شهدت عدة جامعات إيرانية، اليوم الإثنين، تجمعات احتجاجية في طهران ومدن أخرى، استمراراً للحراك الذي انخرط فيه الطلاب مع بدء العام الدراسي الجديد في إيران، منذ 25 سبتمبر/أيلول، عقب وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني، التي اعتقلتها شرطة الأخلاق في العاصمة.
لكن التجمع الذي شهدته جامعة "الشريف للصناعة" وسط طهران، الليلة الماضية، كان مختلفا، ومرّت على طلابها ليلة صعبة، دفعت إدارة الجامعة إلى إغلاق الدوام الحضوري فيها، اليوم الإثنين، وتحويله إلى الدراسة الافتراضية.
وأعلنت وزارة العلوم الإيرانية، الأحد، أن الأجهزة الأمنية والقضائية أفرجت عن معظم الطلاب الذين اعتقلوا بالتزامن مع تصاعد الاحتجاجات في الجامعات، موضحة أن القرار اتخذ بجهود وزير العلوم محمد علي زلفي غل، مشيرة إلى أن الاتصالات مستمرة للإفراج عن بقية الطلاب المعتقلين.
وكانت السلطات التعليمية الإيرانية قد استبقت بدء العام الدراسي في الجامعات بالإعلان عن الدراسة الافتراضية في العديد منها، وخاصة في طهران وعدد من المدن الإيرانية، بدلا من التعليم الحضوري. غير أن هذا الإجراء لم يمنع العديد من الطلاب من الحضور في عدد من الجامعات الإيرانية، من بينها في العاصمة طهران، لتنظيم تجمعات احتجاجية خلال الأسبوع الماضي داخل ساحات هذه الجامعات، من بينها جامعة "طهران"، و"الشهيد بشهتي" و"شريف للصناعة"، و"العلامة طبطبائي"، فضلا عن جامعات أخرى في عدة محافظات.
ورفع الطلاب المحتجون خلال تجمعات هتافات سياسية حادة، فضلا عن شعار "مرأة حياة وحرية" و"رجل وطن وإعمار"، وتخللت احتجاجاتهم مواجهات مع الشرطة وأمن الجامعة، واعتقلت الأجهزة الأمنية العديد منهم. ثم استمرت الاحتجاجات الطلابية مع تراجع زخم الاحتجاجات في الشوارع، وسط دعوات طلابية وأخرى من بعض أساتذة الجامعات للإضراب حتى الإفراج عن الطلبة المحتجزين.
من جهتها، أعلنت ثلاث جامعات في طهران عن الإفراج عن 20 من طلابها المعتقلين، وفق صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية. ويستمر حجب مواقع التواصل وتقييد الإنترنت في إيران، ما سبب مصاعب بالغة في الوصول إلى الإنترنت الدولي. وبعد انتشار أنباء الأحد عن رفع الحجب عن منصة "واتساب"، نفت وزارة الاتصالات الإيرانية صحة هذه الأنباء.
ليلة ساخنة بـ"الشريف"
وشهدت عدة جامعات إيرانية في طهران وأصفهان وكردستان وخراسان الرضوية ومحافظات أخرى، الأحد، تجمعات احتجاجية جديدة، لكنها كانت أقل عددا من السبت الماضي، مع استمرار المناشدات الاحتجاجية الطلابية بالإفراج عن المعتلقين. لكن التجمع الذي شهدته جامعة "الشريف للصناعة" وسط طهران، الليلة الماضية، كان مختلفا ومرّت على طلابها ليلة ساخنة وصعبة، دفعت إدارة الجامعة إلى إغلاق الدوام الحضوري فيها، اليوم الإثنين، وتحويله إلى الدراسة الافتراضية.
وبدأت حوادث جامعة "الشريف"، التي شهدت أيضا، خلال الأيام الماضية، تجمعات أخرى، مع غروب الشمس، حيث راجت أنباء عن تجمع عدد من طلبة هذه الجامعة أمام بوابتها في شارع "آزادي" (الحرية)، مطلقين هتافات سياسية ودعوات للإفراج عن طلبة الجامعة.
وثمة روايات متضاربة بشأن حوادث الليلة الماضية في جامعة "الشريف" الإيرانية الصناعية، بين رواية بعض الطلبة والتكتل الإسلامي، ورواية وكالات أنباء رسمية وشبه رسمية.
قالت وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية، اليوم الأحد، إن "عددا قليلا" من طلاب الجامعة أطلقوا خلال التجمع الاحتجاجي هتافات "منتهكة للحرمات"، لكن شعارات معظم الطلبة تركزت على المطالبة بالإفراج عن المعتقلين.
وأوردت "إرنا" في تقريرها أن البعض من نوافذ بيوتهم والشوارع المؤدية إلى الجامعة حرضوا المواطنين على التوجه نحو الجامعة.
وتظهر مقاطع مصورة وأنباء متداولة دعوات من قبل بعض السيارات والمارة للمواطنين للتوجه نحو الجامعة لـ"إنقاذ الطلبة من حصار قوات الأمن"، فضلا عن فيديوهات عن وجود مكثف لقوات الأمن أمام الجامعة واقتحامها وملاحقة الطلبة وإصابة العديد منهم.
وأضافت "إرنا" أن "الشرطة لم تتدخل إلا بعد ساعة" من بدء احتجاجات طلاب الجامعة، لكنها "اضطرت لاستخدام الغاز المسيل للدموع" لتفريق المتظاهرين وتسهيل حركة المرور في شارع "آزادي"، مشيرة إلى حضور وزير العلوم إلى الجامعة وحديثه مع المحتجين وانتهاء تجمعهم، حسب الوكالة، التي اتهمت آخرين من غير الطلاب بالتجمع أمام جامعة "شريف" والشوارع المحيطة بها حتى منتصف الليلة الماضية لـ"أغراض أخرى"، على حد وصفها.
يشار إلى أنه بعد انتشار الأنباء عن اقتحام قوات الأمن الجامعة وملاحقة الطلاب المحتجين واعتقال عدد منهم، أوردت وسائل إعلام إيرانية أن بعض عائلات الطلاب توجهوا نحو الجامعة قلقلين على أولادهم، فضلا عن توجه مواطنين آخرين إليها للتجمع أمام الجامعة دعما للطلاب المحتجين.
وأظهر مقطع مصور متداول على شبكات التواصل كلمة وزير العلوم محمد علي زلفي غل أمام الطلاب المحتجين، يظهر حديثهم أمام الوزير وتعرضهم للضرب والرصاصات المطاطية والغاز المسيل للدموع، مع إبداء قلقهم على أرواح الطلاب المعتقلين. كما تخلل حديث الوزير تلاسن كلامي بينه وبين بعض الطلبة الغاضبين.
والكتلة الإسلامية الطلابية الإصلاحية قدمت رواية أخرى على حسابها في "تويتر" حول ليلة "الشريف" الساخنة، قائلة إن "أول مواجهة جادة بين الطلاب وقوات الأمن المتنكرة بالزي المدني حصلت أمام كلية هندسة الطاقة"، ومشيرة إلى أن هذه القوات أحضرت سيارات و"اعتقلت ثلاثة طلاب"، وتسببت بنقل الرابع إلى المستشفى بعد ضربه بالهراوة.
وأشارت الكتلة إلى بدء إطلاق رصاصات مطاطية ورصاصات معدنية مدورة صغيرة الحجم تجاه الطلاب مع استمرار الاحتجاجات، ما دفعهم إلى إغلاق أبواب الجامعة أمام قوات الأمن، لافتة إلى توجه الطلاب المحتجين إلى مبنى ركون السيارات في الجامعة بتوجيه من سلطاتها للخروج من أبواب فرعية إلى خارج الجامعة، إلا أنه، حسب رواية الكتلة الإسلامية، فإنه بعد وصول عدد كبير من الطلاب إلى موقف السيارات، جرى الإعلان عن أن أبوابه لا تفتح، مشيرة إلى أن عناصر القوات المتنكرة بالزي المدني كانوا مستقرين في الطبقتين الأولى والثانية، وقاموا بإطلاق الرصاصات البلاستيكية والغاز المسيل للدموع صوب الطلاب، وتعنيفهم واعتقال 30 إلى 40 منهم، فيما نجح آخرون في الهروب.
وفي بيان شديد اللهجة اليوم الإثنين، وصفت الكتلة الإسلامية الطلابية بجامعة الشريف للصناعة يوم الأحد بأنه "يوم دموي" و"وصمة عار" على السلطات، مؤكدة أن ما حصل كان "وفق سيناريو مخطط لإسكات أصوات الطلاب المحتجين".
ودعا البيان الطلاب وأساتذة جامعة الشريف إلى تجنب الدوام حضوريا أو افتراضيا، قبل تحقيق جملة مطالب، هي "الإفراج عن جميع الطلاب المعتقلين، والاعتذار الرسمي والتعويض عن الخسائر للطلاب، وضمان أمن الطلاب في الجامعة ومحيطها، وعدم تكرار هذه الحوادث مستقبلا، وإغلاق جميع الملفات القضائية للطلاب".
ودعت الكتلة الإسلامية الطلابية الطلاب وأساتذة الجامعات في أنحاء إيران إلى تعطيل الدراسة تضامنا مع طلاب جامعة "الشريف"، إلا أن وكالة "إرنا" الرسمية ذكرت في تقريرها أن جميع الطلاب خرجوا من الجامعة، ناقلة عن رئاسة الجامعة أنهم "بصحة جيدة".
من جهتها، عبرت كتلة "باسيج الطلاب" المحافظة بجامعة شريف الصناعية، في رسالة موجهة إلى وزير العلوم، عن دهشتها مما حصل الليلة الماضية في الجامعة، واصفة إياها بأنها "من الحوادث المريرة للغاية"، منتقدة إطلاق بعض الطلبة "هتافات غير أخلاقية ومنتهكة للحرمات"، وثم "الدخول غير المسؤول" لقوات الأمن إلى ساحة الجامعة وسلوكها "غير المنطقي" مع الطلاب.
وأضافت الكتلة أن الأحد "كان يوما مريرا وأسود" في تاريخ الجامعة، مشيرة إلى أن "الحضور المرعب لعدد من قوات الأمن في أطراف الجامعة خلق مشاهد مؤسفة ومقلقة"، مع قولها إنه ساهم في تأجيج الوضع داخل الجامعة.
ونددت كتلة "باسيج الطلاب" بـ"قوة" بالتعامل "العنيف" مع الطلاب، داعية وزير العلوم إلى العمل على عدم تكرار هذه "الحوادث المريرة" في فضاء الجامعة واستعطاف طلابها وأساتذتها.
كذلك، أشارت الكتلة إلى أن بعض الطلاب أطلقوا هتافات "غير أخلاقية" خلال تجمعهم أمام الجامعة، وقد انتشرت مقاطع مصورة عنها في الفضاء الافتراضي، قائلة إنها شكلت "وصمة عار" وهي بعيدة عن الآداب والأخلاق، داعية وزير العلوم إلى التصدي لـ"أولئك الذين يلوثون الفضاء المطلبي بالجامعة بعيدا عن الأساليب الأمنية والمصلحية".
وتحوّلت وفاة مهسا أميني (22 عاما)، التي أوقفتها شرطة الأخلاق في العاصمة الإيرانية طهران في الثالث عشر من الشهر الجاري، وهي آتية من محافظة كردستان إلى طهران للسياحة برفقة أسرتها، إلى قضيّة رأي عام في إيران، وحاولت السلطات من خلال إطلاق تصريحات وتطمينات بإجراء تحقيقات "عادلة" بشأن حادثة وفاتها احتواء غضب الشارع والاحتجاجات الواسعة، التي اندلعت في الـ17 من الشهر الجاري، على وفاة الشابة الإيرانية الكردية، والاحتجاجات ما زالت مستمرة بشكل أو آخر.