أثار وزير الداخلية الاتحادي في ألمانيا، هورست زيهوفر، الجدال مجدداً بعزمه على ترحيل "المجرمين الخطرين" من اللاجئين السوريين، وكلّ من أدين منهم بارتكاب أعمال عنف خطيرة إلى بلادهم، في تحدٍّ لقرار تعليق عمليات الترحيل بحقهم والمعمول به منذ عام 2012، وجرى تمديده عدة مرات منذ ذلك الحين، وما زال سارياً حتى نهاية العام الجاري.
ويبدو واضحاً أنّ زيهوفر أراد طرح إمكانية رفع هذا الحظر في حالات معينة، كما إرسال إشارة إلى هؤلاء "المجرمين" بأنّهم فقدوا حق البقاء في ألمانيا، بعدما انتهكوا حق الضيافة، وأنّ على الحكومة العمل لضمان مغادرتهم بصورة نهائية، وفي مؤشر لنيته الضغط على الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم، للسير بهذا التوجه. وقال زيهوفر إنّه سيدعو خلال مؤتمر وزراء داخلية الولايات، الذي يعقد ابتداء من أمس، الأربعاء، حتى يوم غد الجمعة، "بدلاً من فرض حظر عام على الترحيل مستقبلاً، التحقق مرة أخرى في كلّ حالة فردية، على الأقل بالنسبة للمجرمين والخطرين أمنياً، إذا ما كان الترحيل ممكناً إلى سورية".
واحتدم النقاش مجدداً حول القضية بعد عملية الطعن التي نفذها لاجئ سوري (20 عاماً)، بسكين، في مدينة دريسدن، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وأسفرت عن مقتل شخص وإصابة آخر بجروح خطيرة. وارتفعت بعدها أصوات مطالبة بترحيل أيّ مجرم أو كلّ من يخطط لشنّ هجمات "بدافع الكراهية الأيديولوجية للمجتمع الألماني" وبأنّه على الرغم من العقد الاجتماعي في ألمانيا، والأخلاقيات في المجتمعات الديمقراطية والمتمثلة بالاعتراف بحق اللجوء، فإنّه "ليس هناك أيّ التزام بمساعدة أعداء مجتمعنا". ووصل الأمر بالكاتب راينهارد مولر إلى تحذير كلّ من يوقف العمل بترحيل هؤلاء بأنّه يعلن أنّ ألمانيا باتت جنة أبدية للمتطرفين والقتلة.
وفي السياق، تبدو وجهة نظر الاتحاد المسيحي واضحة، وفيها أنّه يجب أن تكون عمليات الترحيل إلى أجزاء من سورية ممكنة. ويؤيد عدد من وزراء داخلية الولايات المنتمية إلى الحزب توجهات زيهوفر، فقد دعا وزراء داخلية ولايات بادن فورتمبرغ، وسكسونيا، وبافاريا، إلى اعتماد "رؤية مغايرة" مع الأشخاص الذين كشفوا عن أنفسهم كأنصار لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، أو من زاروا سورية خلال مدة تعليق الترحيل.
بدوره، كان وزير الاندماج في ولاية شمال الراين فستفاليا، يواخيم ستام، المنتمي إلى الحزب الديمقراطي الحر، أكثر وضوحاً، إذ أعلن عن رغبته في ترحيل جميع المجرمين، وكلّ من يهدد أمن البلاد على الفور، وإلى أيّ دولة في العالم، من دون أن ينفي بعض الصعوبات، ومن بينها "غياب التمثيل الدبلوماسي، أو بسبب علمنا أن هناك تعذيباً وقتلاً في ذلك البلد". وتحدث عن ضرورة وجود تعريف واضح للمعايير، ليكون الترحيل ممكناً. هذا الرأي يؤيده أيضاً وزير داخلية سكسونيا، رولاند فولر، المنتمي إلى حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الحزب المسيحي الديمقراطي، وفيه أنّ "المصالح الأمنية للسكان أعلى من المصالح الوقائية للمجرمين أو أولئك الذين يشكلون تهديدات عالية المخاطر".
في المقابل، اعتبر وزير داخلية ولاية سكسونيا السفلى، المنتمي إلى الحزب الاشتراكي بوريس بيستوريوس، بعد اعتقال منفذ الجريمة الأخيرة، أنّ "الدعوات المفاجئة" للسياسيين والأفراد بالترحيل، لا يمكن أن تصمد أمام الواقع والحقائق، إذ ما زالت الحرب مستعرة في سورية، عدا عن غياب سلطات مختصة يمكن التعامل معها، والترحيل إلى سورية من شأنه أن ينتهك مبادئ القانون الدولي، علماً أنّ ألمانيا تعتبر نفسها، لحسن الحظ، ملزمة به، كما أضاف. من جهته، اعتبر العضو الاشتراكي في مجلس الشيوخ، أندرياس غايزل، أنّه "وفقاً للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، هناك حظر قانوني على الترحيل، ما يمنع إبعاد المواطنين السوريين حتى لو ارتكبوا جرائم".
أيّ شخص في سورية يمكن أن يكون ضحية لعملية اعتقال تعسفي وإخفاء قسري
وفي السياق نفسه، رأى الكاتب السياسي كليمنس فيرغين، أنّ "من الصواب عدم رفع الحظر المفروض على الترحيل بالكامل، لكن بإجراء تدقيق فردي بكلّ حالة، وإجراء المقاربات السليمة، والمفاضلة بين الخطر الذي قد يواجهه المعرضون للترحيل في بلادهم والخطر الذي يمثلونه لنا".
توجهات وزير الداخلية الاتحادي زيهوفر، قوبلت برفض وغضب من منظمات المجتمع المدني وتلك المدافعة عن حقوق اللاجئين. واتهم المدير التنفيذي لمنظمة "برو آزول" المدافعة عن اللاجئين، زيهوفر بعدم الاهتمام بوضع حقوق الإنسان "ويريد توجيه إشارة سياسية إلى اليمين". وقال ممثل برنامج الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في ألمانيا، فرانك ريموس، إنّ مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، تعارض الترحيل في الوقت الحالي، نظراً للمخاطر الأمنية التي تواجه العائدين، داعياً إلى الامتناع عن الترحيل في الوقت الحالي.
تجدر الإشارة إلى أنّ اتفاقية جنيف للاجئين أعطت استثناءات، وجعلت الترحيل ممكناً في حالات فردية ضمن شروط، من بينها الأخذ بعين الاعتبار التعذيب أو الموت في الأوطان الأصلية. ويشارك فرديناند دور، من منظمة "تبنَّ ثورة"، وهي جمعية ملتزمة ببناء مجتمع مدني سوري، المنظمات الأخرى هذا التقييم، مشيراً إلى أنّه حتى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية ليست آمنة، ويتوقع حدوث نزاعات عسكرية فيها، عدا عن قيام استخبارات الأسد بعمليات التعذيب والابتزاز والقمع. وعملياً، فإنّ أيّ شخص في سورية، وفق رأيه، يمكن أن يكون ضحية لعملية اعتقال تعسفي وإخفاء قسري، فيما النظام يعتبر العائدين خونة تجب معاقبتهم.
وعن الآلية الممكن اعتمادها في عمليات الترحيل، يتضح أنّه ليست هناك علاقات ألمانية رسمية مع النظام السوري حالياً، أو مع جماعات المعارضة. ويمكن في أفضل الأحوال إبعاد المجرمين السوريين من ألمانيا بمساعدة تركيا، وقد يصار إلى إحضار هؤلاء إلى الحدود التركية السورية، وربما استقبالهم هناك من قبل القوات الكردية. وهذا المعطى يستند إلى أنّه تم اتباع إجراء مماثل، لكن في الاتجاه المعاكس قبل عام تقريباً، عندما استعادت الحكومة الألمانية أطفال المقاتلين الألمان الأسرى الذين انضموا إلى تنظيم "داعش" للعيش مع أقاربهم وأجدادهم في ألمانيا.