انطلاق مؤتمر "كوب 27" لإحياء النضال من أجل المناخ وسط تحذيرات من "التقاعس"

06 نوفمبر 2022
انطلاق قمة المناخ في مصر.. فهل ستشهد تحولات عن سابقاتها؟
+ الخط -

انطلقت، اليوم الأحد، فعاليات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب 27) في مدينة شرم الشيخ التابعة لمحافظة جنوب سيناء شرقي مصر، في محاولة لإعطاء دفع جديد لمكافحة الاحترار المناخي وتداعياته التي تتالى في عالم منقسم وقلق من أزمات أخرى متنوّعة. وتلتقي نحو 200 دولة في هذا المؤتمر، بعد عام قاسٍ شهد كوارث مرتبطة بتقلّبات الطقس جعلت الحاجة ماسة إلى إجراءات ملموسة.

وفي كلمته الافتتاحية، قال رئيس مؤتمر الأطراف حول المناخ في نسخته السادسة والعشرين (كوب 26) ألوك شارما: "أتفهّم ما واجهه الزعماء في كلّ أنحاء العالم هذا العام من أولويات مختلفة. يجب أن نكون واضحين (...) فإنّ التقاعس عن العمل يمكنه فقط إرجاء كارثة المناخ". أضاف شارما: "كم يحتاج العالم وقادة العالم من نداءات للاستيقاظ بالفعل".

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قد شدّد الأسبوع الماضي على أنّ النضال من أجل المناخ "بات مسألة حياة أو موت لأمننا اليوم ولبقائنا غداً"، مع فيضانات غير مسبوقة في باكستان وموجات قيظ متكرّرة في أوروبا وأعاصير وحرائق غابات وجفاف.

"الوفاء بالوعد"

وشدّد شارما على "وجوب أن يرسي مؤتر كوب 27 أسس تحرّك مناخي أسرع وأكثر جرأة راهناً وفي العقد الحالي الذي سوف يُحدَّد في خلاله إذا كان النضال من أجل المناخ سوف يكون رابحاً أو خاسراً".

وقد سلّم شارما رئاسة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغبيّر المناخ (كوب 27) إلى وزير الخارجية المصري سامح شكري في مراسم رسمية. وقد صرّح الرئيس الجديد بأنّه "لا يجب السمح لظروف الأزمة العالمية بأن تؤثّر على الالتزامات المناخية".

ووفق جدول الأعمال الذي تمّ تبنّيه، اليوم الأحد، بالإجماع في افتتاح المؤتمر، يتطرّق مؤتمر "كوب 27" إلى مسألة تمويل "الخسائر والأضرار" الناجمة عن تغيّر المناخ.

ويعتزم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك دعوة زعماء العالم المجتمعين في مؤتمر "كوب 27" إلى "عدم التراجع عن وعد" حصر الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية. وقال سوناك، في بيان نشره مكتبه أمس السبت قبيل توجّهه إلى مصر للمشاركة في "كوب 27": "عندما اجتمع العالم في غلاسكو (اسكتلندا) في العام الماضي، اتّفقت الدول على خريطة طريق تاريخية لمعالجة الاحترار المناخي الكارثي (...) من المهمّ أكثر من أيّ وقت مضى الوفاء بهذا الوعد". أضاف سوناك أنّ "مكافحة تغيّر المناخ ليست مجرّد أمر صحيح أخلاقياً، بل هو أمر أساسي لازدهارنا وأمننا في المستقبل"، متحدّثاً عن عواقب الغزو الروسي لأوكرانيا على إمدادات الطاقة والحاجة إلى "إنهاء اعتمادنا على الوقود الأحفوري".

وينبغي خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 45 في المائة بحلول عام 2030، في محاولة لحصر الاحترار المناخي بـ1.5 درجة مئوية مقارنة بالحقبة ما قبل الصناعية، وهو أكثر أهداف اتفاق باريس بشأن المناخ (2015) طموحاً. لكنّ التعهدات الحالية للدول الموقّعة على الاتفاق في حال احترامها سوف تؤدّي إلى ارتفاع تتراوح نسبته ما بين 5 و10 في المائة، الأمر الذي يضع العالم على مسار يفضي إلى ارتفاع الحرارة 2.4 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحالي. وهذا الأمر بعيد جداً عن الهدف الرئيسي لاتفاق باريس مقارنة بالحقبة التي بدأ فيها الانسان يستخدم على نطاق واسع مصادر الطاقة الأحفورية من فحم ونفط وغاز، المسؤولة عن الاحترار.

ومع السياسات المعتمدة راهناً يتّجه العالم إلى زيادة قدرها 2.8 درجة مئوية في الحرارة، وهو مستوى كارثي. وقد أسف غوتيريس لأنّ المناخ تراجع إلى المرتبة الثانية في سلّم الأولويات بسبب جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا والأزمات الاقتصادية وأزمات الطاقة والغذاء.

وفي هذا الإطار، قال ألدن ميير من مركز الأبحاث "إي 3 جي" والمتابع لمفاوضات المناخ منذ فترة طويلة: "سبق أن عرفنا مراحل مشحونة جداً في السابق"، مثل انسحاب الولايات المتحدة الأميركية في عهد (الرئيس الأميركي السابق) دونالد ترامب من اتفاق باريس بشأن المناخ (...)، لكنّه لم يسبق لي أن رأيت شيئاً من هذا القبيل"، واصفاً ما يحصل بأنّه "العاصفة المثلى".

في ظلّ هذه الأجواء، وعلى الرغم من التعهدات التي قُطعت في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب 26) الذي عُقد في العام الماضي في مدينة غلاسكو باسكتلندا شمالي المملكة المتحدة، فإنّ نحو عشرين دولة فقط رفعت أهدافها، فيما ترى الأمم المتحدة أنّ "لا مسار موثوقاً" لتحقيق الهدف المتمثّل في حصر الاحترار بـ1.5 درجة مئوية.

وبعد افتتاح مؤتمر "كوب 27"، اليوم الأحد، يلتقي أكثر من 120 من قادة الدول والحكومات يوم غد الإثنين وبعد غد الثلاثاء في قمّة من شأنها إعطاء دفع لهذه المفاوضات التي تستمرّ أسبوعَين. ويغيب عن القمّة الرئيس الصيني شي جين بينغ، في حين يحضر الرئيس الأميركي جو بايدن في محطة سريعة في 11 نوفمبر الجاري، علماً أنّ التعاون حيوي بين أكبر دولتَين ملوّثتَين في العالم واللتَين تشهد علاقتهما توتراً شديداً. لكنّ الرئيسَين الصيني والأميركي قد يلتقيان في بالي في الأسبوع التالي، على هامش قمّة مجموعة العشرين.

يُذكر أنّ دول مجموعة العشرين مسؤولة عن 80 في المائة من الانبعاثات العالمية، إلا أنّ أغنى دول العالم متّهمة بعدم تحمّل مسؤولياتها على صعيد الأهداف والمساعدات إلى الدول النامية كذلك. وسوف يكون استياء أفقر دول العالم غير المسؤولة عن الاحترار لكنّها بأكثرها عرضة لتداعياته في صلب مؤتمر "كوب 27".

"الغسل الأخضر"

وعود دول الشمال برفع مساعداتها إلى 100 مليار دولار أميركي سنوياً، ابتداءً من عام 2020، إلى دول الجنوب، بهدف تخفيض الانبعاثات والاستعداد لتداعيات التغيّر المناخي، لم تنجز بعد. وتطالب دول الجنوب كذلك بتمويل إضافي مخصّص لـ"الخسائر والأضرار" التي تكبّدتها حتى الآن، إلا أنّ الدول المتطوّرة متحفظة جداً على هذه الآلية، وقد اكتفت في العام الماضي بالقبول بفتح "حوار" حول المسألة مقرّر حتى عام 2024. لكنّه من المتوقّع أن تضطر إلى الموافقة على إدراج المسألة رسمياً على جدول أعمال مؤتمر "كوب 27".

وقال الممثل الخاص للرئاسة المصرية في "كوب 27" وائل أبو المجد إنّ "الجميع يتّفق على القول بوجوب إيجاد سبيل لحلّ ذلك. لكنّ الصعوبة تكمن في التفاصيل".

من جهته، قال سفير باكستان لدى الأمم المتحدة منير أكرم، وهو رئيس مجموعة 77 + الصين؛ الكتلة التفاوضية النافذة التي تضمّ أكثر من 130 دولة نامية، إنّ "التوصّل إلى اتفاق حول آلية الخسائر والأضرار سوف يكون مقياس نجاح كوب 27 أو فشله". وشدّد أكرم لوكالة فرانس برس على أنّ "الإرادة تصنع المعجزات".

وثمّة غموض حول إقرار آلية خاصة لتمويل "الخسائر والأضرار" أو حول هدف جديد لمواصلة مبادرة المائة مليار دولار، ابتداءً من عام 2025. وقال مفاوض الدول الجزرية الصغيرة ميشاي روبرتسون إنّ حاجات التمويل "تُعَدّ بمليارات المليارات"، لافتاً إلى استحالة تحقيق ذلك من دون القطاع الخاص.

وسوف تُسلّط الأضواء كذلك على تعهدات القطاع الخاص، مع نشر تقرير لمجموعة خبراء الأمم المتحدة المكلّفة تحديد المعايير لتقييم أهداف الحياد الكربوني للشركات والمدن فضلاً عن المناطق والمستثمرين. وشدّد غوتيريس في الأسبوع الماضي على أنّه "لا يمكن للعالم أن يتحمّل مزيداً من الغسل الأخضر أو التحرّكات الزائفة أو المتأخرة".

وقد خصّصت مصر التي تستضيف المؤتمر باسم الدول الأفريقية مساحة للناشطين في شرم الشيخ، فيما يُتوقّع غياب أيّ تظاهرات في الشارع، إذ إنّ التظاهر ممنوع في مصر، علماً أنّ النسخ السابقة من مؤتمر الأطراف شهدت تظاهرات كبيرة للناشطين البيئيين. لكنّ المجتمع المدني في مصر سوف يحاول اغتنام فرصة انعقاد المؤتمر لتسليط مزيد من الضوء على مصير معتقلي الرأي في البلاد الذين يزيد عددهم عن 60 ألفاً، وفق منظمات غير حكومية، مع التركيز خصوصاً على الناشط علاء عبد الفتاح الذي حُكم عليه في نهاية عام 2021 بالسجن خمس سنوات بعد إدانته بتهمة "نشر أخبار كاذبة"، علماً أنّه مضرب عن الطعام منذ سبعة أشهر.

(فرانس برس، العربي الجديد)

ذات صلة

الصورة
سياح عند بحيرة ياسمينة في صحارى مرزوكة - جنوب شرق المغرب - 20 أكتوبر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

أحيت الأمطار الغزيرة، التي هطلت أخيراً في جنوب شرق المغرب، بحيرات وبركاً مائية كانت قد نضبت لسنوات بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة في الصحارى.
الصورة
العدالة المناخية غائبة حول العالم (غلين هانت/Getty)

مجتمع

باتت الكثير من الدول تستشعر العواقب المترتبة على تفاقم التغير المناخي والاحترار العالمي، وتكافح من أجل ضبط الاحترار المتزايد، لكن الأمر يحتاج إلى موازنات.
الصورة
	 في خانيونس (ياسر قديح / الأناضول)

منوعات

بعد 5 أشهر من انطلاق حملات عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، لم يقتل الاحتلال المدنيين ويهدم المنازل فقط، ولكنه تسبب في كوارث وآثار بيئية كبيرة.
الصورة
البرازيل (فرانس برس)

منوعات

في دراسة جديدة، توقع المؤلفون أن يواجه البشر، إلى جانب العديد من الأنواع الأخرى، خطر الموت بسبب عدم قدرتهم على التخلص من هذه الحرارة من خلال العرق، وتبريد أجسادهم.
المساهمون