استمع إلى الملخص
- **أسباب موجة الحر**: ارتفاع درجات الحرارة ناتج عن نشاط المنخفض الصحراوي وامتداد كتل هوائية حارة من الصحراء الكبرى، بالإضافة إلى الاحتباس الحراري. هذه الموجة أثرت على الزراعة والاقتصاد والمياه.
- **إجراءات مواجهة الأزمة**: المغرب يتخذ إجراءات لمواجهة أزمة المياه، منها إنشاء محطات تحلية مياه البحر. غياب العدالة المناخية يجبر الدول النامية على دفع ضريبة الاحتباس الحراري.
يشهد المغرب صيفاً ساخناً بسبب موجة حر غير مسبوقة ألقت بظلالها السلبية على المواطنين ووضعت القطاعات الحيوية، خاصة الزراعة والمياه، أمام تحديات ومخاطر كبيرة.
المغرب، الذي كان من النادر أن يعلن خلال السنوات الماضية عن وفيات بسبب ارتفاع درجات الحرارة، قال في 25 يوليو/ تموز الماضي إن 21 شخصا لقوا مصرعهم بمدينة بني ملال، شمال البلاد، في يوم واحد بسبب الحر.
هذه الظروف الاستثنائية دفعت وزارة الصحة المغربية لاتخاذ إجراءات وتدابير استعجالية في إطار التصدي للآثار الصحية الناجمة عن موجة حر قاسية.
والأسبوع الماضي، وصلت درجات الحرارة في المغرب لمستويات "قياسية"، بحسب هيئة الأرصاد الجوية، وراوحت بين 42 و47 درجة، فيما تخطت في 23 يوليو/تموز الماضي حاجز 47 درجة.
موجة الحر هذه خلفت تداعيات، أبرزها استمرار الجفاف الذي يضرب البلاد للعام السادس على التوالي، فضلا عن اندلاع حرائق، كان آخرها في مدينتي تازة (شرق)، وتطوان (شمال)، خلال الأسبوع الأخير من يوليو الماضي.
وفي مايو/ أيار الماضي، توقعت الوكالة المغربية للمياه والغابات (حكومية)، تزايد خطر نشوب حرائق في الغابات أثناء صيف العام الجاري، نظرا لظاهرة الجفاف واستمرار موجة حر مرتفعة بعموم البلاد.
إلى جانب ذلك، فإن هذه الموجة تركت بصمتها أيضا على قطاعات الزراعة والاقتصاد والمياه، إذ تسببت باختفاء بحيرات، ما دفع السلطات المغربية لتخفيض منسوب المياه في بعض المدن.
موجة حر في المغرب: أسباب متعددة
قالت مديرية الأرصاد الجوية في المغرب إن مدينة بني ملال سجلت، في 23 يوليو الماضي، أعلى درجات حرارة في البلاد حتى الاثنين (الخامس من أغسطس/ آب الجاري)، خلال عام 2024.
وأضافت المديرية (حكومية)، في بيان سابق، إنه "تم تسجيل أعلى درجة حرارة بمدينة بني ملال (شمال)، حيث بلغت 47.7، تلتها مدينة مراكش (شمال)، التي بلغت درجة الحرارة فيها 47.2". وأرجعت المديرية ارتفاع درجات الحرارة إلى "نشاط المنخفض الصحراوي وامتداده نحو جنوب البلاد، ما أدى إلى صعود كتل هوائية حارة وجافة قادمة من الصحراء الكبرى نحو تلك المناطق، في ما يعرف بظاهرة الشركي".
الخبير المغربي في التغيّرات المناخية والبيئية مصطفى العيسات أرجع موجات الحرارة غير المسبوقة، في تصريح للأناضول، "إلى عوامل طبيعية وأخرى إنسانية". وأضاف: "الأسباب الطبيعية تتعلق برياح الجنوب الساخنة المتوجهة إلى الشمال، أو ما يعرف بظاهرة الشركي، والتي تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة"، وأوضح أن المغرب شهد في السنوات الماضية "قساوة مناخية تتسم بارتفاع كبير في درجات الحرارة".
وعن الأسباب الإنسانية، قال العيسات إنها ترتبط "بالاحتباس الحراري الناتج عن الغازات الدفيئة، وعدم التزام العديد من الدول باتفاقية باريس للمناخ".
واتفاق باريس للمناخ هو أول اتفاق دولي شامل حول حماية المناخ، تم التوصل إليه في ديسمبر/ كانون الأول 2015 بالعاصمة الفرنسية، بعد مفاوضات مطولة بين ممثلين عن 195 دولة، وتُلزم المعاهدة الدول الموقعة باحتواء معدل الاحتباس الحراري.
وفي إبريل/ نيسان 2016، وقّعت 190 دولة الاتفاقية المعروفة أيضا باسم "كوب 21"، التي تتضمن توفير المزيد من الموارد المالية للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتطوير القدرة على التكيف مع التغير المناخي. وأشار العيسات إلى أن "ارتفاع درجات الحرارة يؤثر على حرارة المحيطات، ما يرفع بدوره وتيرة التقلبات المناخية، مثل الأمطار الطوفانية والرياح العنيفة".
مخاطر موجة الحر
وعن مخاطر استمرار موجة الحر، قال العيسات إنها تتمثل في ثلاثة مستويات، هي "ندرة المياه والحرائق وتضرر التنوع البيولوجي". وأضاف أن المستوى الأول يتعلق بـ"الإجهاد المائي وندرة المياه وتقلص الفرشة المائية (موارد مائية باطنية)".
وأوضح أن مخزون السدود في البلاد تقلص إلى 23%، فيما تقلص بعض مخزونها إلى 5%، الأمر الذي بدوره يؤثر على تراجع الإنتاج الزراعي، وبالتالي ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية.
وأما المستوى الثاني، فهو يتمثل، بحسب الخبير المغربي، بـ"اندلاع الحرائق بسبب الحر، بما يؤثر على الغابات"، وقال عن ذلك: "هذه الحرائق دفعت الحكومة لاعتماد استراتيجية جديدة للحد منها واقتناء طائرات كنادير (تعنى بإطفاء الحرائق)، واستعمال التكنولوجيا الحديثة والدرونات (الطائرات المسيرة)".
وفي ما يتعلق بالمستوى الثالث، قال العيسات إن "الحرارة والحرائق يؤثران على التنوع البيولوجي، خاصة على الغابات، وهو ما يخلف أضرارا اقتصادية واجتماعية، كما حدث بمدينة بني ملال، حيث توفي 21 فردا بسبب موجة الحرارة".
أزمة المياه
وسط هذه التداعيات، خاصة على مستوى المياه، اتخذت البلاد عدة إجراءات لمواجهة الأزمة.
وفي هذا الإطار، دعا العاهل المغربي محمد السادس، في 29 يوليو الماضي، إلى ضرورة "الإسراع بإنجاز محطات تحلية مياه البحر، حسب البرنامج المحدد لها، والذي يستهدف توفير أكثر من 1.7 مليار متر مكعب سنويا".
وأضاف في خطاب متلفز آنذاك إن "هذه المشاريع ستمكن المغرب، في أفق 2030، من تغطية أكثر من نصف احتياجاته من المياه الصالحة للشرب، إضافة إلى ري مساحات فلاحية كبرى، بما يساهم بتعزيز الأمن الغذائي للبلاد".
وكان المغرب قد أعلن في يونيو/ حزيران الماضي، بدء أعمال تشييد محطة لتحلية مياه البحر بمدينة الدار البيضاء (غرب)، قال إنها ستكون "الأكبر" من نوعها في القارة الأفريقية بطاقة إنتاج سنوية تصل لنحو 300 مليون متر مكعب من المياه المحلاة.
وأقرت الحكومة، في وقت سابق، برنامجا وطنيا للتزود بالمياه لاستخدامها في الشرب والري للفترة الممتدة بين 2020 - 2027، باستثمارات تبلغ 115 مليار درهم (12 مليار دولار).
العدالة المناخية
قال العيسات إن غياب العدالة المناخية ما بين الدول المصنعة والنامية، يجبر الأخيرة على دفع ضريبة الدول المتقدمة التي تساهم بشكل كبير في الاحتباس الحراري. وتابع: "ظاهرة الحرارة تؤدي أيضا إلى ظاهرة إل نينيو الطبيعية، التي تسبب فيضانات وتنعكس سلبا على الاقتصاد والبنية التحتية".
و"إل نينيو" هي ظاهرة طبيعية تصيب المحيطات كل 4 - 12 عاما، حيث ترتفع درجة حرارة المياه السطحية، ويولد ذلك كتلا وتيارات مائية دافئة في المناطق المدارية، وهو ما يحدث تغيرات مناخية.
وتبدّل الظاهرة دوران الغلاف الجوي على مستوى الكوكب، وترفع الحرارة في مناطق بعيدة، وهي تحدث حالياً في سياق مناخ معدّل بفعل الأنشطة البشرية، وفق المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
وأشار العيسات إلى أن التغيرات المناخية تدفع السكان نحو الهجرة.
من جهته، سبق أن تطرق الخبير البيئي ورئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ بالمغرب (غير حكومية)، مصطفى بنرامل، في حديث لـ"العربي الجديد"، لتأثير موجة حر تجتاح المغرب على المنظومة الإيكولوجية بخاصة في الجنوب والجنوب الشرقي، سواء في ما يتعلق بتراجع النشاط الزراعي، أو تقلص مناطق الرعي، أو ندرة المياه وخطر العطش، أو وضعية الواحات الموجودة في الجنوب الشرقي.
وأكد لـ"العربي الجديد"، أن قلة الموارد المائية وتوالي سنوات الجفاف وموجة الحرائق الأخيرة كلها عوامل ساهمت في جعل العديد من مناطق المغرب، ومنها الواحات في جنوب البلاد، تفقد أشجار نخيلها، بالإضافة إلى زحف الرمال عليها، ما أوصلها إلى فقدان عنصرها البشري الذي هاجر تحت وطأة الظروف الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، توقعت المنظمة الدولية للهجرة أن يراوح عدد المهاجرين في العالم لأسباب متعلقة بالمناخ بين 44 و216 مليون شخص بحلول 2050.
(الأناضول، العربي الجديد)