انتحار بين نساء باكستان... دوافع مختلفة والنتيجة واحدة

25 مايو 2021
قد تقدم واحدة منهنّ على إنهاء حياتها لسبب أو لآخر (حسين علي/ Getty)
+ الخط -

 

لا يُعَدّ الانتحار أمراً غريباً في مجتمعات تتعدّد فيها الأزمات. ويكثر بين النساء عندما يعانينَ إجحافاً كبيراً وتسلّطاً ممّن يُعدّون أنفسهم قيّمين عليهنّ. هذه حال نساء في باكستان.

سنوياً، تُقدم مئات النساء الباكستانيات على الانتحار للتخلّص من الضغوطات المختلفة التي يواجهنَها، لعلّ أبرزها أوضاعهنّ النفسية والاجتماعية، والأعراف القبلية السائدة التي تحرم المرأة في بعض مناطق باكستان من أبسط حقوقها في الحياة، كما الأحوال المعيشية الصعبة في البلاد، وكلّ ذلك في ظلّ تهميش حكومي مستمر، مع تكرار للوعود التي لا تتحقق. وبينما يُسلَّط الضوء على بعض تلك الحوادث فإنّ أخرى تبقى طيّ الكتمان.

ومن حوادث الانتحار التي خرجت إلى العلن أخيراً إقدام امرأة باكستانية على وضع حدّ لحياتها في مدينة كراتشي في الجنوب، الشهر الماضي. وقد أثارت ضجة إعلامية وسياسية وكذلك على منصات التواصل الاجتماعي، بعد اكتشاف الدافع وراء انتحارها، وهو تسجيل فيديو يبيّن اعتداء جنسياً عليها من قبل عصابة إجرامية.

وكانت الضحية قد أرسلت لأخيها رسائل صوتية على تطبيق "واتساب" تؤكد فيها أنّ عصابة ترغمها على الانتحار. ونقلت الشرطة الباكستانية عن أخ الضحية أنّها أرملة وكانت متطوّعة في حملة تحصين ضد شلل الأطفال، وتعرّضت إلى الاغتصاب من قبل عصابة يعيش أفرادها في جوار منزلها في منطقة شادمان تاون بمدينة كراتشي. وفي أثناء الاغتصاب، عمدت العصابة إلى تسجيل مشاهد مصوّرة، قبل أن تهدّدها بنشر مقطع الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي وإرساله إلى أقاربها وأبنائها في حال لم تلبِّ مطالب أفرادها.

المرأة
التحديثات الحية

وقبل أن تُقدم على وضع حدّ لحياتها، أرسلت لأخيها رسائل صوتية أوضحت فيها أنّها تفعل ذلك لأنّ تلك العصابة تطلب منها الخضوع لمطالبها أو تنشر تلك المشاهد، مؤكدة أنّ لا حياة لها بعد هذه الحادثة لأنّها لا تستطيع العيش بين الناس في حال نفّذت العصابة تهديداتها. وقبل أن يستمع الأخ إلى تلك الرسائل أو يتدخل، كانت المرأة قد أنهت حياتها، بالتالي لم يبقَ أمامه سوى تسجيل القضية ضد الجناة في مركز للشرطة، مشيراً إلى اطمئنانه للتحقيقات. من جهته، صرّح مسؤول شرطة منطقة شادمان، نارت ناظم أباد غلام مرتضى تبسم، في بيان، أنّ الشرطة تسعى جاهدة للوصول إلى الجناة وملاحقتهم، وهي تمكّنت من اعتقال أحد أفراد تلك العصابة المؤلفة من ستة أشخاص كانت قد أشارت إليهم الضحية في رسائلها الصوتية.

كذلك سُلّط الضوء على قصة شابة تُدعى مقدس أقدمت على الانتحار بعد قتلها صديقتها في مدينة فيصل أباد بإقليم البنجاب، وقد حازت القضية على مساحة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل إعلام محلية. وفي التفاصيل، تخاصمت نبيلة مع صديقتها وجارتها مقدس، وانقطع التواصل بينهما لأيام، قبل أن تقصد نبيلة منزل مقدس وتطلق النار عليها من مسدس أخذته من منزلها. وبعد هروبها، توجهت الجانية إلى بيت عمّها لكنّه رفض إيواءها، فعادت إلى منزلها. وعندما وصلت الشرطة إلى منزل الجانية لإلقاء القبض عليها، كانت قد تناولت السمّ لتلفظ أنفاسها الأخيرة وهي في قبضة الشرطة. يُذكر أنّ الشرطة وكذلك أسرتَي الضحيتَين لم تخفِ حيرتها إزاء الدافع وراء انتحار نبيلة وقتلها صديقتها مقدس. فأسرتها أكدت أنّها لم تكن تعاني أيّ مرض نفسي وأنّها كانت ناجحة في دراستها وفي الأعمال المنزلية بالإضافة إلى أنّها تحب الحياة وتقبل عليها بشغف.

الصورة
نساء وزراعة في باكستان (عارف علي/ فرانس برس)
الانتحار يهدد هؤلاء النسوة كذلك (عارف علي/ فرانس برس)

من جهة أخرى، فشل انتحار الشابة زينب في مدينة بيشاور بشمال غربي البلاد، بعدما ألزمتها عائلتها بخطبة رجل متقدّم في السنّ ومصاب بمرض نفسي. هي لم ترضَ بذلك، فتناولت السمّ. لكنّها نُقلت إلى المستشفى حيث أجرى الأطباء عملية تنظيف لمعدتها فنجت من الموت. لكنّها ما زالت مصرّة على عدم الزواج من ذلك الرجل، ولا تخفي استعدادها لمحاولة الانتحار مجدداً في حال أصرّت أسرتها على تزويجها له.

وتتكرر أخبار الانتحار في صفوف نساء باكستان، فيشرح الناشط الباكستاني عبد الولي لـ"العربي الجديد" أنّ "المجتمع الباكستاني بعمومه يشهد أوضاعاً صعبة من نواحٍ مختلفة اجتماعية ومعيشية ونفسية، في حين أنّ المرأة مهمشة بكلّ ما للكلمة من معنى، فهي محرومة من حقوق كثيرة". يضيف أنّ "دوافع كثيرة وراء الانتحار، لكنّ الدافع الاجتماعي من أكثرها تأثيراً. ففي كثير من الأحيان، لا تستطيع المرأة الباكستانية أن تعبّر عن نفسها أمام أيّ قريب لها، تحديداً في ما يتعلق بالزواج والصداقة وغيرهما. بالتالي، تقدم على الانتحار، إذ ترى في ذلك سبيلاً وحيداً للتخلص ممّا تواجه من ضغوط اجتماعية في هذا السياق أو غيره". ويلفت عبد الولي إلى أنّ "للأعراف القبلية تأثيراً كبيراً على حياة المرأة وفي بعض الأحيان تجبرها على الانتحار".

المرأة
التحديثات الحية

في سياق متصل، يقول الطبيب المتخصص في الأمراض النفسية والعقلية، جهازيب خان، لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة تأثيراً كبيراً للدافع النفسي، في حين تجتمع دوافع عدّة وترغم المرأة على الانتحار". يضيف أنّ "في كثير من الأحيان، تعاني المرأة أعراضاً نفسية طويلة المدى، لكنّ أحداً لا يستمع إليها أو يصطحبها إلى طبيب، فتصل بالتالي إلى حالة سيئة تدفعها إلى الإقدام على الانتحار. فهذا هو الحل الأنسب بالنسبة إليها. والأعراض النفسية تنجم بالتأكيد عن أحوال اجتماعية ومعيشية".