شكلت بطولة "كأس العرب 2022" لكرة القدم التي أقيمت في قطر خلال شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول2021، محطة لاختبار كفاءة العمليات التنظيمية والتشغيلية في ملاعب ومشاريع المونديال، وتُعد مخلفات الطعام تحدياً كبيراً، إذ يُهدر قرابة ثلث الأغذية المنتجة في كثير من الدول، ويتم التخلص من فائض الغذاء في مكبات النفايات. كما أن خلط النفايات العضوية مع العبوات غير القابلة للتحلل يجعل معالجة هذا النوع من النفايات أمراً غاية في الصعوبة.
يقول خبير الاستدامة والبيئة في اللجنة العُليا للمشاريع والإرث، أوريان لوندبيرغ: "لجأنا إلى البحث عن حلول فعالة نستطيع من خلالها تحويل التحديات إلى فرص واعدة، وصولاً إلى تحقيق أهداف الاستدامة البيئية خلال تنظيم البطولات الرياضية الكبرى. مشروع تدوير النفايات وتحويل مخلفات الطعام إلى سماد عضوي عاد بكثير من الفائدة على فريق عمل الاستدامة والبيئة في اللجنة العليا، والذي اكتسب معلومات وخبرات واسعة، ومن ضمنها كيفية استخدام المواد الاستهلاكية القابلة للتحلل والتحويل إلى سماد".
وتعاونت اللجنة العليا للمشاريع والإرث مع الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من استخدام الحاويات المخصصة لمخلفات الغذاء، وأدوات المائدة القابلة للتحلل في جميع الملاعب.
وأنشأت وزارة البلدية القطرية في عام 2011، أكبر مركز لمعالجة النفايات في المنطقة، والذي يعالج 2300 طن من النفايات المنزلية، وينتج 50 ميغاواط من الطاقة الكهربائية، وخلال عام 2021 أنتج المركز أكثر من 36 ألف طن من السماد، و264 ألف ميغاواط/ ساعة من الكهرباء، و38 مليون متر مكعب من الغاز الحيوي، بالإضافة إلى منتجات أخرى من الحديد والبلاستيك وغيرها.
ويقدم المركز الحلول البيئية المستدامة لمعالجة النفايات، وهو يستلم النفايات المنزلية والخضراء والحيوانية من محطات ترحيل تتبع إدارة تدوير ومعالجة النفايات، وتتوزع في أنحاء الدولة، ويقوم بمعالجة هذه النفايات عبر إعادة تدويرها، وإنتاج الطاقة، والسماد لاستخدامهما في الحدائق العامة، والشوارع والمتنزهات، ومشاريع التجميل، ويقوم بتوزيع السماد على المواطنين بالمجان، ما يسهم في إنجاز استراتيجية إدارة تدوير ومعالجة النفايات.
وتستغرق عملية تحويل النفايات إلى سماد نحو أربعة أسابيع، وسجلت بطولة كأس العرب التي كانت بمثابة "بروفة" للمونديال على هذا الصعيد البيئي، إعادة تدوير 70 في المائة من نفايات ملعب البيت في مدينة الخور (شمال)، فيما جرى تحويل النسبة المتبقية إلى مركز إدارة النفايات لتحويلها إلى طاقة، وشهدت البطولة التي استمرت على مدى 19 يوماً، تطبيق نظام محكم لإدارة النفايات العضوية تضمن جمع ما يزيد على 75 طناً من النفايات العضوية وتحويلها إلى سماد.
ويقول رئيس برنامج "لكل ربيع زهرة"، سيف الحجري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن البيئة جزء لا يتجزأ من البطولات الرياضية العالمية الكبرى، وإن ركائز اللجنة الأولمبية الدولية في البطولات على المستوى الإقليمي والدولي، كانت تضم الرياضة والثقافة، وفي عام 1992 أضيفت ركيزة البيئة.
وأشار الحجري إلى أن "دولة قطر عندما قدمت ملف استضافة البطولة عام 2010، تعهدت بأن البيئة جزء لا يتجزأ من رؤيتها وخططها التنموية، وبيّنت كيفية التعامل مع المخلفات والنفايات الناجمة عن الاستضافة، فسيزور قطر خلال فترة البطولة قرابة 1.2 مليون شخص، وهذا الرقم يقارب نصف عدد سكان الدولة، وتقدر مخلفات الفرد الواحد منهم بأكثر من كيلو غرام يومياً. وضعت قطر خطة متكاملة تبدأ بالتوعية للتقليل من المخلفات الشخصية، ثم تجميع كميات المخلفات في الملاعب، وفي أماكن الفعاليات وسكن المشجعين، ثم التخلص الآمن منها عبر برامج معمول بها في البلاد".
وأطلقت وزارة البلدية خلال العام الجاري، حملة "صفر نفايات"، تحت شعار "نفايات أقل.. مدينة أجمل"، والتي تهدف إلى الوصول لمستوى متقدم من إدراك المجتمع بأهمية النفايات كجزء من استدامة الموارد، وتحقيق العديد من الأهداف الرامية إلى تحسين إدارة النفايات، بما يساعد في التخفيف من تأثيراتها على صحة وسلامة المجتمع، وتحسين جودة الحياة، تحقيقاً لأهداف "رؤية قطر الوطنية 2030".
ويلفت الحجري، إلى الدور الذي يلعبه القطاع الخاص في مجال تدوير النفايات، فثمة شركات تتولى جمع الورق المقوى، وأخرى للبلاستيك والزجاج، وشركة للتخلص الآمن من المخلفات الإلكترونية، موضحاً أن برنامج "لكل ربيع زهرة"، وبقية منظمات المجتمع المدني من أصدقاء الطبيعة، يقومون بدورهم في التوعية خلال فترة المونديال من خلال نشرة إعلامية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بعدة لغات، ففي قطر جاليات تتكلم بكل اللغات تقريباً، وستتم الإستعانة بهم في هذا النشاط التوعوي للحفاظ على البيئة.
ووفق إحصاءات رسمية، يبلغ نصيب الفرد من النفايات الصلبة في قطر 1.30 كيلوغرام في اليوم، وهي أقل من نظيرتها الموجودة في دول مجلس التعاون الخليجي، كما أن المتوسط العام للبلدان ذات الدخل المرتفع هو 1.58 كيلوغرام يومياً، وتوضح الأرقام أن نسبة النفايات بمختلف أنواعها التي تعالج سنوياً في قطر تبلغ 64 في المائة، وأن 80 في المائة من تلك الكمية من المخلفات العضوية، والحجم الإجمالي للنفايات التي تجمع سنوياً يتراوح بين 7 إلى 8 ملايين طن، وتقدر جملة الاستثمارات في تدوير المخلفات بمختلف أصنافها في قطر بنحو 1.4 مليار ريال (قرابة 400 مليون دولار)، حسب بيانات رسمية.