تبادل التأثيرات بين تغيّر المناخ والنظم الطبيعية والتنوع البيولوجي

17 ديسمبر 2022
يساعد الابتكار التكنولوجي في مكافحة آثار تغيّر المناخ (شين غالوب/ Getty)
+ الخط -

يؤثر تغيّر المناخ عملياً في جميع النظم الطبيعية والاقتصادية من خلال تفاعله مع التنوع البيولوجي وتدهور الأراضي والغابات والمواد الكيميائية والنفايات والمياه الدولية، الأمر الذي يدعونا إلى التعمق في البحث عن آثار تغيّر المناخ على كل ما نقوم به وننتجه عن قصد أو بصورة لاإرادية.

ونظراً إلى جدية الأخطار الناتجة عن تغيّر المناخ، يبحث العالم اليوم عن السير قدماً باستراتيجيات هدفها تخفيف الآثار السلبية عبر اعتماد مسارات تنموية تخفض الانبعاثات، وتتوافق مع أهداف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن تغير المناخ (UNFCCC) واتفاق مؤتمر باريس للمناخ. لذا كان من المهم في الاستراتيجيات التي وضعت لتخفيف آثار تغيّر المناخ، التركيز على الابتكارات والاختراعات وتطوير التكنولوجيا التي تعد إحدى الوسائل الرئيسة لتقليل أو إبطاء انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. فالابتكار التكنولوجي يساعد في إنشاء أو توسيع أسواق المنتجات والخدمات الخضراء وخلق فرص عمل ودعم النمو الاقتصادي في المدن المستدامة والنظم الغذائية، واستخدام الأراضي واستصلاحها والإدارة المستدامة للغابات والنباتات البحرية. 
وتعمل الدول مع قطاعاتها الخاصة على ترتيب أولوياتها من أجل تخفيض الأثر الناتج عن تغيّر المناخ بعدما تبين لها أن البداية تكون في التعامل مع الطاقة الكهربائية التقليدية التي تعتمد على الوقود الأحفوري، والتي تعد من أهم منتِجات غازات الاحتباس الحراري. 
استناداً إلى ذلك، تقتضي مواجهة مسببات انبعاث الغازات الاعتماد على كفاءة الطاقة، أي الطاقة ذات المعايير المناسبة للأجهزة والمعدات الاستهلاكية، مثل الإضاءة ومكيفات الهواء والمحركات، كما تقتضي الاعتماد على الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية الصغيرة والطاقة الحيوية والطاقة الحرارة الأرضية، شرط تخفيض آثارها ولو كانت بسيطة على التنوع البيولوجي، من خلال تنفيذ دراسات لتقييم الأثر البيئي وتطبيقها. 
وكل ذلك لا يمكن أن يصل إلى الخواتم الفضلى إلا إذا جرى العمل على تسريع الاستثمارات في الطاقة النظيفة. والاستراتيجيات التي تعمل تحت رقابة وتمويل مرفق البيئة العالمي وصندق المناخ الأخضر تطمح في تقليل أو تجنب انبعاثات الغازات الدفيئة بما يعادل 1.5 مليار طن على الأقل من ثاني أكسيد الكربون.

وحتى اليوم قدم مرفق البيئة العالمية 4.2 مليارات دولار على الأقل، واستفاد من 38.3 مليار دولار من مصادر أخرى لتشغيل أكثر من 1000 مشروع وبرنامج لتخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة في أكثر من 160 دولة. 

موقف
التحديثات الحية

كل هذا الاهتمام من قبل مرفق البيئة العالمي يعمل لتعزيز الظروف التمكينية لإدماج التخفيف في استراتيجيات التنمية المستدامة، مثل تحديد مسارات الطيران بدقة كي تتماشى مع الحفاظ على الأنظمة الإيكولوجية، وإنشاء المناطق العازلة حول المحميات الطبيعية ووصل الغابات بممرات شجرية لتأمين سلامة التنوع الحيوي. فمرفق البيئة العالمية يواصل معالجة الحاجة إلى الظروف التمكينية لتعميم اهتمامات تغيّر المناخ في جدول أعمال التخطيط والتنمية الوطنية في مختلف البلدان من خلال دعمه للأنشطة التمكينية، بما في ذلك التزامات الاتفاقية، ومبادرة بناء القدرات من أجل الشفافية من خلال البيانات السليمة والتحليل وأطر السياسات.

إلا أن الاستراتيجيات هذه نفسها لن تنجح كما يجب إلا إذا تم ربط مسار تغير المناخ بمسار فقدان التنوع البيولوجي، إذ لا يمكننا معالجة فقدان التنوع البيولوجي دون معالجة تغيّر المناخ، ولكن من المستحيل أيضاً معالجة تغيّر المناخ من دون معالجة فقدان التنوع البيولوجي.

ويمكن أن تساعدنا حماية النظم البيئية واستعادتها أو إعادة تأهيلها في تقليل مدى تغير المناخ والتعامل مع تأثيره، لذا يجب أن تكون النظم الإيكولوجية الصحية في قلب أي سياسة للتكيف مع تغير المناخ ويمكن أن تساعد على التخفيف من آثار هذا الأخير، وذلك عن طريق امتصاص مياه الفيضانات الزائدة أو حمايتنا من تآكل السواحل أو الظواهر الجوية المتطرفة. وتعتبر الغابات والأراضي الرطبة والموائل الأخرى مخازن رئيسية للكربون. كما يمكن أن تساعدنا حمايتها أيضاً في الحد من تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي. 
وبالمقابل، يجب الحد من الضغوط "التقليدية" التي تتسبب في تجزئة النظم البيئية وتدهورها والإفراط في استغلالها وتلوثها. هذا هو السبب في امتلاك معظم الدول استراتيجيات لإعادة ربط المناطق الطبيعية باستخدام البنية التحتية الخضراء لاستعادة صحة النظم البيئية والسماح للأنواع بالازدهار عبر موطنها الطبيعي، فالمبدأ الأساس للبنية التحتية الخضراء هو أن مساحة الأرض نفسها يمكن أن تقدم في كثير من الأحيان فوائد متعددة إذا كانت نظمها البيئية سليمة. 
(اختصاصي في علم الطيور البريّة)

المساهمون