في ظل تعتيم كبير من جانب إيطاليا على أوضاع المهاجرين السرّيين في سجونها، أعلن الناشط السياسي والحقوقي مجدي الكرباعي وفاة شاب تونسي في الـ23 من العمر داخل سجن مونزا في إيطاليا. وأوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه الوفاة هي الثانية خلال أسبوع، لكن لا شيء مؤكدا عن أسبابها، فالتعتيم كبير على أوضاع السجناء التونسيين وجميع الأجانب أيضاً، في ظل عدم السماح بتنفيذ زيارات لهذه السجون. وإلى جانب التعتيم لا تتوفر متابعة نفسية أو اجتماعية للسجناء في هذه المراكز، ما يرفع نسب الانتحار فيها في حال التعرض لضغوط لا تحتمل".
وكان الكرباعي كشف في ديسمبر/كانون الأول 2021، وفاة شاب تونسي في مراكز إيواء بإيطاليا. وأوضح حينها أن "المهاجر المتوفى دخل إيطاليا في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وأمضى 10 أيام في الحجر الصّحي قبل أن ينقل في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى المستشفى، رغم أنّه لم يعانِ حينها من أي مرض بحسب ما نقلته مصادر موثوقة من عائلته". ووصف مراكز الإيواء في إيطاليا بأنها "خطرة جداً على المهاجرين الأجانب".
وكان الإحصاء الأخير الذي أصدرته وزارة الداخلية الإيطالية حول المهاجرين السريين الذين توافدوا على سواحل البلاد، أظهر احتلال التونسيين المرتبة الأولى خلال الفترة الممتدة من بداية العام الحالي إلى 29 يوليو/ تموز الماضي، بعدد 7170، وتلاهم المصريون (6636) والبنغال (5996)، وبعدهم الأفغان والسوريون وأولئك القادمون من ساحل العاج.
وحددت الإحصاءات إجمالي عدد المهاجرين السرّيين بـ39285 حتى 29 يوليو/ تموز الماضي، في مقابل 28400 على امتداد كل العام الماضي، و13300 عام 2020.
وفي ظلّ ارتفاع عدد المهاجرين التونسيين السرّيين في إيطاليا وعدد الذين جرى القبض عليهم، وأودعوا في السجون، طالبت منظمات تونسية السلطات الإيطالية بالسماح بزيارة هؤلاء الأشخاص للاطلاع على ظروف إقاماتهم في السجون ومراكز الاحتجاز، لا سيما بعدما زار وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو العاصمة التونسية أواخر العام الماضي، حين استغلت منظمات عدة فرصة وجوده في البلاد لانتقاد أساليب تعامل السلطات الإيطالية مع المهاجرين التونسيين الذين وصلوا إيطاليا في رحلات سرّية.
وتحدثت المنظمات عن أنّ "التونسيين يتعرضون إلى انتهاكات في مراكز الاحتجاز، وتمييز وعمليات ترحيل انتقائية إلى بلدهم". وطالبت بكشف ملابسات وفاة الشاب التونسي وسام عبد اللطيف في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بعد نقله من مركز احتجاز في روما إلى مستشفى.
وبعدما باشرت إيطاليا تطبيق سياسة الترحيل القسرية، باتت العديد من الأسر التونسية تخشى تعرض أبنائها لسوء معاملة داخل السجون، أو في مراكز الإيواء تمهيداً لترحيلهم على دفعات.
وقد نظمت عائلات في أنحاء تونس عشرات وقفات الاحتجاج على مدى السنوات الأخيرة، للمطالبة بكشف أوضاع أبنائها داخل إيطاليا، لا سيما تلك التي تأكدت من أن أبناءها وصلوا فعلاً إلى هذا البلد، ولم يقضوا غرقاً في رحلات البحر. وأكدت بعضها أنها تلقت اتصالات من أبنائها فور وصولهم سالمين إلى إيطاليا، ثم انقطاع أخبارهم بعد القبض عليهم، وإيداعهم مراكز الاحتجاز، وأن هذا الأمر يستمر أشهراً طويلة أو حتى سنوات من دون ان تتوفر معلومات عن أحوالهم، أو احتمال كونهم لا يزالون أحياء.
وأبدت منظمات تونسية عدة، على غرار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، و"محامون بلا حدود"، تعاطفها الكبير مع مطالب العائلات، خصوصاً أنّ الإحصاءات كشفت وصول آلاف من المهاجريين السرّيين من أبناء البلاد، في مقابل ترحيل مئات منهم فقط. لكن مصير هؤلاء الآلاف الباقين بقي مجهولاً في ظل تواصلهم مع عائلاتهم، وعدم السماح للمنظمات بزيارة المراكز.
وأكد المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تونس، رمضان بن عمر، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "المنتدى يتابع باستمرار ملف الهجرة السرّية، ويقدم احصاءات عن الظاهرة تستند إلى دراسات أو بلاغات يتلقاها".
وأشار إلى أنّ "المنتدى يحاول أيضاً متابعة أوضاع المهاجرين التونسيين في إيطاليا، لكن لا تواصل بين المهاجرين وعائلاتهم، أو أي منظمات حقوقية بعد نقلهم إلى مراكز الاعتقال، حيث من المؤكد أنّهم يتعرّضون إلى مضايقات كبيرة وانتهاكات".
وطالب بن عمر السلطات التونسية بالتدخل في هذا الموضوع، ومحاولة الاطلاع على ظروف إقامة المهاجرين المحليين في هذه المراكز أو السجون قبل ترحيلهم إلى بلدهم.