انتحار القصر يثير القلق في المغرب

21 يونيو 2024
يجب مواكبة التلاميذ من الناحية النفسية (راكيل ماريا كاربونيل باغولا/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المغرب يواجه زيادة في حوادث انتحار الأطفال والمراهقين، مما يثير قلق العائلات والسلطات، ويدفع نحو ضرورة التدخل التربوي والنفسي لفهم الأسباب وتقديم المساعدة.
- الظروف النفسية، الاجتماعية، والاقتصادية تعتبر عوامل رئيسية في فهم أسباب الانتحار بين الشباب، مع تأكيد على أهمية المواكبة النفسية والتوعية بخطورة الضغوط الدراسية والعنف الأسري.
- ارتفاع نسبة محاولات الانتحار بين تلاميذ المرحلة الإعدادية، مع الإشارة إلى الهدر المدرسي، الخلافات العائلية، والعنف الجنسي كسوابق شائعة، وتظهر أهمية الصحة النفسية وتقديم المساعدة للمراهقين.

يسجل المغرب في الآونة الأخيرة حوادث انتحار أطفال ومراهقين ما أثار قلق العائلات والسلطات والقطاع التعليمي، وهو ما يتطلب تدخلاً تربوياً ونفسياً للوقوف على الأسباب وتقديم المساعدة.

أثار توالي حوادث انتحار أطفال ومراهقين في المغرب في الآونة الأخيرة أسئلة حول الأسباب وسط مخاوف من تفاقم هذه الظاهرة، عدا عن المخاوف من تفاقمها. وأحدثت واقعة انتحار تلميذة في البكالوريا، تبلغ من العمر 17 عاماً، في العاشر من يونيو/ حزيران الجاري، بعدما ألقت نفسها من أعلى جرف في أحد شواطئ مدينة آسفي، بعد ضبطها في حالة غش أثناء اجتيازها امتحانات البكالوريا، صدىً واسعاً في المجتمع المغربي وصل إلى الحكومة والبرلمان.

وبالتزامن مع صدمة انتحار التلميذة المغربية وما خلفته من جدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي والنقاش حول الضغوط التي يتعرض لها التلاميذ في هذه المرحلة الدراسية، وأهمية المواكبة النفسية لهم خلال هذه الفترة، أثار إقدام فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً، بعد يوم من الحادثة الأولى، على وضع حد لحياتها بإلقاء بنفسها من الطابق الخامس لمنزل أسرتها الكائن بمدينة تطوان، شمالي البلاد، مخاوف من تفاقم الظاهرة في المغرب.
وتأتي حادثتا انتحار التلميذتين بعد أيام قليلة من إقدام تلميذة تبلغ من العمر 15 عاماً على وضع حد لحياتها شنقاً، في الرابع من الشهر الجاري، في ظروف غامضة داخل بيت أسرتها الكائن بدوار أمزيل في حي بن سركاو، التابع لجماعة أكادير، جنوب المغرب.
في هذا السياق، يقول الباحث في علم الاجتماع عبد المنعم الكزان إنه لا يمكن الخروج بنتائج أكثر دقة حول أي حالة انتحار إلا باستحضار مجموعة من الجوانب المرتبطة بالواقع النفسي والاجتماعي والاقتصادي، مشيراً إلى أن "استحضار هذه الجوانب كان سيسمح بفهم أعمق للعوامل التي حفزت على السلوك الانتحاري في حالة تلميذة البكالوريا. كما أن تعاطي مراقبي الامتحانات مع الفتاة بعد ضبطها في حالة الغش لم يكن سليماً، ويمكن أن يساهم في تعزيز السلوك الانتحاري، وخصوصاً إذ ما استحضرنا الطبيعة الهشة للبناء النفسي للمراهقين، في ظل غياب المساعدة النفسية التي ﯾﻣﻛن أن تقوم بذلك الدور الوﻗﺎﺋﻲ".
ويوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك معطيات أخرى مغيبة مرتبطة بالأسرة، فانتحار تلميذة البكالوريا قد يكون هروباً من ردود فعل الأسرة بعد فشلها الدراسي الذي يمكن أن يقلب كل طموحاتها في مجتمع قروي محافظ، ويلفت إلى أن هناك عوامل أخرى متداخلة قد تؤدي إلى الانتحار، منها على سبيل المثال العنف الأسري الذي يمكن أن يؤثر سلباً على النمو النفسي للأطفال والقصر ويجعلهم أكثر عرضة للشعور بالاكتئاب أو اليأس، وهو ما يزيد احتمال التفكير في الانتحار. وهناك عامل الفقر الذي يمكن أن يؤدي إلى ظروف حياتية صعبة تزيد التوتر والضغوط النفسية، وبالتالي احتمال التفكير في الانتحار كسبب للهروب من الوضع الصعب.
من جهتها، ترى المتخصصة في علم نفس الأطفال والمراهقين إيمان أوخير أن الانتحار آفة عالمية شهدت تزايداً كبيراً بعد أزمة كورونا، وباتت من أولويات منظمة الصحة العالمية، مشيرة في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الإقدام على الانتحار لا تسبقه دائماً إصابة بمرض أو باضطراب نفسي. وفي مرات عدة، يكون الانتحار مفاجئاً، وخصوصاً لدى الأطفال والمراهقين، بالنظر إلى غياب الفهم الواضح لظاهرة الموت لديهم، فضلاً عن صعوبة التعامل مع المشاعر السلبية والاندفاعية. تضيف: "في حالات قليلة، يأتي انتحار الأطفال والمراهقين كردة فعل على موقف معين. فتعرضهم للضغط والعزلة الاجتماعية والمرور بمشاكل أسرية وأزمات فضلاً عن المشاكل النفسية والإدمان كلها أسباب تؤدي إلى استفحال ظاهرة الانتحار".

الصورة
بعض الأطفال والقصر أكثرعرضة للشعور بالاكتئاب أو اليأس (سعيد الشريف/ الأناضول)
بعض الأطفال والقصر أكثر عرضة للشعور بالاكتئاب أو اليأس (سعيد الشريف/ الأناضول)

وتلفت إلى خطورة تعرض المراهق لعدوى ظاهرة الانتحار في محيطه الأسري والمدرسي أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، الأمر الذي يفرض التوعية والتركيز على الصحة النفسية للمراهقين وتقديم المساعدة لهم وتدريبهم على التعامل مع الأزمات، كما تؤكد على ضرورة إحداث مرصد وطني لظاهرة الانتحار يوفر إحصائيات ومعطيات بخصوصها، يتضمن توفير تدريب لجميع العاملين في المدرسة، وخصوصاً الذين يتعاملون مع المراهقين. 
وبينما تغيب دراسة وطنية علمية شاملة حول ظاهرة الانتحار بالمغرب، تقدر نسبة انتشار محاولات الانتحار بحوالي 6.5% في أوساط تلاميذ المرحلة الإعدادية، كما قال وزير الصحة والحماية الاجتماعية خالد آيت الطالب، خلال جوابه عن سؤال برلماني في يونيو/ حزيران 2023.
وبحسب المسؤول الحكومي، فإن 12% من الجثث التي تم تشريحها في مركز الطب الشرعي في الدار البيضاء خلال عام 2017، أظهرت أن سبب الوفاة هو الانتحار، مشيراً إلى معالجة 43 حالة محاولة انتحار لدى الأطفال (أقل من 14 عاماً)، في المستشفيات على مدى عامين لدى مصلحة الطب النفسي للأطفال والمراهقين التابع للمركز الاستشفائي ابن رشد في الدار البيضاء.
وفي ما يتعلق بالعوامل المؤدية إلى ظاهرة الانتحار، يقول آيت الطالب إن الهدر المدرسي والخلافات العائلية والعنف الجنسي من السوابق الشخصية الشائعة لدى الأطفال الذين قاموا بمحاولات انتحار، والذين تم استقبالهم في مصلحة المستعجلات بمستشفى الأطفال التابع للمركز الاستشفائي ابن سينا بالرباط بين 2012 و2015.

وبحسب المصدر ذاته، فإن استعمال المواد الكيميائية السامة (المبيدات الحشرية)، يعتبر من الوسائل الشائعة المستعملة في الانتحار ومحاولة الانتحار بالمغرب، نظراً لسهولة الوصول إليها. وبحسب تقديرات دورية لمنظمة الصحة العالمية، فإن نسبة الانتحار بالمغرب تقدر بـ7.2 حالات لكل 100 ألف نسمة (2019)، في حين أشار جواب الوزير إلى أنه لوحظ انخفاض معدلات الانتحار لدى كلا الجنسين ما بين 2000 ـ  2019، وانخفضت هذه النسبة من 9.9 حالات لكل 100 ألف نسمة عام 2000 إلى 7.2 حالات لكل 100 ألف نسمة عام 2019.

المساهمون