العام الدراسي يبدأ في تونس: مدرسون يطالبون بتحسين أوضاعهم

16 سبتمبر 2024
العام الدراسي يبدأ في تونس، 16 سبتمبر 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **نقص الإطار التعليمي**: استقبلت تونس أكثر من 2.3 مليون تلميذ وسط نقص في الأساتذة يقدر بـ7 آلاف، مما أدى إلى احتجاجات ومطالبات بتحسين البنى التحتية وانتداب المدرسين.

- **التحديات المالية والمهنية**: النقابات تطالب بتسوية الوضعيات المهنية والمالية للإطار التعليمي، مشيرة إلى أن الاعتماد على المدرسين المعوضين يسبب إهدار ساعات العمل ويؤدي إلى تسرب مدرسي.

- **التحديات الاقتصادية**: ارتفاع كلفة التعليم في تونس، حيث تحتاج الأسر إلى 800 دينار لتأمين مستلزمات العودة المدرسية، مما يقلص حظوظ التونسيين في النفاذ إلى حق التعليم.

استقبلت المؤسسات التعليمية في تونس، اليوم الاثنين، ما يزيد عن 2,3 مليون تلميذ، في أول أيام العام الدراسي الجديد، وسط قلق النقابات من نقص في الإطار التعليمي، والذي كان سببا لسلسلة من الاحتجاجات التي سبقت العام الدراسي، طالبت خلالها النقابات بالعودة للتفاوض حول ملفات تُرحّلها السلطة من عام إلى آخر، من أبرزها انتداب المدرسين للمعلمين المعوضين وتحسين البنى التحتية للمدارس والمعاهد وتنفيذ إصلاح تعليمي شامل.

وتلح نقابات المدرسين على إيجاد تسويات للوضعيات المهنية والمالية للإطار التعليمي من أجل تحسين جودة التعليم في البلاد التي تشكو مستويات عالية من التسرب المدرسي. ويقول الكاتب العام لجامعة التعليم الثانوي، محمد الصافي، إن "المدرسين عبروا عن مواقفهم من الواقع العام للقطاع من خلال يوم غضب وطني انتظم أمام وزارة التربية جددوا خلاله مطالب راكدة منذ سنوات".


وأكد الصافي لـ"العربي الجديد" أن "الطلاب قد يواجهون الصفوف الشاغرة نتيجة نقص في عدد أساتذة المرحلة الإعدادية والثانوية يقدر بنحو 7 آلاف أستاذ في مختلف الاختصاصات"، مشيرا إلى أن "نقص إطار التدريس يدفع سنويا إلى اعتماد حلول ترقيعية لم تعد قابلة للاستمرار، من بينها زيادة الاعتماد على الأساتذة المعوّضين أو ضم الصفوف التي ينتج عنها اكتظاظ كبير في الأقسام"، مطالبا الوزارة بـ"الانفتاح أكثر على طلبات المدرسين والتعاطي مع الملفات الراكدة بجدية تجنبا للمزيد من تأزيم الأوضاع داخل القطاع".

وقبل أسابيع من بداية العام الدراسي، أجرى الرئيس قيس سعيد تعديلا وزاريا شمل حقيبة التربية التي آلت مسؤوليتها للوزير نور الدين النوري. ويرجح كاتب عام نقابة التعليم الأساسي، إقبال العزابي، أن "تكون العودة المدرسية 2024 -2025 نسخة جديدة للعودات المدرسية التي يواجه فيها المدرسون اهتراء المؤسسات التعليمية ونقص الإمكانات المادية اللازمة للعملية التربوية"، مضيفا لـ"العربي الجديد" أن "بداية العام الدراسي ستكون متعثرة بسبب إخفاق الوزارة في معالجة ملفات جوهرية، من أبرزها تسوية وضعية المدرسين المعوضين". 

ورجّح المسؤول النقابي أن "تشهد صفوف هذا العام الدراسي كثافة كبيرة نتيجة اعتماد سياسة جديدة في توزيع الأقسام، جرى بمقتضاها الترفيع في عدد التلاميذ في الفصل الواحد إلى حدود 36 تلميذا مقابل معدل 25 تلميذا في الصف في السنوات الماضية، وذلك بهدف الحد من انتدابات الإطار التدريسي والاستغناء عن خدمات جزء من المدرسين النواب".

وتعتمد تونس منذ سنوات على المدرّسين المعوِّضين أو النواب في مختلف مراحل التعليم لتلبية احتياجاتها من الكوادر التعليمية، بعدما أوقفت السلطة خطّة الانتداب المباشر بهدف كبح كتلة رواتب موظفي القطاع الحكومي. ويُعَدّ ملفّ المدرّسين المعوضين من الملفات المعقدة التي تُرحَّل من سلطة إلى أخرى، حيث يتسبب سنويا في إهدار مئات ساعات العمل نتيجة الاحتجاجات والإضرابات التي ينفذها المدرسون.

ويؤكد إقبال العزابي أنّ "الاستقرار الوظيفي وإنهاء عقود العمل الهشّة للمدرسين جزء أساسي من إنجاح العملية التربوية"، وقدّر عدد الأعوان المؤقّتين في مختلف الاختصاصات بنحو 20 ألفا، مشددا على أنّ "الوقت حان لإنهاء هشاشة الأوضاع المهنية في قطاع التعليم الحيوي". 

العام الدراسي في تونس وغلاء الأسعار

وتحافظ تونس منذ عام 1958 على مجانية وإلزامية التعليم وفق قانون البلاد، غير أن العملية التعليمية بحسب المنظمات المدنية أصبحت أمرا مكلفا، ما يقلص حظوظ التونسيين في النفاذ إلى حق التعليم ويرفع مستويات التسرب المدرسي. وبحسب تقديرات المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، تحتاج الأسر التونسية إلى ما لا يقل عن 800 دينار (حوالي 270 دولارا) لتأمين مستلزمات كاملة لعودة تلميذ. وقال رئيس المنظمة، لطفي الرياحي، إن "معدل الإنفاق على العودة المدرسية يرتفع سنويا بنسبة لا تقل عن 10%"، مشيرا إلى أن "آثار زيادة الأسعار والتضخم تنعكس على مستلزمات العودة، رغم محاولات السلطة تثبيت أسعار الكراسات المدعمة والكتب المدرسية". وأفاد الرياحي "العربي الجديد" بأن "سلة مستلزمات العودة المدرسية لا تقتصر على الكتب والكراسات، بل تشمل أيضا الميداعات والأزياء الرياضية، وهي كلها مستلزمات أساسية للطلاب".

أقرّت تونس إلزامية التعليم ومجانيته بمقتضى قانون صدر في عام 1958، وجاء حينها في نصّ القانون أنّ "أبواب التربية والتعليم مفتوحة في وجه جميع الأطفال ابتداءً من سنّ السادسة"

وكانت تونس قد أقرّت إلزامية التعليم ومجانيته بمقتضى قانون صدر في عام 1958، وجاء حينها في نصّ القانون أنّ "أبواب التربية والتعليم مفتوحة في وجه جميع الأطفال ابتداءً من سنّ السادسة". كذلك، أُقرّت مجانية التعليم في كلّ درجاته ضماناً لتكافؤ الفرص. وقد صاحب هذا الإقرار التشريعي استثمار كبير في البنية التحتية التربوية عبر تعميم المدارس في المدن والأرياف.

ويقول رئيس منظمة أولياء التلاميذ، رضا الزهروني، إن "العملية التعليمية في تونس تحوّلت إلى مشروع مكلف، ما ينعكس سلباً على حقوق الطبقات الضعيفة في النفاذ إلى تعليم جيّد"، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن "المنظمة منشغلة بشأن تأثير ارتفاع كلفة التعليم على حقوق أبناء الطبقات الضعيفة والمتوسطة في الدراسة"، مشيراً إلى أن "المسائل المادية باتت عناصر محددة لجودة التعليم ونسب النجاح"، داعيا إلى "الأخذ بعين الاعتبار التحولات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد التي تسببت في انزلاق أكثر من مليون أسرة إلى الفقر، ضمن مشروع الإصلاح التعليمي المرتقب".

ووفق بيانات رسمية حول التسرب المدرسي، يغادر 55% من جملة المتسربين مقاعد الدراسة خلال السنوات الأولى، وهم فئة لا تشملها خطط إعادة الدمج، أو برامج تعليم الكبار. وعام 2022، نشر منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية دراسة حول واقع التعليم في تونس، بيّنت أنّ المنظومة التعليمية في البلاد دخلت في أزمة هيكلية تسبّبت في موجة تسرّب واسعة للتلاميذ في الأعوام العشرة الأخيرة. وكشفت الدراسة أنّ نسبة التمدرس تنخفض مع تقدّم التلاميذ في العمر، إذ تُسجَّل فوارق بين نسبة المتمدرسين الذين بلغوا سنّ السادسة وبين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عاماً، إذ تنخفض النسبة من 99.5 % للفئة الأولى إلى 81.9 % للفئة الثانية. وبحسب هذه الدراسة، فإنّ هذه النسبة تعكس صعوبة تطبيق مبدأ إلزامية التعليم على الرغم من أنّ القانون نصّ على ذلك منذ الإصلاح التربوي في عام 1991.