المهاجرون الأفغان في إيران... تخوّفات من الترحيل وآمال بشرعنة البقاء

16 سبتمبر 2022
تزايد عدد الأفغان في إيران بعد سيطرة طالبان (سيد سادات/الأناضول)
+ الخط -

ترك الثلاثيني عبد اللطيف بلاده أفغانستان قبل عشرة أعوام هرباً من الأوضاع الداخلية الصعبة، والبطالة المستشرية، متوجهاً إلى الجارة الغربية إيران، برفقة اثنين من أشقائه، وعدد من أصدقائه، بحثاً عن ملاذ آمن ولقمة عيش كريمة.  يقول الشاب الأفغاني لـ"العربي الجديد" إن "البطالة وغياب الأمن دفعنا إلى الهجرة السرية عبر طرق غير شرعية إلى إيران. أعمل منذ 9 سنوات حارساً ليلياً في مصنع غربي العاصمة طهران، وأتقاضى شهرياً ما يعادل 120 دولاراً أميركياً، وفي النهار أعمل إسكافياً على الرصيف بالقرب من المصنع، ودخلي الشهري من هذا العمل نحو 100 دولار، ولم أزر بلادي منذ نحو خمس سنوات".
لم يسجل عبد اللطيف في البرنامج الحكومي لتعداد الرعايا الأجانب المتواجدين في إيران، والذي أطلقته الحكومة قبل أشهر، وانتهت المهلة الخاصة به في نهاية مايو/ أيار الماضي. يقول إنه لم يشارك خشية انكشاف وضعه فهو مهاجر سري، وبالتالي ترحيله إلى أفغانستان التي أصبحت أوضاعها أسوأ من تلك التي دفعته إلى المغادرة.
يتابع: "خشيتي مردها توقيت التعداد الذي تزامن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران، فبينما يعاني الشباب الإيراني من البطالة يراودني القلق من أن يكون هدف التعرّف على المهاجرين السريين وأماكن عملهم هو ترحيلهم".
لا يتفق المهاجر الأفغاني محمد مع صديقه عبد اللطيف. ويشير إلى أنه توجّه قبل شهر إلى مكتب حكومي، وسجل اسمه، وإن "حملة تسجيل المهاجرين ليست الأولى، وحصل الأمر نفسه قبل عدة سنوات، وحينها لم يجرِ ترحيل المسجلين، بل جرى تثبيت وضع كثيرين منهم".  
يضيف محمد: "وصلت إلى إيران قبل 5 سنوات، وأعمل في شركة للإنشاءات، وعشت هذه السنوات تحت ضغط نفسي بسبب مخاوف ترحيلي. قررت التخلص من هذه الضغوط عبر التسجيل. عسى أن أتمكن من العودة إلى أفغانستان لزيارة أهلي، ثم العودة إلى إيران بطريقة قانونية من دون مشاكل. صاحب الشركة التي أعمل بها يعلم أنني لا أملك أوراقاً رسمية، لكنه يتفهّم مشاكلنا، كما أننا قوة عاملة رخيصة، بسبب إقامتنا السرية، وهو لن يبلغ السلطات بوجودنا غير القانوني في البلاد". 
عبدالقاهر، أفغاني ثالث هاجر إلى إيران بعد سيطرة "حركة طالبان" على الحكم. يقول لـ"العربي الجديد" إنه حاصل على درجة الماجستير في الإدارة، ووصل إلى إيران قبل أشهر، لكنه لم يجد بعد عملاً يناسب تخصصه، ويعمل حالياً في قطاع البناء، مضيفاً أنه يحاول الهجرة إلى أوروبا، سواء بشكل قانوني أو غير قانوني، ولذلك لم يشارك في التعداد الحكومي "خشية أن يسبب ذلك مشكلة لي، فوجود الختم الإيراني على جواز سفري قد يثير تحفّظ الأوروبيين". 
وسجّل أكثر من مليونين و300 ألف مهاجر في برنامج تعداد الرعايا الأجانب المتواجدين بطريقة غير قانونية في إيران، وقال وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، إن هؤلاء حصلوا على "البطاقات اللازمة"، وإن "أكثر من 80 في المائة من المهاجرين غير الشرعيين جرى التعرف عليهم، وندعو البقية إلى تسجيل هوياتهم لدى المكاتب الحكومية للقيام بتخطيط مناسب لتنظيم شؤونهم".

 
وتوعّد وحيدي من لم يشاركوا في التسجيل من المهاجرين، قائلاً إن "من لم يشاركوا بالتسجيل، وجودهم غير قانوني، وسيجري التصدي لهم"، وفق ما أوردته وكالة "إيسنا". ورغم انتهاء مهلة التسجيل، قال وزير الداخلية إنه "إذا ثبت أن المهاجر لم يعلم بالمشروع الحكومي، فستقدم له تسهيلات خاصة، والخدمات البنكية ستقدم فقط للمهاجرين القانونيين". 
وتؤكد أمينة فريق عمل الهجرة الإجبارية بالمرصد الإيراني للهجرة، رقية صمدي، أن 96 في المائة من المهاجرين المتواجدين في إيران، هم مواطنون أفغان، وتقول إن عدد المهاجرين الشرعيين في إيران وفق تعداد عام 2016 بلغ مليوناً و654 ألفاً.
وتضيف صمدي في مقابلة مع "العربي الجديد"، أنه "لا أرقام محددة بشأن أعداد المهاجرين غير الشرعيين"، مقدرة أن عدد المهاجرين الأفغان تزايد في إيران منذ سيطرة حركة "طالبان" على أفغانستان، وبلغ ثلاثة ملايين و200 ألف، وتقدر عدد من لم يشاركوا في التعداد الحكومي بما يتراوح بين 300 إلى 500 ألف مهاجر، وأنه "مع احتساب هؤلاء، فإن عدد اللاجئين الأفغان في إيران يتراوح ما بين 4 ملايين و300 ألف إلى 4 ملايين و500 ألف شخص". 

دخل آلاف الأفغان إلى إيران عبر طرق التهريب (بلال غولر/ الأناضول)
دخل آلاف الأفغان إلى إيران عبر طرق التهريب (بلال غولر/ الأناضول)

وبحسب تقارير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 2021، يعيش في إيران نحو ثلاثة ملايين أفغاني، من بينهم 780 ألف لاجئ شرعي، والبقية مهاجرون بطرق غير قانونية، كما أن نحو 586 ألفاً منهم يمتلكون جوازات سفر. 
وتقول صمدي، إن "المشروع الحكومي الإيراني لتعداد المهاجرين يهدف إلى تنظيم شؤونهم، والحكومة تريد معرفة السمات السكانية، والتوزيع الجغرافي لهؤلاء المهاجرين في أنحاء إيران التي تواجه ظروفاً اقتصادية صعبة على خلفية العقوبات الأميركية، وعدم وجود إحصائية بشأن أعدادهم يخلق مشاكل على طريق اندماجهم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك قياس احتياجات الرعايا الأجانب في البلاد". 

وتوضح أن "بيانات المهاجرين الأجانب لم تُحدّث منذ 6 سنوات، ومن الضروري معرفة أعدادهم، ونسبة المواليد، والقوة العاملة بينهم، وغيرها من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية بغرض اتخاذ الإجراءات الضرورية لوضع السياسات الفاعلة تجاههم". 
وتطرح المسؤولة في المرصد الإيراني للهجرة، سبباً مهماً إضافياً للتعداد، وهو "المخاوف الأمنية بشأن احتمال دخول عناصر ينتمون إلى المجموعات المتطرفة مع المهاجرين"، مشيرة إلى أنه "رغم أن مشروع التعداد أثار مخاوف لدى المهاجرين غير الشرعيين حول احتمال ترحيلهم، فإن من بين مزايا الانخراط بالمشروع منح أوراق الإقامة المؤقتة لمدة ستة أشهر للمهاجرين القدماء والجدد، واعتبارهم مهاجرين قانونيين، في حين سيجري ترحيلهم إن صُنّفوا مهاجرين غير شرعيين".

المساهمون