زادت تداعيات أزمة كورونا من حدة المشكلات الاجتماعية الملحة في روسيا، وعلى رأسها زيادة الفقر وانتشار التفاوت الطبقي في البلاد.
أظهر استطلاع رأي حديث أجراه معهد علم الاجتماع التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن ثلث عدد الروس المستطلعة آراؤهم، يشكون من تراجع مداخيلهم خلال السنة الأخيرة، بينما استنفد 20 في المائة من عينة الاستطلاع الجزء الأكبر من مدخراتهم خلال عام 2020، في حين تحدث 55 في المائة منهم عن زيادة كبيرة في الإنفاق على المواد الغذائية، ومستلزمات أخرى بينها الأدوية.
وتكشف بيانات هيئة الإحصاء الروسية "روس ستات" لعام 2020، أن عدد الفقراء في البلاد، وهم أولئك الذين تقل مداخيلهم عن الحد الأدنى للمعيشة في إقليمهم، بلغ 17.8 مليون شخص، بنسبة 12.1 في المائة من إجمالي عدد السكان البالغ أكثر من 146 مليون نسمة. وعلى الرغم من كل هذا التدهور المعيشي الذي تعاني منه الطبقة الوسطى والفقراء، إلا إن الجائحة لم تمنع أثرياء روسيا من مواصلة تكديس ثرواتهم، إذ أظهر مؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات، أن مجموع ثروات المليارديرات الروس سجل زيادة قدرها 13.8 مليار دولار خلال عام 2020 وحده.
وكانت المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو قد حذرت في تقرير من مخاطر إفقار الطبقة الوسطى في البلاد، مشيرة إلى عزوف الحكومة عن دعم هذه الطبقة، وأن ذلك "سيحول دون تحقيق أي زيادة تذكر في معدل النمو الاقتصادي السنوي".
في السياق، يقول الخبير الاقتصادي مدير "معهد المجتمع الجديد" في موسكو، فاسيلي كولتاشوف، لـ"العربي الجديد": "التفاوت الهائل بين الأثرياء والفقراء في روسيا ليس مرتبطاً فقط بجائحة كورونا، بل يعود إلى أن الأغنياء يركزون رؤوس أموالهم في الأصول المدرجة بالعملات الأجنبية، مثل الدولار واليورو والجنيه الإسترليني. في حين واصلت الأزمات العاصفة التي أدت إلى تكرار تراجع قيمة العملة الروسية إفقار غالبية السكان، وخصوصا أفراد الطبقة الوسطى". ويشير إلى أن "الطبقة الوسطى الروسية تعرضت خلال العقود الماضية لمجموعة متتالية من الانتكاسات، إذ تحول كثيرون إلى فقراء لكنهم يمتلكون شققاً سكنية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، ثم تفاقمت مشكلاتهم بعد الأزمة المالية العالمية في عامي 1998 و1999".
ويحذر كولتاشوف من أن "استمرار الوضع الراهن ينذر بانزلاق أبناء الطبقة الدنيا مجدداً إلى حالة أسوأ مما هم عليه الآن، وعندها لن يكون لديهم شيء يخسرونه، وهذا أمر خطير، بينما يتطلب تحسين الأوضاع المتردية تعزيزاً لسعر صرف الروبل، وزيادة أجور الموظفين الحكوميين المقيمين خارج العاصمة موسكو، والتي تعرف مستويات معيشة مرتفعة قياساً بالأقاليم الأخرى".
وتثير مشكلة التفاوت الطبقي قلق السلطات الروسية بمستوياتها المختلفة، وأقر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في رسالته السنوية إلى الجمعية الفيدرالية، في إبريل/ نيسان الماضي، بأن جائحة كورونا زادت من حدة مشكلات التفاوت الاجتماعي وفاقمت مستويات الفقر، وأعلن صرف مساعدات إضافية للفئات الأكثر عرضة لتداعيات الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الجائحة، ومنهم العائلات غير مكتملة الأفراد، والنساء الحوامل اللواتي يعانين من مشكلات مادية.
ورغم ذلك، يعتبر أليكسي موخين، مدير مركز المعلومات السياسية بموسكو، وهي مؤسسة استشارات متخصصة في التحليل السياسي والعلاقات العامة، أن "أوضاع سكان روسيا قد تتحسن بتحقيق نمو اقتصادي، وليس بصرف إعانات إضافية"، ويوضح لـ"العربي الجديد"، أنه "ينبغي بالدرجة الأولى تطوير الاقتصاد، لا توزيع الأموال. تضرر الاقتصاد كثيراً نتيجة جائحة كورونا، ويجب الآن بذل جهود أكبر لتدارك الأوضاع المتدهورة".
ومنذ بداية جائحة كورونا في ربيع عام 2020، تسعى السلطات الروسية إلى دعم المواطنين بالمساعدات، ودعم قطاع الأعمال عن طريق صرف إعانات إضافية، وإجراءات شملت تأجيل سداد الضرائب، وتأجيل أقساط القروض.