المقيمون الأجانب في مصر... قوننة أوضاع أم تحصيل أموال؟

28 يناير 2024
وصول لاجئين سودانيين إلى القاهرة (محمد الشاهد/الأناضول)
+ الخط -

انتشرت في الأوساط المصرية مطالبات بقوننة أوضاع اللاجئين وحصر وجودهم في مناطق محددة، وتزامن ذلك مع تأكيد مسؤولين أن الحكومة بصدد اتخاذ إجراءات رغم التضارب الكبير بشأن أعداد اللاجئين.

في كل مكان بمنطقة فيصل الشعبية بالعاصمة المصرية القاهرة، يمكنك ملاحظة الوجوه العربية، فأصحاب البشرة السمراء هم من السودانيين، ويمكنك التعرف على اليمنيين من أزيائهم المميزة.
يغادر طارق سلطان منزله في منطقة فيصل متوجهاً إلى مكان عمله بإحدى شركات المقاولات، لكن يتوجب عليه الوقوف في طابور طويل بموقف الحافلات العامة قبل الفوز بمكان في الحافلة، وخلال الأعوام الأخيرة، بدأ الطابور يطول، وتلون بوجوه غير مصرية، سودانية ويمنية وسورية.
ليس الذهاب والإياب اليومي الهم الوحيد الذي يشغل بال طارق، فهناك إلحاح مالك المسكن المؤجر الذي يقيم فيه على زيادة الإيجار الشهري، مؤكداً أن هناك طابوراً من السودانيين المستعدين لدفع الضعف، ما يجعله من بين المؤيدين لاتخاذ إجراءات حكومية بشأن أوضاع المهاجرين واللاجئين، والذين باتوا يزاحمونه في المأوى والرزق.
يختلف طارق مع صديقه عبد الرحمن حمدي، إذ يعتبر الأخير أنه "لولا هؤلاء الأشقاء لصارت أسواق مصر تعاني من الركود، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "ضيوفنا من علية القوم في بلدانهم، ولولا ذلك ما تمكنوا من مغادرتها، تماماً كما يمكن أن يحدث لو وقعت اضطرابات في مصر. نحن الموظفون لن يمكننا الخروج، فيما سيغادر فقط من لديه القدرة على السفر والإقامة في الخارج، لذا فقد جاءوا بخيرهم وثرواتهم إلى مصر".

أعداد الأجانب في مصر يتجاوز 9 ملايين شخص حسب الأرقام الرسمية

وتتجه  الحكومة المصرية إلى تحديد أعداد وأماكن إقامة المهاجرين واللاجئين، ومدى شغلهم وظائف دائمة، والأعمار السنية لهم لحصر من هم في عمر الدراسة، وبالتالي معرفة الخدمات الصحية والتعليمية التي يمكن تقديمها لهم خلال المرحلة القادمة، وكذلك النفقات التي ستتحملها الميزانية العامة للدولة نتيجة ذلك.
ويشكك مراقبون في توقيت هذا الإجراء، ومدى ارتباطه بحاجة الحكومة إلى مدخولات لدعم ميزانيتها المتعثرة، سواء عبر معونات خارجية تحصلها الدولة مقابل رعايتها الاجئين والمهاجرين، أو تحصلها منهم، لا سيما أن الكثيرين منهم انخرطوا في استثمارات ومشاريع وضعوا فيها كل ما خرجوا به من بلادهم.
وحسب الأرقام الرسمية، فإن أعداد المقيمين الأجانب في مصر يتجاوز 9 ملايين شخص، الغالبية منهم ينتمون إلى 4 دول عربية، هي السودان وسورية وليبيا واليمن، وبنسب متقاربة بين الذكور والإناث، ويقيم نحو 60 في المائة منهم في العاصمة القاهرة، ويتوزع الباقون على 4 محافظات رئيسية هي الجيزة ودمياط والإسماعيلية والإسكندرية. وكشف رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء خيرت بركات، أخيراً، عن توجه حكومي لإنشاء قاعدة بيانات تتوافق مع المعايير الدولية للسجلات الإدارية.


في المقابل، تورد مؤسسات أممية ودولية، على رأسها مفوضية شؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة والبنك الدولي، أرقاماً تختلف عن الأرقام الحكومية المصرية، إذ تؤكد مفوضية اللاجئين أن مصر تستضيف نحو 300 ألفاً فقط من طالبي اللجوء المسجلين من 55 دولة، وغالبيتهم من سورية، ويقدر البنك الدولي العدد بنحو 281 ألف لاجئ.
ويعزو مراقبون هذا التباين إلى اختلاف تعريف اللاجئ بين المنظمات الدولية والحكومة المصرية، إذ تعترف المنظمات بالمسجلين لديها رسمياً، فيما تعتبر الحكومة كل الموجودين في البلاد لاجئين.
وتتدنى الأوضاع المعيشية لمعظم الأجانب في مصر وفقا لتقارير الجهات المعنية باللاجئين، وذلك نتيجة تدهور الاقتصاد المصري، الذي دفع شرائح من المصريين إلى طبقات اجتماعية أدنى، وجعل غالبيتهم تفتقد إلى مصدر دخل ثابت في ظل أرقام التضخم المرتفعة. 
ومع نسب البطالة العالية، لا ينجح سوى ثلث المقيمين الأجانب في  الحصول على فرص عمل دائمة، ورواتب معظمها متدنية، وتقل عن أقرانهم من المصريين، ويعتمد بعضهم على المساعدات المقدمة من مفوضية اللاجئين أو منظمة الهجرة.

وقال وزير العمل المصري حسن شحاتة إن تراخيص العمل الخاصة باللاجئين في مصر محدودة، مضيفاً في تصريحات صحافية أنها "لا تتناسب مع الملايين الموجودين في البلاد"، ما يعني أن الغالبية يعملون من دون ترخيص.

وانتشرت وسوم على مواقع التواصل الاجتماعي ضد اللاجئين، حمل أصحابها اللاجئين جانباً مما اعترى الأوضاع الاقتصادية من تدهور، ما أثار غضب الكثيرين منهم.
يعمل السوري هاشم الحمصي في مجال الطباعة والصباغة والتجهيزات الفنية، وهو يفند الاتهامات التي توجه إلى السوريين تحديداً، مؤكداً أن العلاقات بين الشعبين تاريخية، وأنهما كانا دولة واحدة في فترات سابقة، ويقول لـ"العربي الجديد": "أقيم في مصر منذ عشرين عاماً، وأملك مؤسسة توظف عمالاً، وأنا ملتزم بكل الاشتراطات القانونية. هذه الحملة على السوريين باتت شبه موسمية، وستنتهي قريباً، وهناك جهات مشبوهة تقف خلفها. السوريون يشكلون إضافة مهمة للاقتصاد المصري، وهذا ما يدركه رجال الأعمال المصريين".

تنتشر المطاعم السورية في أنحاء مصر (خالد دسوقي/الأناضول)
تنتشر المطاعم السورية في أنحاء مصر (خالد دسوقي/الأناضول)

بدوره، ينتقد الليبي عصام شماطة الحملة على المقيمين العرب في مصر، معتبراً أن أغلبهم لا يشكلون عبئاً، بل إن الكثيرين منهم يديرون مؤسسات ناجحة تسهم في خدمة الاقتصاد، وتوظف عمالاً، كما أن لديهم استثمارات في قطاعات حيوية. مضيفاً لـ"العربي الجديد": "أقام المصريون في ليبيا سنوات طويلة، ولم يحملهم أحد مسؤولية أي شيء، حتى إبان القطيعة الدبلوماسية بين البلدين. أقيم في مصر منذ 10 سنوات، وأتعامل بجدية مع الإجراءات الحكومية، لكني أرفض الاندفاع وراء الدعوات العنصرية".  
ويرى أستاذ القانون الدولي بالجامعة الأميركية بالقاهرة السفير السابق عبد الله الأشعل أن طرح القضية خلال الفترة الأخيرة يهدف إلى الحصول على مقابل مادي من هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين والمقيمين، في ظل أزمة النقد الأجنبي الطاحنة التي تعيشها مصر، فضلاً عن محاولة تكرار السيناريو التركي للحصول على معونات من الاتحاد الأوروبي نظير إيواء ملايين السوريين. 

تختلف المنظمات الأممية مع الحكومة المصرية في تعريف "اللاجئ"

ويتحفظ الأشعل على "مزاعم رسمية" تقول إن مصر تأوي 9 ملايين لاجئ، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "وصف لاجئ ينطبق على من حصل على اللجوء السياسي والإنساني في مصر، ويتلقى دعماً حكومياً، وهؤلاء لا يزيد عددهم على بضعة مئات الآلاف، فيما يعتبر السوريون والسودانيون واليمنيون مقيمين، وقد تقطعت بهم السبل نتيجة ظروف بلادهم، وهم لا يكلفون الميزانية العامة للدولة شيئاً، فأغلبهم جاءوا بأموالهم واستثماراتهم، أو يحصلون على دعم من جهات دولية". 
وينبه إلى أن "طرح المسؤولين المصريين هذه القضية في هذا التوقيت ربما يستهدف إيجاد ذريعة لتبرير الفشل في مواجهة الأزمة الاقتصادية، أو تحقيق مكاسب عبر تحصيل رسوم على تجديد الإقامات، فضلاً عن المطالبة بزيادة الدعم الدولي نظير رعاية هؤلاء، فربما لا يلبي الدعم الحالي طموح الحكومة المصرية، إذ خصصت الأمم المتحدة نحو 470 مليون دولار لدول جوار السودان، وستحصل مصر منها على 117مليون دولار".
وقلل الخبير الاقتصادي أحمد خزيم من أهمية "الضجة المفتعلة" حول العرب والأجانب الموجودين في مصر، مؤكداً أنه لا علاقة لهم بالأزمة الاقتصادية الراهنة، بيد أن الحكومة المصرية تبحث دائما عن كبش فداء لتبرير فشلها الذريع في مواجهة الأزمة، فتعلقها على كورونا، أو على الحرب الأوكرانية، أو الحرب في غزة، أو المقيمين الأجانب، وربما تستهدف إثارة القضية حالياً استجداء الدعم الدولي، أو تحصيل عوائد دولارية من الأجانب. 

ويشدد خزيم على أن "نهج الجباية وابتزاز المقيمين لن يحقق للحكومة شيئاً، لا سيما أن أعداداً كبيرة منهم معدمون، وعلى الحكومة البحث عن الإمكانيات الكامنة لاستثمارها. كثير من النازحين يشكل قيمة مضافة للاقتصاد المصري، فعدد منهم يملكون أو يديرون مؤسسات منتجة، ويوفرون فرص عمل، ويدفعون تأمينات وضرائب بشكل تنتفي معه أي مسؤولية لهم عن الأزمة الاقتصادية".
في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي هاني أبو الفتوح أن قوننة أوضاع الأجانب في مصر حق أصيل للدولة، وينسجم مع أبجديات التخطيط، وضرورة امتلاك الإحصاءات التي تحدد أعدادهم، وأماكن إقامتهم، وطبيعة أعمارهم، وأنشطتهم الاقتصادية، حتى تتبلور لدى الدولة تصورات واضحة للتعامل معهم، وتقديم الرعاية والخدمات لهم. 
وينفى أبو الفتوح لـ "العربي الجديد" ما يتردد حول محاولة مصر تكرار السيناريو التركي الخاص باللاجئين للحصول على مساعدات دولية، لافتا إلى أن "الحكومة المصرية لم تستغل يوماً هذه القضية، وأن اللاجئين في مصر لم يقيموا أبداً في معسكرات أو خيام، بل اندمجوا في المجتمع، وبالتالي لا توجد نوايا لابتزازهم، أو الحصول على مقابل مادي من وراء إيوائهم. أغلب هؤلاء يجرى التعامل معهم كأشقاء، وليس كنازحين أو لاجئين، وتقنين أوضاعهم سيسمح لهم بممارسة الأنشطة الاقتصادية".