استمع إلى الملخص
- **ثقافة تدخين الشيشة في ليبيا**: عادت ثقافة تدخين الشيشة للظهور بعد أن كانت محظورة، وتعتبر جزءاً أساسياً من جلسات المقاهي، مع تزايد الإقبال عليها في السنوات الأخيرة.
- **أسباب ودوافع تدخين الشيشة**: البطالة، الركود الاقتصادي، تقلص مساحات الترفيه، والإدمان على الشيشة هي الأسباب الرئيسية وراء الإقبال عليها، حيث يلجأ الشباب إليها لتخفيف الهموم.
تكتظ مقاهي تدخين الشيشة (النارجيلة) في حي طريق الشوك بالعاصمة الليبية طرابلس بمئات الشبان الذين يعتادون التدخين مساء كل يوم.
يلتقي أبو بكر بوسيف (24 سنة) أصدقاءه الثلاثة مساء كل يوم لتدخين الشيشة في أحد مقاهي طريق الشوك، وهم اعتادوا على فعل ذلك منذ أكثر من سنة، سواء خلال فترة الدراسة أو العطل السنوية. ويتحدث بوسيف لـ"العربي الجديد" عن أن ضعف قدراته المالية، على غرار أصدقائه، يمنع تدبيرهم رحلات للسياحة والتنزه، ويقول: "كلنا في مرحلة الدراسة، ونعيش من مصروف أسرنا. ومن يحصل على فرصة عمل لساعات محدودة يومياً بسبب الدراسة لا يكفي دخله لتغطية مصاريفه اليومية".
ويختلف الأمر بالنسبة إلى الشاب الثلاثيني حمزة البكوش الذي يدير محلاً لمستلزمات البناء والصيانة منذ أن تخرّج من الجامعة قبل عامين، فهو يلجأ إلى المقاهي لإضاعة الوقت غالباً بسبب تراجع النشاط الاقتصادي في سوق العمل الذي ينشط فيه. وهو يلتقي عدداً من أصدقائه في المقاهي منذ أشهر، ويتنقلون بين مقاهٍ عدة في طريق الشوك، أيضاً بين مقاهٍ في حي قرقارش على طريق البحر بطرابلس، حيث يلتقون أحياناً تجاراً ورجال أعمال قد يرتبطون بعلاقات عمل معهم.
تركز أكثر مقاهي ليبيا على النارجيلة وتكون دوافع التدخين نفسية غالباً
يقول البكوش لـ"العربي الجديد" إن "تدخين الشيشة فقرة أساسية في أي جلسة. وفي الأصل تُخصص أكثر المقاهي لها، وإذا تراجعت نسبة تدخينها ستقفل أكثرها".
وفعلياً يرتاد شبان تتراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة غالبية مقاهي الشيشة بطريق الشوك وقرقارش. يقول الباحث الاجتماعي فوزي الفاندي لـ"العربي الجديد": "تدخين النارجيلة في المقاهي ثقافة قديمة، لكنها اختفت في العقود الأخيرة لأسباب تتعلق بمنع النظام السابق جميع الأنشطة التجارية، ومنها المقاهي. وترتبط عودتها في السنوات الماضية بتحقيق عائدات مادية بعيداً عن أهداف خلق نشاط ثقافي وترفيهي كانت تعرفه المقاهي قديماً".
ولا تتوفر أية دراسات أو إحصاءات رسمية عن ظاهرة تدخين الشيشة، لكن دراسة أجراها مركز المعلومات والتوثيق، التابع لوزارة الصحة عام 2010، أظهرت أن نسبة الأفراد الذين جربوا تدخين النارجيلة، ولو لمرة واحدة في حياتهم، خلال عام 2010، بلغ 18.2% من الذكور و11.3% من الإناث.
وذكرت الدراسة أن نسبة من دخنوا كل أنواع التبغ خلال العام نفسه بلغت 17.1%، أما نسبة مدخني السجائر فبلغت 7.7%. وهذه الدراسة أصبحت قديمة الآن، إذ باتت نسب الإقبال على تدخين الشيشة أكبر.
ويرى الفاندي أن "شهادات بوسيف وغيره من الشبان تشير إلى أن أسباباً عدة تقف وراء الإقبال على تدخين الشيشة، وصولاً إلى تشكيلها ظاهرة ذات خلفيات معقدة، بينها البطالة، والركود الاقتصادي، وتقلّص مساحات الترفيه بالنسبة إلى الشبان، أما الأسباب الأخرى فتتعلق بالإدمان على الشيشة الذي يتسبب في آثار صحية على شريحة الشباب".
ويؤكد الفاندي أنه يعلم أن الكثير من الشباب الموظفين يخرجون من منازلهم في وقت مبكر للجلوس لعدة دقائق في المقاهي من أجل تدخين الشيشة قبل أن يذهبوا إلى وظائفهم، و"هذا الأمر يتعلق بالإدمان على الشيشة وهو أكثر خطورة، لأنه أسرع من الإدمان على السجائر، والتخلص منه أكثر صعوبة بالنسبة إلى الشباب".
يضيف: "يجب أن نبحث دائماً عن أسباب الإقبال على الشيشة وإزالتها. في الغالب تكون دوافع التدخين نفسية، وتتعلق باعتقاد المدخنين بأن السجائر تخفف الهموم، وتمنحهم القدرة على التفكير العميق لإيجاد حول. وبالتالي يجب التفكير بكل ما عرفته البلاد أخيراً على صعيد مقتل الكثير من أرباب الأسر، وعيش أولادهم الشباب يتامى، وتردي الأوضاع الاقتصادية التي زادت البطالة، وتحمّل الكثير من الشباب أعباء ومسؤوليات أسرية في وقت مبكر. والحديث عن ظروف العيش الصعبة ومستجدات البلاد المرتبطة بالحروب والسياسة تشكل مواد مسامرة للشباب في مقاهي تدخين الشيشة".
ويتحدث الفاندي عن أسباب تدفع الشباب إلى تدخين الشيشة من دون السجائر، ومن بينها توفرها في المقاهي، وإمكانية تدخينها بعيداً عن رقابة الأسر. ويقول: "يعيش الشباب في العادة قيم العيب الاجتماعي التي تمنع التدخين أمام أفراد أسرهم ومن هم أكبر منهم، أو تجعلهم يهربون من الرقابة الأسرية". ويوافق على أن ظاهرة مقاهي الشيشة ذات دلالات اجتماعية جديدة تستحق الدراسة.