تأثيرات إيجابية للأعمال الفنية على صحة المرضى

30 أكتوبر 2022
رسوم أشجار وطبيعة وسماء في مستشفى إسباني (يواكيم كورشيرو/ فرانس برس)
+ الخط -

تُزين مستشفيات عدة، خاصة في أجنحة الأطفال، برسومات تتعلق بالطبيعة، وشخصيات خارقة، أو أميرات، وشخصيات كرتونية أخرى يحبها الأطفال، بهدف إضفاء نوع من البهجة، ومحاولة الإفادة من تأثيرها الإيجابي على المرضى، ومساهمتها في تعزيز قوتهم في التغلب على الأمراض والأوجاع. 
تؤكد مختصة علم النفس الدكتورة كريستين علم، في حديثها لـ "العربي الجديد"، أن "تأثير الرسوم واضح على المرضى خاصة الأطفال، فوجودها على الجدران يلعب دوراً في تخفيف التوترات، علماً أن الأطفال يشعرون عادة بالتوتر والانزعاج من زيارة الطبيب، خاصة إذا تكرر ذلك، أو ترافق مع أوجاع مستمرة، لذا نلاحظ في مستشفيات سرطان الأطفال تحديداً الكثير من الأشكال والرسوم الفنية والنقوش على الجدران".
تتابع أن "تأثير الرسوم والنقوش على الجدران يتجاوز هذا الحد إلى المساعدة في فهم الحياة النفسية للأفراد، وتحديداً الأطفال، فعلم النفس يستخدم الرسم أداة لفهم مشاعر الأطفال، كما أن الألوان التي تتضمنها رسومات الأطفال تدل على الوضع النفسي والصحي للمريض عموماً والأطفال خصوصاً، لذا تستخدم اتجاهات ومدارس في علم النفس الرسم في العلاج".
وتلفت علم إلى أن دراسات عدة تؤكد حاجة الأطفال المرضى في المستشفيات أو في الأجنحة الخاصة بهم إلى ألوان حيوية، بينها الأزرق الذي يخفف التوتر والإرباك، وألوان الطبيعة الهادئة.
وتشير إلى أن "الدراسات والأبحاث تظهر أن الألوان قد تؤثر مباشرة في النظام البيولوجي للإنسان وصحته، فالاستجابات النفسية والفسيولوجية للألوان، والتصاميم المنقوشة على جدران مراكز الرعاية الصحية والمستشفيات تلعب دوراً في تحسين الصحة الجسدية والنفسية".
ويورد تقرير نشره موقع "ويب أم دي" الطبي الأميركي في إبريل/ نيسان الماضي، أن العلاج بالألوان قد ينتج موجات ونبضات كهربائية أو مجالات للطاقة تؤثر في جسم الإنسان. وعلمياً لكل لون تأثيرات صحية مختلفة، فالأحمر يرمز إلى النشاط والشهية، في حين أنه يرتبط بالدم والقلب، لذا يستحسن عدم اختياره في غرف العمليات أو تلك التي لها علاقة مباشرة بمرضى القلب، لأنه يشجع على اليقظة، ويحفز عمل الأعضاء، ويضخ مزيداً من الدم في الشرايين. لكنه في المقابل يعد مناسباً جداً لكبار السن، لأنه يعطيهم المزيد من التشجيع والمثابرة.
في المقابل، تلعب ألوان الأزرق والأخضر والبرتقالي دوراً مهماً في تحقيق الراحة النفسية، فالأزرق يعالج آلام الصداع النصفي، ويبعث الأخضر الهدوء ويعزز الغذاء الصحي، أما البرتقالي فيحسن المزاج وعمل الغدة الدرقية، لذا من المفيد استخدامه في أجنحة الطب النفسي، لأنه قد يحفز الأنشطة العقلية، في حين يزيد الأصفر التركيز ويدل على السعادة والفرح والطاقة، لكن المبالغة في استخدامه قد تجعل الأطفال في وضع مزاجي سيئ.

بصمات ملونة في مستشفى بفنزويلا (ليوناردو فيلوريا/ Getty)
بصمات ملوّنة في مستشفى بفنزويلا (ليوناردو فيلوريا/ Getty)

وفي شأن علاقة الألوان بالأمراض النفسية، يستحسن، بحسب الدكتورة علم، أن يبتعد الطبيب عن الألوان الصارخة، خاصة في أجنحة التوحد والفصام، وعدم تعريض الأشخاص المصابين بصرع واضطرابات عصبية أخرى للألوان الشديدة الاحمرار، أو الشديدة التحفيز التي قد تُحدث نوبات.
وتوضح علم أن اختيار الأعمال الفنية، سواء كانت لوحات جدارية أو رسوماً أو نقوشاً، يخضع لمعايير طبية. فعلى سبيل المثال لا يمكن وضع صور حيوانات في عيادات مختصي التغذية، لأنها تشير إلى فكرة تناول الأطعمة بشكل غرائزي.
في المقابل، يتجنب مختصو علم النفس اللوحات التي تحتوي على ألوان صارخة أو مكعبات ومجسمات، وهو ما يسمى بالفن التكعيبي، لأنه قد يؤثر على الصحة العقلية والنفسية للمرضى، ولا بدّ من أن تكون اللوحات الفنية بسيطة.
وتفيد دراسات عدة بأن الأعمال الفنية في المستشفيات تلعب دوراً مهماً في تغيير مزاج المرضى. وتكشف دراسة أجرتها المكتبة الوطنية للطب الأميركي على عدد من المرضى أن أولئك الذين يقضون فترة مرضهم في غرف أو أجنحة تحتوي على رسومات فنية لديهم قدرة على الشفاء بسرعة، والتواصل مع محيطهم الاجتماعي بشكل أسلس وأكثر سهولة. 

وأكدت دراسة حول تأثير 20 لوحة على مرضى، أن الفن يساهم في خلق بيئة وأجواء تجعل المرضى يشعرون بأمان، ورغبة في الحفاظ على اتصال بالعالم الخارجي ودعم هويتهم، كما أظهرت أن الفنون البصرية في المستشفيات تساهم في تحقيق نتائج صحية، من خلال تحسين رضا المرضى كأحد أشكال الرعاية الصحية. 
وتؤكد مختصة الهندسة آلاء كيالي، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "تصميم الألوان والرسوم الفنية، وحتى اختيار قطع الأثاث في مراكز الرعاية الصحية، مهمة رئيسية للمهندسين، وهناك معايير دولية بدأت تفرض نفسها في عالم الهندسة، وتأخذ في الاعتبار التأثيرات على صحة المرضى، ما فرض إنشاء أماكن متخصصة في بيع أثاث خاص بالمستشفيات والعيادات الطبية، والاهتمام بمراقبة رسوم وأعمال فنية لاختيارها في ديكورات العيادات والمراكز الصحية".

المساهمون