان مثلاً. ويطالب العاملون على تنسيق برامج تطبيق قانون الهجرة، بالتقليل من الإجراءات البيروقراطية وتسريع الجهود بالاتكال على الرقمنة. أمّا تيرزنباخ، فيشدد من جهته على وجوب حرص المرء خصوصاً على عدم وقوع المهاجرين من العمال المهرة في أيدي الأشخاص الخطأ. ويلفت إلى أنّه "في حال تحوّل ذلك إلى اتجار بالبشر، فسوف نواجه مشكلة كبيرة".

وفي تعليق، صرّح وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر أخيراً أنّه "بعد عام فقط من طرح القانون، نجحنا في المنافسة على العمال المؤهلين بعدما قدمنا للناس طريقاً قانونياً للدخول إلى سوق العمل الألماني". ولفت في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير العمل هوبرتوس هايل إلى أنّ "ألمانيا لا تريد الهجرة إلى النظام الاجتماعي إنّما إلى سوق العمل، وهذا ما يمكّننا كذلك من وقف الهجرة غير الشرعية إلى حدّ ما".

الصورة
مهاجر سوري في مصنع في ألمانيا (ألكسندر كورنر/ Getty)
(ألكسندر كورنر/ Getty)

تفيد بيانات الحكومة الألمانية، بأنّ البعثات الدبلوماسية الألمانية أصدرت بعد عام من بدء تطبيق قانون العمالة المتخصصة، نحو 30 ألف تأشيرة دخول لمتخصصين ومؤهلين ومتدربين من خارج الاتحاد الأوروبي على الرغم من جائحة كورونا، إلا أنّه من غير الواضح كم منهم دخل البلاد بالفعل. في هذا الإطار، يشير تيرزنباخ إلى أنّ دولاً عدّة من بينها البرازيل اضطرت إلى تقليص أنشطة البرامج الخاصة للوكالة الفيدرالية، لأنّ التركيز في الوقت الحالي في داخل البلاد هو على مكافحة تفشي فيروس كورونا الجديد. أمّا موقع الحرفيين الألمان، فيبيّن في أوّل تقييم له بعد مرور عام على القانون المتعلق بهجرة الكفاءات الجديدة، أنّه على الرغم من إشادة المسؤولين الحكوميين بالقانون فإنّ جائحة كورونا جعلت السفر والهجرة في غاية الصعوبة. ويشرح تيرزنباخ أنّ القانون الذي أتاح الفرصة كذلك أمام العمال المهرة من المهنيين للبحث عن وظائف في ألمانيا بعد حذف اختبار الأولوية والتدقيق في توفّر كفاءات للوظيفة محلياً وأوروبياً، سمح لنحو 2000 متخصص بالوفود إلى ألمانيا من خلال برامج خاصة تابعة للوكالة الفيدرالية في خلال الأشهر الاثنَي عشر الماضية، من بينهم 362 وافداً من الفيليبين و200 من المكسيك و98 من البرازيل و85 من فيتنام و39 من الهند و27 من تونس، إلى جانب 18 متدرباً من السلفادور. يُذكر أنّ الشروط شملت التكلّم باللغة الألمانية وتأمين المصاريف أولاً.

تجدر الإشارة إلى أنّ الولايات الألمانية أنشأت أخيراً مراكز متخصصة في القضايا المتعلقة بهجرة العمال المهرة، مع تأسيس وزارة الخارجية مكتباً اتحادياً للشؤون الخارجية في بداية العام الجاري، وفيها يعمل خبراء على معالجة طلبات التأشيرات رقمياً من كل أنحاء العالم بسبب الجائحة والقيود الكبيرة ذات الصلة المفروضة في بلدان كثيرة. كذلك، عملت الحكومة بشكل مكثف على اتخاذ مزيد من التدابير لتحسين الإجراءات الإدارية وآلية الاعتراف بالشهادات وتوسيع التدريب اللغوي، بالإضافة إلى الآليات الخاصة بالدعاية والإعلان في الخارج، إلى جانب مواقع تتوفّر فيها معلومات شاملة عن الشركات والوظائف المطلوبة للعمالة المتخصصة.

ومن المعلوم أنّ ما بين نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 ونوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أضيف 66 ألف موظف من دول ثالثة يستفيدون من التأمينات الاجتماعية، علماً أنّ الجهود في هذا السياق بُذلت لتكون التوظيفات طويلة الأجل بحكم التركيبة السكانية، أي المجتمع المتقدّم في السنّ، التي لن تتغير نتيجة أزمة كورونا. يُذكر أنّ ركيزة أنظمة الضمان الاجتماعي في ألمانيا تعتمد على عدد العاملين وتحتاج إلى عدد كاف من الوظائف لتمويلها. وفي هذا السياق، قال رئيس رابطة الحرف الألمانية هانز بيتر فولسايفر إنّ القانون حدد مسار الهجرة الموجّهة إلى سوق العمل لمصلحة المهن الماهرة والاقتصاد الألماني.

المساهمون