يرى المحلل التركي مسلم أويصال أن جيل الشباب سيحظى باهتمام كل الأحزاب خلال الانتخابات العامة المقررة في 14 مايو/ أيار الجاري، ويتوقع بالتالي المزيد من الوعود لتحقيق مطالب هذه الفئة، سواء على صعيد تحسين واقعها المعيشي، أو تلبية رغباتها في مواكبة تطورات الحياة والعصرنة، "فهم ثقل انتخابي وبيضة القبان في الانتخابات"، علماً أن عدد الشباب أو ما يسمى "جيل Z" يقدّر بنحو 13 مليونا، منهم 6 ملايين سيدلون بأصواتهم للمرة الأولى.
ويقول أويصال لـ"العربي الجديد" إن "حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ عشرين سنة واجه سابقاً انتقادات كبيرة من الشبان، لكن البرنامج الانتخابي الحالي للحزب زاد الاهتمام بهم".
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعد بأن تزيد حكومته الدعم من خلال عائدات الغاز المستخرج من البحر الأسود، وتوفير قروض بلا فوائد لمبادرات الاستثمار الشبابية. كما أكد في خطاب ألقاه في برنامج "فوراً من أجل الشباب" الذي نظمه الفرع الشبابي لحزب العدالة والتنمية بالعاصمة أنقرة أخيراً، أنه يقف إلى جانب الشباب عبر حملتي "منزلي الأول" و"أرضي الأولى" اللتين تهدفان إلى توفير منازل وأراضٍ لهم.
بدوره، يرى مدير مركز إسطنبول للدراسات الاستراتيجية، محمد كامل ديميريل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "شريحة الشباب شكلت دائماً موضع اهتمام الحزب الحاكم، لكن أردوغان ركز في وعوده الأخيرة على جيل Z، ووعد بإنشاء بنك الأسرة والشباب، وتمويله من عائدات الغاز الطبيعي والنفط، وخفض التضخم، لكن الأهم هو تحسين الوضع المعيشي وتأمين فرص عمل للشباب".
لكن مدير مركز عائلة للأبحاث مراد غيزيجي يتوقع، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "تدخل فئة الشباب الانتخابات بخيبة أمل يرافقها استياء وغضب شديدان، لأن الشباب يعتقدون بأن النظام الحالي لا يسمح لهم بالتعبير عن مطالبهم، ولا يأخذهم على محمل الجد، وهم يحلمون بالتالي بإنشاء نظام ديمقراطي".
يضيف مدير المركز الذي يواكب تبدلات آراء الشباب من خلال استطلاعات رأي مستمرة: "يملك هؤلاء الشباب أيضاً أسباباً اقتصادية تجعلهم في صف الأحزاب المعارضة ضد التحالف الحاكم لا سيما أنهم يرغبون في أن توفر لهم الدولة فرص عمل، وهو ما لا يستطيع التحالف الحاكم فعله في الوقت الحالي، وبالتالي سيخسر أصواتهم في الانتخابات. وتشير الإحصاءات إلى أن 55 في المائة من جيل Z يثقون بالسياسيين، في حين تبلغ نسبة من يعارضون النظام الرئاسي الحالي 54.7 في المائة، ما يعني أن الناخبين الشباب في تركيا يشيرون إلى تغيير قادم في ظل اختلاف مواقفهم عن بقية فئات المجتمع".
ويرى غيزيجي أن "استطلاعات الرأي تظهر وجود غضب كبير في صفوف الشباب الأتراك، وشعورهم بخيبة أمل، إذ يعتقدون بأن مستقبلهم تلاشى في السنوات الماضية، لذا يريدون تغيير واقعهم بشكلٍ أساسي عبر الانتخابات، كما تلعب الأسباب الاقتصادية دوراً أساسياً في لجوء الشباب إلى التصويت لصالح المعارضة، وهم سيعكسون مواقفهم في صناديق الاقتراع خلال الانتخابات المقبلة".
في المقابل، يؤكد رئيس قسم الشباب بحزب العدالة والتنمية الحاكم، عبد الله كيجك أوغلو، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "استطلاعات الرأي التي تعكس انقسام الشبان في تأييد الحزب قديمة وتبدلت، فما فعلته السلطات والحزب بعد كارثة زلزال 6 فبراير/ شباط الماضي، أكد لجميع هؤلاء الشبان أنهم يعيشون في دولة قوية وملتزمة مع الشعب خلال الأزمات، وأنهم يملكون حظوة كبيرة في القرارات والتدابير المتخذة، ويتنامى دورهم، وهو ما تؤكده أفعال وليس تصريحات ووعودا فقط".
يضيف كيجك أوغلو أن "الشباب غيّر آرائه التي بُنيّت على تحشيد من المعارضة، بعد تنفيذ السلطات جميع الوعود الخاصة بإطلاق سيارة توغ الكهربائية، وانتهاء أعمال مد أنابيب نقل غاز البحر الأسود إلى البر، وتدشين أول مفاعل للطاقة النووية وغيرها، لذا أتوقع توجه مزيد منهم نحو حزب العدالة والتنمية الذي نقل تركيا إلى مصاف الدول الكبرى، وجعل الشبان أكثر افتخاراً بانتمائهم الوطني".
ويؤكد أن "المفاجآت الاقتصادية ستكون كثيرة في المرحلة التالية، وسيُعلن تباعاً ما يهم الشباب، إذ سيكون رائد الفضاء منهم، وتطلعاتهم لا حدود لها على الصعيد التقني".
وفي شأن تردي الواقع الاقتصادي، وما يُقال عن تبدد أحلام الشباب، يرى كيجك أوغلو أن "تركيا تعتبر بين الدول الأقل تأثراً بالتحولات الاقتصادية والأزمات التي شهدتها الأعوام الأخيرة، من تفشي جائحة كورونا إلى الحرب الروسية على أوكرانيا، لكن الهمّ الاقتصادي وتحسين معيشة الشباب يبقيان الشغل الشاغل للحزب، وبعد الانتخابات ستمنح زيادة في الأجور تفوق نسبة التضخم التي تراجعت خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، كما أن توفير فرص العمل وامتصاص فائض البطالة، هما هدفان معلنان للحكومة".
ومع توالي استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات العامة التي يرى البعض أنها ستكون مصيرية وحاسمة بالنسبة إلى تركيا، لم يستبعد محللون إجراء الانتخابات الرئاسية على جولتين، باعتبار أن نتائج معظم استطلاعات الرأي العام المنشورة لا تعطي حتى الآن صورة واضحة لتوزيع الأصوات. وكشف استطلاع للرأي أجرته شركة "أوبتيمار" لأبحاث الرأي العام أن نسبة 53.4 في المائة من الأتراك واثقون من فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية جديدة، في وقت رأت فيه نسبة 42.1 في المائة أن مرشح المعارضة الوحيد كمال كيليجدار أوغلو سيفوز، بينما توقعت نسبة 8.3 في المائة منهم فوز زعيم حزب "البلد" محرم إنجه، و1.7 في المائة من نصيب سنان أوغان.
وأظهر الاستطلاع أيضاً عدم حسم نسبة 15.5 في المائة من الشباب آراءهم في شأن خيار الرئيس، ما يعني أن هذه الفئة ستلعب دوراً مهماً في تحديد مصير الانتخابات الرئاسية تحديداً.
وبحسب شركة "أوبتيمار" لأبحاث الرأي العام، سيصوّت 13.6 في المائة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً لمصلحة أردوغان، و15.2 في المائة منهم لكيليجدار أوغلو، و19.5 في المائة لإنجه و15.3 في المائة لأوغان. وبين أولئك الذين لم يتخذوا قراراً نهائياً في شأن التصويت يمكن أن يمنح 41.5 في المائة منهم أصواتهم لأردوغان، و31.3 في المائة منهم لكيليجدار أوغلو.