مع اقتراب الدورة الاستدراكية من امتحانات الباكالوريا المزمع إجراؤها ابتداء من الخامس من يوليو/ تموز المقبل، ارتفعت مطالبات في المغرب بتوفير الحماية للأساتذة المكلفين بمراقبة التلاميذ أثناء الامتحانات، وذلك بعد تسجيل حالات اعتداء عليهم خلال الدورة العادية من الامتحانات.
وطالبت البرلمانية عن المجموعة النيابية لـ"العدالة والتنمية" بمجلس النواب، ثورية عفيف، في سؤال كتابي وجهته هذا الأسبوع إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، بالكشف عن الإجراءات والتدابير اللازمة والحازمة التي ستقوم بها وزارته من أجل "ضمان الحماية الأمنية والمعنوية لكل الطاقم التربوي الساهر بضمير المسؤولية على سلامة الامتحانات تحقيقاً لتكافؤ الفرص بين التلاميذ بعدالة النتائج خاصة، وغيرة على جودة المنظومة التربوية عامة".
وذكرت البرلمانية أنه "لا تخلو سنة دراسية من تسجيل حالات اعتداءات جسدية ولفظية يتعرض لها الأساتذة الحازمون في محاربة ظاهرة الغش أثناء اجتياز الامتحانات، خاصة امتحانات شهادة البكالوريا، كما حصل خلال الدورة الأولى لهذه السنة".
ولفتت إلى أن "العديد من التلاميذ المتورطين في عمليات الغش يعمدون إلى القيام برد فعل انتقامي إجرامي مع سبق الإصرار والترصد اتجاه الأستاذات والأساتذة الذين يقومون بواجبهم التربوي بكل مسؤولية وبكل ضمير مهني لمنع ومحاربة تلك الظاهرة السيئة الخطيرة، والمنافية تماماً لقيم منظومة التربية والتكوين، والمهددة لقيم المواطنة ومستقبل البلاد".
وواجه عدد من الأساتذة المكلفين بمراقبة التلاميذ أثناء اجتياز الامتحانات الدورة العادية للباكالوريا ما بين 6 و10 يونيو/ حزيران الحالي، اعتداءات جسدية ولفظية، من طرف متورطين في عمليات الغش، كان من أبرزها ما كشف عنه فرع النقابة الوطنية للتعليم بمدينة مكناس (وسط المغرب)، من تعرض أستاذ لاعتداء على يد مترشح لامتحانات البكالوريا شعبة الاقتصاد، "حاول الغش بشتى الأساليب كما أراد التدخين داخل القاعة"، لكن أمام منعه من طرف الأساتذة المراقبين هاجم أحدهم بـ"خنقه وتعنيفه ودفعه".
وفي مدينة السمارة جنوبي المغرب، لم يكن يتوقع الأستاذ المكلف بمراقبة امتحانات البكالوريا في ثانوية الساقية الحمراء التأهيلية أن يتعرض للضرب والتعنيف أمام عدد من المترشحين والأساتذة والعموم، وذلك في اليوم الثاني من الامتحان الوطني للقطب العلمي بعد تحريره محضر حالة غش في حق تلميذة مترشحة باستعمال هاتفها النقال، قبل أن يجد نفسه في مواجهة شكوى بتهمة التحرش تقدمت بها التلميذة.
وفي تعليقه على الموضوع، قال الكاتب الوطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم المنضوية تحت لواء "الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب"، عبد الإله دحمان، إن فهم الأسباب الكامنة خلف الاعتداءات المتكررة على الأساتذة خلال فترة امتحانات البكالوريا، يقتضي تحليلاً هادئاً لأن المسألة لا تتعلق برد فعل فجائي بل بمسلكيات تتكرر رغم تراجعها مؤخراً، لكنها تبقى حاضرة.
ويعزو دحمان العنف ضد الأساتذة المراقبين إلى أسباب عدة منها المناخ العام الذي يؤطر عملية الامتحانات منذ التحضير حتى يوم إجراء الامتحانات والإعلان عن النتائج، حيث يتم تضخيم هذه المحطة في حياة التلاميذ، وتشكيل قناعة لديهم أنها مسألة مفصلية في حياتهم الدراسية.
ويوضح، في حديث مع "العربي الجديد "، أن "أسلوب الشحن الذي ترسخ لدى كل المعنيين بعملية الامتحانات يجعل الأجواء متعثرة ويوفر بيئة صراعية بين مدرسين يردون حماية عملية الامتحان وبين تلاميذ أصبحت لديهم قناعة أن الغش جسر للنجاح، وما يرافق هذا الجو النفسي من مبالغة تنظيمية تصل حد العسكرة، ناهيك عن عملية التقويم ذاتها التي تساهم في هذا الجو المتوتر".
ويرى المسؤول النقابي أن "العنف الذي يتعرض له نساء ورجال التعليم يجب أن يحل في إطار مراجعة شاملة لامتحانات البكالوريا سواء تعلق الأمر بالمستويات الادارية أو التنظيمية أو التربوية أو القانونية، ناهيك عن الجدولة الزمنية ثم التعبئة الإعلامية حولها والتي تجعل منها حدثاً مصيرياً"، معتبراً أن "العنف المعبر عنه في هذه المحطة هو عنف مرحل من المجتمع وفشل التنشئة الاجتماعية في أبعادها الشمولية".
ويلفت إلى أن "المنظومة التربوية تتغير بإيقاع سريع، فيما الامتحانات لا تزال أسيرة منطق وتصور تقليدي لا يجاري التغيرات الحاصلة في بيئة المتعلمين".