تحالف الأمازون... إنقاذ رئة الأرض لتفادي كارثة بشرية

11 اغسطس 2023
تداعيات تدمير الأمازون تهدد العالم كله (فيليب بيسبو/ الأناضول)
+ الخط -

ينتظر أن يؤدي تحالف إنقاذ الأمازون الذي يضم البرازيل وفنزويلا وإكوادور وبيرو وبوليفيا وكولومبيا وغيانا وسورينام إلى المساهمة في الحد من تفاقم أزمة المناخ العالمية، مع كل ما تعنيه من كوارث، وتجاوز التلكؤ الدولي في تنفيذ قرار الحد من غازات الدفيئة المسؤولة عن الاحتباس الحراري، فضلاً عن حماية رئة الأرض من تدمير ممنهج طاولها خلال العقود الأخيرة.
وتعد الأمازون أكبر غابة مطيرة في العالم، وتمتص أشجارها كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى، ولولاها لتزايدت مخاطر الاحتباس الحراري، ما يجعلها تلعب دوراً بارزاً في تحقيق أهداف خفض درجة حرارة الأرض، والتي كان أكثرها طموحاً ما صدر عن "اتفاقية باريس" في 2015.
في البرازيل التي تضم نحو 60 في المائة من مساحة الأمازون، أزيلت مساحات كبيرة من الغابة عبر قطع الأشجار الجائر، وافتعال الحرائق من قبل الشركات وكبار المزارعين الذين دعمهم الرئيس السابق جايير بولسونارو. ووفق منظمات محلية معنية بحقوق الشعوب الأصلية، فإن عام 2021 كان يشهد قطع نحو ألف شجرة في كل دقيقة. ما يؤدي إلى دمار هائل في التنوع البيولوجي، وأضرار فادحة للسكان الأصليين الذين يعيشون في الغابات.
مع انتخاب الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا عادت الآمال بانتهاج سياسات مختلفة على غرار سياسات فترة حكمه السابقة، حين خفض حجم إزالة الغابات بنحو الثلثين، وكانت الوعود التي أطلقها لولا طموحة، وصولاً إلى حديثه عن وقف قطع الأشجار قبل عام 2030. وتؤكد منظمات دولية متخصصة تراجع التعدي على الأمازون منذ تولي لولا فعلياً.

تحالف دول الأمازون لإنقاذ الغابة هو الأول من نوعه منذ 14 عاماً

لكن اتفاق حماية غابات الأمازون، ورغم إبداء جهات مثل الاتحاد الأوروبي رغبتها في المساعدة على تمويله، باعتبار حماية الغابات شأناً عالمياً، لن يكون تنفيذه سهلاً، إذ سيواجه مقاومة من كارتلات تربية الماشية وكبار المزارعين وشركات قطع الأشجار، والتي يطلق عليها "جماعات التربح"، وتصفها وزيرة الشعوب الأصلية في البرازيل، سونيا غواجارا، بأنها "إجرامية".
فمع أن الاتفاق استثنائي، وهو الأول من نوعه منذ 14 عاماً، إلا أن غياب أهداف مشتركة يعتبر أحد أبرز التحديات، وإن قلل وزير خارجية البرازيل، مارو فييرا، من تأثير ذلك على وحدة موقف الدول المشاركة في التحالف. فالأمر يكاد يصل، بحسب منظمات إقليمية ودولية، إلى "نقطة اللاعودة" للغابات المطيرة، والتي ستكون عواقبها كارثية على البشرية، وقد بدأ استشعار ذلك في مناطق مختلفة حول العالم تشهد ظواهر مناخية متطرفة.

الصورة
تقلص تدمير غابات الأمازون بعد وصول لولا إلى السلطة (فرانس برس)
تقلص تدمير غابات الأمازون بعد وصول لولا إلى السلطة (فرانس برس)

يقول مسؤول فريق السياسة والمشاركة في منظمة "غابات العالم"، غراي بوسن، إن "الأمازون تضررت بصورة كبيرة لدرجة أن الغابة يصعب أن تتمكن قريباً من الحفاظ على النظام البيئي، ولا نعرف متى يحصل ذلك، وهذا ما يسمى نقطة اللاعودة".
ويتطلب إنقاذ الغابات جهداً جماعياً كبيراً، فالأمازون شاسعة، وتضم نحو ألف نهر، والرهان على تعاون الدول لتحقيق الطموحات، وإن لم يجرِ بالأساس الاتفاق على إطار زمني لها. وتشير التقديرات المتخصصة إلى أن التدمير اتخذ خلال العقود الخمسة الماضية أشكالاً يصعب تجاوزها، فعلى سبيل المثال، تحول نحو 17 في المائة من حجم الأمازون البرازيلي إلى مزارع ومراعي ماشية، وقلة الأشجار يعني هطول أمطار أقل، وانحسار ما يسمى "الأنهار الطائرة" الناتجة عن البخار الذي تنفثه الأشجار الضخمة ليعود على شكل مطر، وكل هذا يؤثر مباشرة على دورة امتصاص ثاني أكسيد الكربون، ويفاقم ظاهرة الاحترار، ومن نتائج ذلك، أن دول أميركا اللاتينية شهدت ارتفاع درجات الحرارة إلى أرقام غير مسبوقة خلال الشتاء (يصادف هذه الأشهر).

تحول 17 في المائة من حجم الأمازون البرازيلي إلى مزارع ومراع

ويحذر عالم أنظمة الأرض البرازيلي، كارلوس نويري، من أن ارتفاع الحرارة يعني أن أكثر أشجار الأمازون خصوبة ستتخلص من أوراقها للحفاظ على المياه، وهو ما يثبط عملية التمثيل الضوئي، وبالتالي يفاقم الاحتباس الحراري، مؤكداً أن الاستمرار في حرق واقتلاع أشجار الأمازون قد يفقد حوض الأمازون القدرة على البقاء.
وفي العادة، تتعرض منطقة الأمازون لجفاف كبير مرة واحدة كل قرن تقريباً، لكنها شهدت منذ عام 1998 خمس فترات جفاف، وكانت اثنتان منها متطرفتين. ويرى الباحثون أن سبب ذلك هو تعديات الإنسان على الغابات، والذي نجم عنه تسارع في فقدان مساحتها، كما وسع فترات الجفاف، وأدى إلى تقلص كميات الأمطار بمقدار الثلث خلال العقود الأربعة الماضية، وساهم في ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية، وهو ما يخالف محاولات الحد من ارتفاع درجات الأرض بـ1.5 درجة مئوية.

الصورة
يسعى تحالف الأمازون إلى وقف تدمير الغابة (فيليب بيسبو/الأناضول)
يسعى تحالف الأمازون إلى وقف تدمير الغابة (فيليب بيسبو/الأناضول)

ودرس خبراء الأنظمة البيئية والتغيرات المناخية سيناريوهات لما بعد اختفاء غابات الأمازون، وهم يؤكدون أن البشرية التي تواجه كوارث حقيقية بسبب ذوبان الجليد، والارتفاع القياسي لدرجات الحرارة، وما يخلفه من حرائق ضخمة تنفث المزيد من ثاني أكسيد الكربون، ستتعرض في حال اختفاء الأمازون إلى كوارث مخيفة تشمل فقدان آلاف الكائنات لموائلها الطبيعية، وتحول مئات ملايين البشر إلى لاجئين أو مهاجرين بسبب الجفاف وارتفاع الحرارة، فضلاً عن تسبب ارتفاع منسوب المياه في تدمير عشرات المدن الشاطئية حول العالم، وبالتالي تدمير حياة الملايين.
ويقدر العلماء أن العواقب الوخيمة لاستمرار حرق وتدمير أشجار الأمازون تشمل زيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فبرغم كل التعديات الجائرة على الأمازون، لا تزال الغابة مسؤولة عن تخزين نحو 120 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يساوي مجموع الانبعاثات التي يخلفها الإنسان خلال 3 سنوات. ووفق بحث لجامعة برينستون، فإن انبعاث تلك الكمية من الغازات سيرفع درجة حرارة الأرض بمقدار ينهي تماماً اتفاقية باريس للمناخ.
ويقف عدد من كبريات الشركات المسؤولة عن سلاسل توريد زيت النخيل والورق والكرتون والشاي وفول الصويا والكاكاو عقبة أمام الاتفاق المبدئي لحماية الأمازون، وهم يتعللون بغياب تفاصيل واضحة لخطط عمل التحالف، وكونها لا تضم مخططات إلزامية.
ويستشهد متشككون بنوايا الشركات الكبرى بما جرى في 2014، عقب "إعلان نيويورك"، حين تحالفت شركات وحكومات في مواجهة المجتمع المدني والمجتمعات الأصلية الملتزمة بوقف إزالة الغابات، ليتم تأجيل خطة الاتفاق إلى عام 2030.

وأراد زعماء الدول الموقعة على الاتفاق الجديد ممارسة ضغوط على كبار منتجي فول الصويا من أجل الانتقال إلى طرق زراعة مستدامة. لكن المشكلة في البرازيل كمثال، أن زراعة الصويا تحل في المرتبة الثانية من بين أسباب إزالة الغابات بعد تربية الماشية، والقطاعين هما الأكثر نفوذاً في الاقتصاد البرازيلي، ويصعب تحجيمهما بدون إحداث أزمة اقتصادية. ما يعني أن الشركات الكبرى ستقاوم مخططات دول التحالف الثماني في فرض حظر على استيراد فول الصويا المزروع في أراضي الغابات.
ويرى بعض المهتمين بحماية الأمازون أن الاتفاق الجديد لا يشمل سوى 50 في المائة من الغابات المعرضة للخطر في البرازيل، ونسبة أصغر في بقية بلدان التحالف، وأن فرض نوع من الإلزام على الشركات الكبرى في تلك الدول قد يؤدي إلى قيامها بنقل نشاطها إلى غابات أخرى، إلى إندونيسيا كمثال، وبالتالي يتم نقل المشكلة، وليس حلها جذرياً.
رغم ذلك، يبقى التفاؤل قائماً، خصوصاً في البرازيل مع الرئيس لولا دا سيلفا، والذي يؤكد على فرض الإرادة السياسية لتحويل الصناعات المرتبطة بالغابات إلى صناعات مستدامة، كما يمكنه من خلال دعم البرلمان، تخصيص الموارد اللازمة للسلطات الأمنية والقضائية التي تشارك في منع إزالة الغابات، ويحظى الرئيس البرازيلي بدعم دولي واسع، بما فيه الأميركي والأوروبي، وخصوصاً لخططه الطموحة بالوصول إلى صفر تعدي على غابات الأمازون في عام 2030، وتأتي المسارعة الدولية بالتعهد بتقديم المال على خلفية تداعيات التغير المناخي الخطيرة التي يشهدها العالم.
ورغم كل المعوقات، فإن المهتمين بقضايا التغير المناخي يرون في التحالف الجديد نقطة انطلاق مهمة تقرع ناقوس الخطر المحدق بالبشرية بجدية، وتدعم المسارعة إلى انتهاج سياسات بيئية مسؤولة وجماعية للحفاظ على مستقبل الأرض.

المساهمون