بروكسل هادئة مع الحدّ من سرعة السيارات

04 فبراير 2021
قانون السير مفروض بشكل كلّي (دورسون ايديمير/ الأناضول)
+ الخط -

أصبحت بروكسل أول مدينة أوروبية تفرض قانون الحدّ من سرعة السيارات إلى  30 كم/ ساعة على كامل أراضيها، لخفض عدد الضحايا. إلا أنّ القانون تبعته انتقادات بيئية غير واضحة بعد. 

ابتداء من مطلع شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، لم يعُد يُسمح للسيارات في بروكسل بتجاوز سرعة 30 كم/ ساعة على كلّ الطرقات. لتصبح بذلك أول مدينة تطبق هذا القانون على كامل أراضيها في أوروبا. هذا التغيير الرمزي، لكن المهمّ، لن يؤدي إلى تعطيل نمط سائقي السيارات على طرق بروكسل، نظراً لكون العديد من البلديات كانت قد قيّدت بالفعل سرعة السيارات بـ 30 كم/ ساعة، أو حتى أقلّ. ما يهمّ قبل كلّ شيء، بالنسبة للسلطات، هو النقلة النوعية. فالقيادة بهذه السرعة تجعل من بروكسل مدينة هادئة لسكانها، وتنقذ العديد من الأرواح. 

كوفيد-19
التحديثات الحية

تشرح وزيرة النقل في بروكسل، إلكه فان دن براندت، لـ "العربي الجديد": "هدفنا تحسين السلامة العامة على الطرقات، وإنقاذ الأرواح، وتقليل ضحايا السير. فعندما كانت السرعة المسموحة هي 50 كم/ ساعة كان الخطر أكبر، مع ارتفاع نسبة وفيات المشاة، لكنّ هذا الخطر يُمكن تخفيضه من خلال القانون الجديد المفروض". تضيف: "في أحد المؤتمرات الأوروبية في استوكهولم، وقّعنا اتفاقية تلزمنا بتحقيق صفر وفيات وإصابات، مرتبطة بحوادث السيارات، بحلول عام 2030".
إضافة إلى ذلك، ستقتصر سرعة القيادة على 20 كم/ ساعة في الأحياء السلمية أو مناطق التجمعات الكبيرة، التي ستتم الإشارة إليها بمجموعة من العلامات المحددة. على أن يتم إنشاء 5 أحياء سلمية كلّ عام، بهدف المنع التام لمرور السيارات لاحقاً، عبر هذه الأحياء. ولضمان احترام الحدّ الأقصى للسرعة، تتم عمليات المراقبة من قبل الشرطة، عبر تركيب 250 راداراً وقائياً و60 راداراً قمعياً على الأراضي الإقليمية. وفي السنوات القليلة المقبلة، سيُرفع عدد الرادارات القمعية إلى 150، لجعل المواطنين يحترمون تلقائياً القانون الجديد. وتقول دن براندت: "تجري الشرطة عمليات مراقبة مستمرة، منذ مطلع يناير. ويتم تطبيق عقوبات انتهاك قانون السير". وتأمل حكومة بروكسل في أن يكون لهذا القرار تأثير كبير على عدد السيارات المتنقلة في المدينة.
 
فوائد كثيرة
تبيّن أنّ للقيادة بسرعة 30 كم/ ساعة العديد من الفوائد في المدينة، خصوصاً في ما يتعلق بالسلامة العامة على الطرقات. فقد شهدت كلّ المدن الأوروبية، التي فرضت هذا القرار في بعض أحيائها، انخفاضاً كبيراً في نسبة حوادث السير الخطيرة. ففي لندن، انخفض عدد الحوادث بنسبة 42 في المائة خلال 20 عاماً. وفي غرونوبل (فرنسا) 21 في المائة في 8 سنوات، و22 في المائة في 6 سنوات في بورتسموث (بريطانيا). بينما شهدت مدينة غراتس بالنمسا انخفاضاً في الإصابات الخطيرة بنسبة 24 في المائة. 
وبحسب المتحدث باسم "المنظمة البلجيكية للسلامة على الطرق"، بونوا غودار، "القيادة بسرعة 30 كم/ ساعة بدلاً من 50 كم/ ساعة، في بيئة حضرية، تمنح السائق وقت ردّ فعلٍ أطول. وبالتالي، يمتلك وقتاً أكبر للفرملة. فمثلاً، تصل مسافة الكبح إلى 13 متراً، بدلاً من 27 متراً، إذا كانت السرعة 50 كم/ ساعة. كما يزيد خطر الوفاة، بحوالي 5 مرات، عند اصطدام سيارة تسير بسرعة 50 كم/ ساعة بأحد المشاة، بدلاً من 30 كم/ ساعة. للمقارنة، فإنّ الاصطدام بسيارة تسير بالسرعة الأولى يعادل السقوط من الطابق الثالث، بينما في الحالة الثانية، يعادل السقوط من الطابق الأول". 
ويشير غودار إلى مثالٍ يتناقله جميع المسؤولين البلجيكيين للدفاع عن هذا القانون. فبعد سلسلة من الحوادث المميتة، قررت بلدية سكاربيك في بروكسل فرض الحدّ الأقصى للسرعة 30 كم/ ساعة على كلّ طرقاتها في سبتمبر/ أيلول 2018. وبعد عامين، كانت النتيجة إيجابية إلى حدٍّ كبير، إذ انخفضت الإحصاءات المتعلقة بالسلامة على الطرق. ولم يتعرض أي أحد لحادث مميت لمدة عامين. ويذكر غودار بأنّ "هذا الإجراء لم يُفرض بين عشية وضحاها. فقد قامت البلدية والشرطة بعملٍ توعوي هائل لجعل السكان يلتزمون بالقانون".

...وانتقادات أيضاً
في حين أنّ تخفيض السرعة في المدينة يؤدي إلى تحسن لا يمكن إنكاره في مجال السلامة العامة على الطرق، إلا أنّ هناك بالمقابل انتقادات لقانون الحدّ من سرعة السيارات إلى 30 كم/ ساعة، لكنّ إثبات صحتها من عدمه لا يزال غير واضح. فإحدى الدراسات التي أجراها معهد توماس مور في بلجيكا، في يونيو/ حزيران الماضي، بطلب من شركة "تورينغ" لإصلاح السيارات، أبرزت في خلاصاتها، أنّ "معدل الجسيمات الدقيقة المنبعثة قد انخفض على مرّ السنين، لكن السيارات ذات المحركات الحرارية، الديزل أو البنزين، تواصل تلويث البيئة، بشكلٍ أكبر بسرعة 30 كم/ ساعة مقارنة مع 50 كم/ساعة". ويقول المتحدث بإسم "تورينغ"، لورنزو ستيفاني: "الحدّ من سرعة السيارات إلى 30 كم/ ساعة ليست فكرة جيدة من وجهة نظر بيئية، لأنها تولّد المزيد من التلوث. ففي الماضي، أظهر باحثون في جامعة كامبريدج أنّ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والجسيمات الدقيقة تكون أكثر عند السرعة المنخفضة ( 30 كم/ ساعة وأقلّ) أو عند السرعة العالية (فوق 80 كم/ ساعة)".

بيئة
التحديثات الحية

إذاً، هل يُعتبر تعميم قانون 30 كلم/ ساعة في بروكسل انحرافاً بيئياً، في وقت تريد فيه العاصمة الأوروبية أن تصبح أكثر اخضراراً؟ تجيب دن براندت: "ليس بالضرورة. متوسط السرعة في بروكسل أقلّ بكثير من 50 كم/ ساعة منذ سنوات. ففي عام 2018، كشفت إحدى الدراسات أنّ متوسط السرعة في وسط المدينة لا يتجاوز الـ 12 كم/ ساعة، خلال وقت الذروة. وبالتالي، فإنّ الحدّ من السرعة إلى 30 كم/ ساعة سيكون له تأثير بيئي محدود. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون القرار مفيداً للخطة البيئية للمدينة، إذ من المفترض أن يتيح تفضيل استعمال وسائل النقل الأقلّ تلويثاً، مثل النقل العمومي، والمشي، وركوب الدراجات. عندئذٍ سيكون للانخفاض المسجل في حركة المرور تأثير إيجابي على تقليل انبعاثات الغازات الملوثة والجزيئات الدقيقة الأخرى".

المساهمون