انتقاد حقوقي لتقنين "الحبس الإلكتروني" بمصر: إهدار ضمانات المحبوسين

26 أكتوبر 2020
بات الحبس الاحتياطي أقرب للعقوبة الجنائية (Getty)
+ الخط -

أعربت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدنية مصرية)، عن رفضها لما صرح به وزير العدل عن البدء في تنفيذ جلسات تجديد الحبس الاحتياطي عبر تقنية الفيديو، التي تعني أن يقبع المواطن المحبوس داخل إحدى غرف السجن أمام شاشة تناظرها المحكمة، ومحاولة إضفاء صبغة قانونية كاذبة ومحاولة تقنينها.

وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، دشن وزيرا العدل والاتصالات المصريان المرحلة الأولى من مشروع تجديد الحبس الاحتياطي عن بُعد بين محكمة القاهرة الجديدة وكلٍ من سجن طرة العمومي وسجني 15 مايو والنهضة المركزيين، وذلك عن طريق نظر جلسات تجديد حبس المتهمين باستخدام وسائل التقنية الحديثة باتصال القاضي بالمتهمين داخل محبسهم عبر قاعات مخصصة لذلك بكل سجن بحضور محاميهم من خلال شبكات تلفزيونية مغلقة ومؤمّنة تم ربطها بين عدد من المحاكم وبعض السجون، تمهيداً لتعميم هذا المشروع على جميع المحاكم والسجون، وذلك في حضور قيادات وزارات العدل والداخلية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

وقالت الشبكة العربية إن مثل هذا التقنين سوف يعصف بما تبقّى من ضمانات المحبوسين احتياطيا، لا سيما منهم المحبوسين على خلفية المعارضة السياسية أو لتعبيرهم عن آرائهم وأفكارهم التي لم تلقَ هوى لدى الأجهزة الأمنية؛ إذ كيف يسوغ للمحبوس وهو يرزح تحت وطأة الرقابة الشرطية التي تسيطر على كل مقار الاحتجاز أن يتقدم بشكواه من سوء المعاملة أو الاعتداءات التي تطاوله مثل المعاملة القاسية أو منع المتابعة الطبية والأدوية، وفي أحيان أخرى ما يسومونه من وقائع تعذيب بدني ونفسي وكذا الحبس الانفرادي لأيام وأشهر عدة.

وأضافت الشبكة "كما سيُحرَم المحبوس من التواصل الخاص والمنفرد مع محاميه ودفاعه، وكل ما سيخبره أو يطلبه سيكون مشاعا للكافة، وقد يتخذ منه دليلا ضده ليساند اتهاما نشأ مبتورا بالأساس".

الشبكة العربية أكدت أن هذا المسلك حال تقنينه إنما يمثل هروبا من مواجهة أصل الداء، إذ بات الحبس الاحتياطي أقرب للعقوبة الجنائية، ويقبع بموجبه آلاف الأبرياء لشهور وسنوات داخل السجون دون تحقيقات عادلة ودون تقديمهم لمحاكمة عادلة، خرقا لنصوص الدستور والقانون التي حددت مُددا قصوى للحبس الاحتياطي، فباتت السجون وزيادة أعدادها هي الشغل الشاغل لوزارتي الداخلية والعدل في ظل غياب رقابة حقيقية وفعالة على تلك السجون، وباتت الأجهزة الأمنية تستخدم معسكرات تدريب قوات الأمن المركزي التابعة لوزارة الداخلية كمقار احتجاز لكثير من المقبوض عليهم ويخضعون فيها للحبس الاحتياطي.

وأكدت كذلك موقفها الرافض لهذا التقنين المزمع تطبيقه، ووجهت بضرورة مواجهة منهجية التوسع الشديد في الحبس الاحتياطي، وخاصة المستند لمحاضر تحريات ضباط الأمن الوطني فقط، وبضرورة كفّ النيابة العامة عن اعتمادها كسبب وحيد لإصدار قراراتها المتتالية بحبس آلاف المواطنين، على أن يكون ذلك بالتوازي مع إقرار تطبيق التدابير الاحترازية المتنوعة المتاحة أمام النيابة العامة كبديل قانوني للحبس الاحتياطي، والذي عدّه المشرع والفقه القانوني –إجراءً بغيضاً– مخلاً بالمبدأ الدستوري بافتراض البراءة لكل متهم طالما لم يصدر حكم قضائي بإدانته، حسب تعبيرها.

وطالبت الشبكة العربية مجلس القضاء الأعلى بالتصدي بقولٍ فصْل في أمر هذا التقنين المزمع، وعدم التحجج بدافع الاحتراز من انتشار فيروس كورونا حيث تعج أبنية المحاكم وساحات النيابات ومقار الاحتجاز بزحام يفوق الوصف وبشكل يومي من المتقاضين وذويهم، والإعلان بوضوح أن التنكيل بسجناء الرأي والمطالبين بالتغيير والحريات هو الهدف.

كما طالبت النائب العام بوقفة جادة لدعم سيادة القانون، بدراسة أوضاع المحبوسين احتياطيا على ذمة اتهامات مرسلة تفتقر إلى أي دليل رغم كونها اتهامات خطيرة، كالانتماء لجماعة إرهابية أو نشر الأخبار الكاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في ارتكاب جرائم النشر، إذ وجهت الأجهزة الأمنية للمواطنين الاتهام بارتكابها وهم قيد الحبس منذ سنوات، وهو الأمر الذي يجافي العقل والمنطق القانوني السليم، ومع ذلك قررت النيابة العامة حبس هؤلاء ترتيبا على هذا الزعم المفضوح، وهو ما يثير التساؤل حول حقيقة دور النيابة العامة في كبح جماح أجهزة الأمن وتنكيلها بالسجناء السياسيين.

وكررت الشبكة العربية موقفها بمناشدة المشتغلين بالقانون والمهمومين بقيم الحرية والعدل التعاطي مع هذا التقنين الباطل باعتباره يهدر الضمانات الدستورية والحقوق المقررة بمواثيق حقوق الإنسان.

المساهمون