أصبح تراجع نسب المواليد في دول تعتمد نمط الحياة الغربي أكثر ارتباطاً بانخفاض الحيوانات المنوية لدى الذكور وبالتالي تراجع خصوبة الرجال حتى أن البعض يتحدثون عن عدم حاجة النساء إلى استخدام موانع الحمل خلال العقود المقبلة
تفيد دراسات حديثة أجريت في الدنمارك بأن المجتمعات الغربية في حالة سقوط حر لأعداد الحيوانات المنوية لدى الرجال التي تراجعت إلى النصف خلال العقود الأربعة الأخيرة، وتنبّه سياسيون إلى خطورة تراجع الخصوبة على "بقاء الأمة"، في ظل انخفاض معدل إنجاب الأطفال إلى ما دون الـ1.5 طفل لكل امرأة، بينما تحتاج الشعوب إلى معدل خصوبة لا يقل عن 2.1 طفل للحفاظ على رقم سكاني مستقر.
ويقول باحثون صحيون في الدنمارك إنه "مع استمرار تراجع إفراز الرجال إلى نحو 40 مليون حيوان منوي لكل ملليلتر، ستضطر الحكومات إلى تخصيص مبالغ طائلة للقطاع الصحي لمساعدة الأزواج على تعزيز فرص الحمل". يقول أستاذ طب الخصوبة في جامعة آرهوس، بيتر هيومدان، إن "التغيّر الذي رُصد خلال العقود الأخيرة يمثل تراجعاً حرجاً ومثيراً للقلق لأنه يجعل إنجاب أطفال بصورة طبيعية أمراً صعباً للغاية".
ويؤكد هيومدان الذي يعمل أيضاً في عيادة الخصوبة بمستشفى سكيفه (شمال غرب) أن "عدد السكان سيتقلص على المدى الطويل، وستزداد الحاجة إلى علاج الخصوبة عندما يطارد الأزواج الحمل الطبيعي أكثر من عام من دون نجاح. دراسات علمية أجريت على 40 ألف رجل في أميركا الشمالية وأوروبا وأستراليا ونيوزيلندا كشفت انخفاض عدد الحيوانات المنوية التي يفرزها الرجل من 99 إلى 47 مليوناً بين عامي 1973 و2011، ما يعني انخفاض تركيز الحيوانات المنوية بنسبة 1.4 في المائة تقريباً سنوياً".
ويرى باحثون أن المجتمعات ذات نمط الحياة الغربي شهدت منذ بدء الألفية الحالية انخفاضاً في الخصوبة بنسبة 2.6 في المائة سنوياً، ما يعني أن تركيز الحيوانات المنوية سينخفض إلى أقل من 40 مليوناً لكل ملليلتر خلال السنوات المقبلة، ما يؤدي إلى حاجة الأزواج إلى مراجعة عيادات علاج الخصوبة من أجل إنجاب أطفال.
ويرى هيومدان أن "الأمر المقلق في نتائج الدراسات هو بلوغ الأرقام حدّاً لا يسمح بإنجاب طفل بشكل طبيعي. إذا استمر ذلك فلن تكون هناك حاجة إلى وسائل منع الحمل مثل الحبوب والواقيات الذكرية، وخلال 3 أجيال ستفقد الدنمارك مثلاً نصف سكانها من صغار السن إذا استمر تراجع نسبة الخصوبة".
وفي كلمتها بمناسبة رأس السنة الجديدة، تحدثت رئيسة الحكومة الدنماركية ميتا فريدركسن عن تراجع نسبة الولادات، وأكدت أن "الحكومة ستوفر علاج الخصوبة من أجل إنجاب الطفل الثاني".
وفيما يقدّر خبراء الخصوبة إفراز الرجل الغربي نحو 40 مليون حيوان منوي حالياً، يقولون إن 96 في المائة منها ليست صحية، أو تحمل عيوباً، وتكشف الدراسات أن 4 في المائة من الخلايا المتبقية، والتي تبدو طبيعية تحت المجهر، يمكن أيضاً أن تكون تالفة الحمض النووي، ما يخفّض القدرة على وجود حيوان منوي صحي لتخصيب البويضة.
ويشرح هيومدان أن "نمط الحياة الغربية وتراجع الخصوبة لا يتعلقان فقط بتراجع نسبة الحيوانات المنوية بل أيضاً بجودة الحيوانات المنوية، وبالنسبة للرجال الدنماركيين، فعندما يلجأ زوجان إلى عيادات الخصوبة للمساعدة في الإنجاب، يكتشف الأطباء أن نحو نصف الحالات ترتبط بانخفاض خصوبة الرجل، ما يخلق إحباطاً نفسياً".
وحسب الإحصاءات الرسمية الخاصة بالخصوبة في الدنمارك، يجري إنجاب نحو 12 في المائة من الأطفال باستخدام التخصيب المساعد. ويعتبر باحثون في المستشفى الوطني بالعاصمة كوبنهاغن، أن تراجع الخصوبة في المجتمعات الغربية "قد يهدد الوجود".
ويقول رائد استكشاف انخفاض خصوبة الرجال، البروفيسور نيلز إريك سكاكباك (86 سنة)، والذي لا يزال يعمل في المستشفى الوطني، إن "التطور الصناعي في المجتمعات ذات النمط الغربي تسبب في تردي نوعية الحيوانات المنوية لدى الشباب الذين تعرضوا للمواد الكيميائية التي تسببت في اختلال الهرمونات، وعطلت إنتاج خلايا منوية تعمل بشكل جيد. تضم الدراسات أدلة قوية على أن مشاكل الصحة الإنجابية، مثل انخفاض جودة الحيوانات المنوية وسرطان الخصية وانخفاض تكوين هرمون التستوستيرون، كلها ترتبط بالتعرض لمواد تتسبب في اضطراب بالهرمونات، ويشتبه في أن المواد الكيميائية التي انطلقت منذ بدء استخراج الوقود الأحفوري أثرت على الخصوبة، علماً أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تتسبب في أزمة المناخ عرضت الناس لخليط من آلاف المواد الكيميائية".
وفي سبيل الوصول إلى إفراز نحو 100 مليون حيوان منوي، ينصح الباحثون الرجال بالامتناع خلال ثلاثة أشهر من التخطيط للإنجاب عن تناول السجائر الغنية بالنيكوتين، وحتى السجائر الإلكترونية، وخفض استهلاك الكحول، وممارسة التمارين الرياضة المعتدلة لنصف ساعة يومياً، وتناول أغذية صحية.