تعود الجمعيات الخيرية المعنيّة بالأطفال في بريطانيا لتحذّر وتدعو من جديد إلى ضرورة فرض شرط التحقّق من سنّ متصفّح الإنترنت عند ولوج المواقع الإباحية على الشبكة، بهدف منع الأطفال (كلّ من يقلّ عمره عن 18 عاماً) من الوصول إلى "المحتوى المتطرّف" لتلك المواقع. وفي هذا الإطار، وللمساهمة في حماية الأطفال في العالم الرقمي، طُرحت في البرلمان تشريعات في عام 2017 تضمّنت شروط التحقّق من السنّ لمنع الأشخاص الذين تقلّ أعمارهم عن 18 عاماً من مشاهدة المواد الإباحية على الإنترنت، بيد أنّ ذلك اُسقط في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2019 بعد تأخير لمرّات عدّة.
وقد وجّه ائتلاف يضمّ جمعيات خيرية وخبراء في مجال سلامة الأطفال بقيادة جمعية بارناردو الخيرية البريطانية، رسالة مفتوحة شديدة اللهجة إلى أكبر مواقع المواد الإباحية في البلاد، مؤكّداً أنّ الضرر الذي يلحق بالأطفال شديد لدرجة أنّه لا يمكن الانتظار لمعالجة المشكلة كجزء من مشروع قانون الأمان على الإنترنت الذي لم يدخل حيّز التنفيذ بعد.
وتشرح الرئيسة التنفيذية لجمعية بارناردو، لين بيري، أنّ القوانين الجديدة تستغرق نحو ثلاث سنوات لتدخل حيّز التنفيذ، الأمر الذي يعني أنّه في غضون ذلك الوقت سوف يشاهد ملايين الأطفال محتوى ضاراً تنتج عنه عواقب وخيمة على صحتهم النفسية. وتلفت إلى أنّ العاملين في الخطوط الأمامية لدى الجمعية، مضطرّون إلى مساعدة الأطفال الذين تأثّروا بشكل خطر نتيجة مشاهدة "مواد متطرّفة".
وبحسب ما تؤكد بيري، فإنّ فترة الإغلاق على خلفية أزمة كورونا الوبائية ساهمت في وضع مزيد من الأطفال أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية، وبالتالي في اتصال بشبكة الإنترنت. وتروي كيف تبدّلت عادات فتى يبلغ من العمر 15 عاماً كان يقضي ساعات في الهواء الطلق ثمّ تحوّل إلى مشاهدة مواد إباحية. وقد أقرّ الفتى عند اعتقاله بعد أن عرض نفسه "بشكل غير لائق" على امرأة أكبر سنّاً منه، أنّه كان يشاهد محتوى يصوّر رجالاً يعرضون أنفسهم في الأماكن العامة على نساء وأنّ هؤلاء النساء كنّ يستمتعنَ بذلك. وقد دفع ذلك المتخصصين في جمعية بارناردو الذين تابعوا الفتى إلى الترجيح بأنّ أفعاله أتت مرتبطة بطريقة مباشرة بما شاهده على شبكة الإنترنت.
وكانت صحيفة ذا غارديان البريطانية قد عبّرت عن مخاوفها في وقت سابق إزاء المواد الإباحية المرتبطة بسوء معاملة الأطفال والاغتصاب وسفاح القربى وما يسمّى بـ"الانتقام الإباحي". وقد أظهر استطلاع جديد أعدّته شركة يوغوف الدولية المتخصصة في أبحاث الأسواق والتي تتّخذ من بريطانيا مقراً لها، أنّ نحو 70 في المائة من البالغين في البلاد يوافقون على أنّ المواد الإباحية المتطرّفة التي يُعَدّ بيعها على أقراص مدمجة غير قانوني، لا بدّ من أن يكون تسويقها عبر الإنترنت غير قانوني كذلك. في المقابل، لم يوافق 10 في المائة من البالغين البريطانيين على هذا الأمر. وأتت النسبة الكبرى بين الأهالي، إذ وافق 75 في المائة من الآباء والأوصياء على وجوب أن تُصنَّف المواد الإباحية المتطرّفة غير قانونية على الإنترنت. وقد أيّد المجلس البريطاني لتصنيف الأفلام الدعوة إلى فرض قيود على المواقع الإباحية.
من جهتها، خلصت دراسة أعدّتها هيئة "أوفكوم" الناظمة للاتصالات في بريطانيا إلى أنّ تعرّض الأطفال لمواد إباحية هو مصدر قلق كبير بين البريطانيين. وقد تناول مشروع البحث الخاص بالهيئة الناظمة ما يعدّه الناس في البلاد "أضراراً محتملة عبر الإنترنت". وتشمل الأضرار المحتملة التي يشير إليها البالغون التنمّر والسلوك المسيء والتهديدات والمحتوى الجنسي أو الإباحي والمحتوى العنيف أو المزعج. كذلك، أشار الأطفال إلى هذه المخاوف، علماً أنّ خمسة أطفال من بين كلّ عشرة تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عاماً ذكروا التنمّر والإساءة والتهديدات، فيما ذكر ثلاثة أطفال من بين كلّ عشرة محتوى جنسياً أو إباحياً، وثلاثة من بين كلّ 10 محتوى عنيفاً أو مزعجاً.
وفي هذا السياق، تقول أماندا، وهي أمّ لفتاة تبلغ من العمر 15 عاماً، إنّ "مراقبة ما يشاهده أطفالنا على الإنترنت قد تكون من اصعب الأمور، خصوصاً أنّهم يحملون هواتف ذكية خاصة بهم". تضيف أماندا لـ"العربي الجديد" أنّ ابنتها "تختلي بنفسها في غرفتها معظم الوقت، مثل غالبية المراهقين في هذا الزمن"، لافتة إلى أنّها "منذ بلوغها العاشرة من العمر، أحاول توعيتها حول ما يمكن مشاهدته وما قد يضرّ بها، وأتحقق من هاتفها. لكنّني لا أريد أن تشعر ابنتي بأنّني لا أثق بها". وتتابع أماندا أنّ "كثيرين هم الأهالي الذين أتواصل معهم والذين يقرّون بأنّهم عاجزون عن التحكّم أو السيطرة بشكل كامل على ما قد يتعرّض له اطفالهم على الإنترنت". وتؤكّد أماندا أنّ "فرض الحكومة شرط التحقق من السنّ عند تصفّح المواقع الإباحية سوف يساعدنا في إبعاد أطفالنا عن مشاهدة محتوى على الإنترنت يؤذيهم نفسياً ويؤثّر سلباً على نظرتهم إلى العلاقات بشكل عام".
بدوره، يقول دان وهو أب إنّ "التربية الصحيحة في المنزل هي الحجر الأساس"، لكنّه يقرّ لـ"العربي الجديد" بأنّ "تأثير المجتمع والأصدقاء ليس بسيطاً، وبأنّ الأهل يعانون في عصر تطغى عليه التكنولوجيا. هم يتخبّطون ما بين حرية أطفالهم وخصوصيتهم وبين المخاطر التي يواجهها هؤلاء". ويشدّد دان على أنّه "لا بدّ للحكومة من أن تتصرّف وتضع قيوداً صارمة على مواقع عديدة على شبكة الإنترنت".
تجدر الإشارة إلى أنّ سياسة شرط التحقّق من السنّ عند تصفّح المواقع الإباحية، ظهرت للمرّة الأولى في خلال حملة الانتخابات العامة لعام 2015، لكنّها واجهت صعوبات متكرّرة. وأفادت الحكومة بأنّ أيّ طريقة لضمان شرط السنّ، تلجأ إليها المواقع الإباحية، لا بدّ من أن تحمي خصوصية المستخدمين.