يشكل المهاجرون السرّيون الذين قدموا من دول أفريقية متعددة إلى ليبيا ظاهرة مقلقة بالنسبة إلى المسؤولين، خصوصاً مع استمرار تدفقهم عبر الحدود الجنوبية للبلاد التي ما زالت خارج سيطرة السلطات. لكن أصحاب المصالح والأنشطة التجارية يجدون في استمرار غياب الدولة فرصة لتشغيل هؤلاء المهاجرين في ظروف عمل سيئة ومهينة، وغالبيتهم يضطرون إلى العمل من دون الحصول على حماية قانونية.
يمارس المهاجرون مهناً عدة في مزارع وورش ومحلات ومصانع، وهم يتجمعون في نقاط تعرف باسم محطات العمال في العاصمة طرابلس، خصوصاً في مناطق صلاح الدين، وطريق الشوك، وكوبري العمال، وجزيرة فشلوم، والطريق الساحلي في تاجوراء.
يقول الناشط المدني المتابع لملف الهجرة السرّية، محسن العياشي، لـ"العربي الجديد": "لا يتقن المهاجرون عادة أي حرفة أو مهنة مطلوبة، لذا ينحصر تشغيلهم في أعمال التنظيف أو النقل أو ترتيب السلع التي تدرّ عليهم مداخيل زهيدة قد تصل إلى عشرة دولارات يومياً، ما يدفع أصحاب العمل إلى تشغيلهم، ويواجه العمال المهاجرون صعوبات جمّة، إذ يعمل بعضهم ساعات طويلة ثم يطردون من دون أن يستطيعوا المطالبة بحقوقهم بسبب وضعهم غير القانوني في البلاد".
وحاولت السلطات مرات عدة تسوية أوضاع العمالة الوافدة، وأوصت ورشات عمل نظمت في وقت سابق، وشارك فيها اقتصاديون وخبراء في الموارد البشرية لدراسة سوق العمل ومتطلباته، بضرورة "تجميع العمال الموجودين في الشوارع وتحت الجسور وإخضاعهم لتفتيش عمالي".
وفي عام 2018، طالبت السلطات العمال الموجودين في البلاد بضرورة تسوية أوضاعهم، وتعهدت بالمساعدة في تسهيل إدراجهم ضمن قوائم العمال، كما دعت أصحاب المصالح الليبيين إلى عدم تشغيل أي عمال إلا بعد تنفيذ كل الإجراءات القانونية.
ومن أجل تسهيل تسجيل بيانات هؤلاء المهاجرين، أطلقت السلطات منظومة إلكترونية باسم "منصة وافد"، ثم أعلنت الحكومة الحالية في طرابلس، في فبراير/ شباط الماضي، استعدادها لإطلاق رؤية خاصة بها في شأن تنظيم أوضاع العمالة.
لكن كل هذه الخطوات والإجراءات لا تشمل العمال من المهاجرين بسبب دخولهم إلى البلاد بطريقة غير قانونية. ويرى المسؤول في مكتب العمل ببلدية بنغازي، عادل العوكلي، أن الإجراءات التي تنظم عمل الوافدين تندرج ضمن آليات السيطرة على تفاقم أزمة المهاجرين. ويقول إنه "يمكن من خلال التسجيل حصر الوافدين والتعامل معهم في شكل أكثر انضباطاً وسهولة مقارنة بتركهم من دون حماية، وتجميعهم في مراكز إيواء من دون أن يقدموا أي خدمة قبل ترحيلهم".
يضيف: "قد يكون اقتراحي أخف ضرراً على البلاد، ويساهم في تخفيف معاناة المهاجرين الذين يجري استغلالهم في شكل سيئ من أصحاب العمل، ولا تتناسب الأعمال التي يؤدونها في كل الأحوال مع الأجور التي يحصلون عليها".
ويقسم العوكلي عمالة المهاجرين الذين لا يملكون وثائق عمل قانونية إلى قسمين: يضم الأول أولئك الذين يعملون بعد دخولهم البلاد بهدف جمع مبالغ مالية تكفيهم لمواصلة طريق الهجرة الى الشواطئ الأوروبية، ويتضمن الثاني المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل، وباتوا لا يملكون أي فرصة لمواصلة الرحلة، ما يحتم عملهم في أي مهنة وبأي أجر كي تستمر حياتهم".
ومع تدني أجور العمال المهاجرين وانعدام الالتزامات القانونية تجاههم في حال تعرضهم لأضرار، يستفيد أرباب المصالح المختلفة من عمل المهاجرين في أي شيء يعرض عليهم، وخصوصاً نقل المواد الثقيلة في مشاريع البناء، لذا زاد الطلب عليهم، في حين تتعلّق أعمال أخرى بحصاد المواسم الزراعية للشعير والقمح أو جني الزيتون.
وتواصل السلطات الليبية محاولات تطويق ظاهرة الهجرة من خلال جهود تبذلها وزارة الداخلية لمكافحة مهربي البشر، ومراقبة طرق التهريب عبر مسارب الصحراء خصوصاً، وأيضاً مداهمة أوكار التهريب قرب نقاط انطلاق قوارب الهجرة على شاطئ البحر.
وتكرر وزارة الخارجية الليبية مطالبة المجتمع الدولي بالمساهمة في إنهاء معاناة المهاجرين، وتركز على سبل العناية بتنمية بلدان المصدر التي يهربون منها كي لا يضطروا إلى تركها والهجرة منها بحثاً عن الأمان ولقمة العيش.
ومنذ نحو عشر سنوات أصبحت ليبيا الوجهة الأكثر اقبالاً للمهاجرين السرّيين القادمين من دول أفريقية مختلفة، باعتبارها طريق للوصول إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط، وذلك رغم الصعوبات الجمّة التي تعترض بلوغهم شواطئ البلاد الشمالية، أو الوصول إلى الضفة الأوربية.