ظهرت مخاوف من زيادة الإصابة بشلل الأطفال في بريطانيا بعدما وجدت وكالة الأمن الصحي البريطانية، التي تعمل مع وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية فيروس شلل الأطفال في عينات مياه صرف صحي في لندن. وجاء على موقع الوكالة أنه كان من الطبيعي اكتشاف 1 إلى 3 فيروسات شلل الأطفال سنوياً كل عام في عينات مياه الصرف الصحي في البلاد، وترتبط هذه النتائج باللقاح المضاد لشلل الأطفال في البلاد.
ومن المرجح أن الفيروس جلب إلى المملكة المتحدة من قبل شخص حصل على التطعيم أخيراً خارج البلاد بلقاح الفم الذي يحتوي على نسخة حية من الفيروس، بالتالي قد يكون الفيروس انتقل ضمن عائلة واحدة في بادئ الأمر.
وشلل الأطفال مرض فيروسي شديد العدوى يغزو الجهاز العصبي وهو كفيل بإحداث شلل تام في غضون ساعات. وينتقل عن طريق الانتشار من شخص لآخر بصورة رئيسية من خلال البراز، وبصورة أقل عن طريق وسيلة مشتركة (مثل المياه الملوثة أو الطعام) ويتكاثر في الأمعاء بحسب منظمة الصحة العالمية. وتتمثّل أعراض المرض الأوّلية في الحمى والتعب والصداع والتقيّؤ وتصلّب الرقبة والشعور بألم في الأطراف. وتؤدي حالة واحدة من أصل 200 حالة عدوى بالمرض إلى شلل عضال (يصيب الساقين عادة). ويلاقي ما يتراوح بين 5 و10 في المائة من المصابين بالشلل حتفهم بسبب توقّف عضلاتهم التنفسية عن أداء وظائفها.
وتقول مستشارة الأمراض المعدية في منظمة "أطباء بلا حدود" فيكتوريا باريس لـ "العربي الجديد": "عادة ما لا تظهر أي أعراض على معظم المصابين بعدوى شلل الأطفال، ويمكن أن تكون مهددة للحياة"، مشيرة إلى أن "التلقيح ضد شلل الأطفال يقي الإصابة بالفيروس، بما في ذلك السلالة الموجودة في مياه الصرف الصحي في لندن. وعلى الرغم من العثور على سلالة شلل الأطفال المرتبطة بلقاح شلل الأطفال في الصرف الصحي، لم تظهر حالات إصابة".
وتوضح باريس أنّ شلل الأطفال مرض يعاود الظهور على مستوى العالم بسبب انخفاض معدلات التلقيح من جراء تفشي جائحة كورونا والنزاعات المسلحة. وتعمل منظمة "أطباء بلا حدود" في العديد من البلدان المتضررة وتحرص على حصول الأطفال على دورة كاملة من التلقيح لضمان حمايتهم وبالتالي نجاح الجهود المبذولة في مواصلة القضاء على شلل الأطفال على مستوى العالم.
وما زالت التحقيقات جارية بعد العثور على الفيروس في عينات مياه الصرف الصحي شرقي لندن بين فبراير/ شباط ومايو/ أيار الماضيين، ما يعني أن الفيروس انتشر بين عدد قليل من الناس، وأنّه مستمر في التطور، ويصنّف الآن على أنه فيروس شلل الأطفال المشتق اللقاحي من النوع 2 (VDPV2)، الذي يمكن أن يسبب مرضاً خطيراً في حالات نادرة، وخصوصاً لدى الأطفال الذين لم يحصلوا على اللقاح كاملاً.
في هذا الإطار، يقول المدير التنفيذي للزمالة البريطانية لشلل الأطفال كريبن درونا لـ "العربي الجديد": "من الطبيعي أن تثير هذه النتائج القلق. لكن في هذه المرحلة لا داعي للهلع في ظلّ وجود أدلة بسيطة فقط على احتمال وجود إصابات مجتمعية وغياب فيروس شلل الأطفال البري (نتشر شلل الأطفال عن طريق اتصال شخص بآخر، فيهاجم الفيروس الجهاز العصبي وقد يسبب في غضون ساعات قليلة إلى إصابة الشخص بالشلل الذي لا يمكن علاجه)، مشيراً إلى ضرورة تأكّد الناس من حصولهم على اللقاح. ويوضح أن إصابة واحدة بالفيروس تساهم في نشر العدوى. لذلك، فإن الأخبار عن العثور على الفيروس نثير المخاوف، لكن من الضروري ألا ندع نطاقها يتسع لنتفادى إثارة حالة من الهلع بين الناس.
وتم تأكيد الحالة الأخيرة لشلل الأطفال البري في المملكة المتحدة في عام 1984 وأعلنت المملكة المتحدة خالية من الفيروس في عام 2003. ويقول خبراء إن شلل الأطفال ربّما عاد ليهدّد بريطانيا، ويعتمد ذلك على مدى انتشار هذا المرض أو اقتصاره على عدد ضئيل من الناس. لذلك، تدعو وكالة الأمن الصحي في البلاد الناس إلى التأكد من حصولهم على اللقاح، مع تراجع تأمين لقاحات الأطفال على الصعيد الوطني وبالتحديد في أجزاء من لندن. وفي العامين 2020 و2021، وللعام الثالث على التوالي، فشلت بريطانيا في بلوغ 95 في المائة من التغطية اللقاحية لمن هم دون الخامسة من العمر، وأخفقت في ذلك في بلوغ الهدف العالمي الذي أرسته منظمة الصحة العالمية.
وبحسب موقع خدمات الصحة الوطنية، يجري حالياً توسيع نطاق مراقبة مياه الصرف الصحي لتحديد مدى انتقال الفيروس. وطُلب من المعنيين التحقق والإبلاغ عن أي شخص تظهر عليه أعراض يمكن أن تكون نتيجة الإصابة بفيروس شلل الأطفال. ويشير إلى أنه ما من علاج لمرض شلل الأطفال، ويشمل تخفيف آلام الإصابة بالفيروس الراحة في السرير وتناول مسكنات الألم وبعض التمارين لمنع حدوث مشاكل في العضلات والمفاصل. وما سبق يمكن أن يشفي أولئك الذين يعانون من أعراض خفيفة بشكل كامل من العدوى. أمّا أولئك الذين تظهر عليهم أعراض أكثر خطورة قد يعانون من مشاكل مستمرة أو إعاقة دائمة. وإذا تأثرت العضلات التنفسية، فهي تهدّد الحياة وقد تكون هناك حاجة للرعاية في المستشفى لمساعدة الرئتين على التنفس.