المطبخ السوري... أتراك يرحبون باللاجئين ويخشون أطعمتهم

23 نوفمبر 2021
يعد الكباب على الطريقة السورية (Getty)
+ الخط -

يروي السوري محمد الحسين المقيم في منطقة الفاتح في إسطنبول منذ عام 2014، تجربته مع جيرانه الأتراك، الذين رفضوا الطعام السوري في البداية، وانزعجوا من رائحة الثوم والبهارات، قبل أن يتقبلوه ويتبادلوا الأطعمة في ما بينهم. يقول: "لا أنسى المرة الأولى التي أرسلنا فيها ابنتنا الصغيرة مع طبق من الملوخية إلى جارتنا المسنة تفيدة. لكن في اليوم التالي، أخبرتني ابنتي أنها رأت الطعام في سلة المهملات. 
الجارة ذاتها أعادت لنا الطبق في اليوم التالي وقد ملأته بحلوى تسمى عاشوراء، وهي مصنوعة من القمح والحمص والزبيب والمكسرات. وليس لائقاً في تركيا إعادة الأطباق فارغة، ولو وضعوا فيها قطعة كعك أو حبات من الفاكهة. ويقول الحسين لـ "العربي الجديد": "لفتنا الأمر وسألت زوجتي التي تجيد التركية الجارة إذا كان الطبق السوري قد أعجبها، فصارحتها بالقول: لم نستطع أكلها، لم نعرف مكوناتها وفيها الكثير من الثوم". 
ويلاحظ الحسين أن الأتراك لا يحبون الإكثار من البهارات والثوم ولا يتقبلون الكثير من الأطعمة السورية. كما يستغربون بعض وجباتنا كالفول الذي هو طعام الخيول بالنسبة إليهم. ويقول: "لم نتمكن على مدى سنوات من تسويق بعض الأطعمة أو جعل الجوار، الذين غدوا كأهلي، يتقبلونه، كالملوخية والسفرجلية والمقلوبة والمكدوس".
ويشير الحسين إلى أنه بعد تعزيز العلاقات مع الجوار، وجدنا أن هناك الكثير من الأطعمة مشتركة، منها الفاصولياء على أنواعها، والمحشي مع اختلاف بسيط، إذ قلّما يحشون الكوسا أو يضعون اللحم في محشي ورق العنب والفليفلة، بالإضافة إلى الكباب والباذنجان. لكن هناك اختلاف حول كيفية إعدادها".
وما زال الأتراك، وبعد عشر سنوات على افتتاح المطاعم في تركيا، يترددون في دخول المطاعم السورية أو طلب الطعام "ديلفري" كما يقول صاحب مطاعم "النور" في منطقتي الفاتح وباشاك شهير في إسطنبول عبد المجيد عاشور. يضيف: "من الصعب نقل عاداتنا الغذائية للأتراك. هم منغلقون على طعامهم على الرغم من أن الطعام  السوري أكثر تنوعاً وأرخص سعراً".
يتابع عاشور في حديثه لـ "العربي الجديد"، أنه "خلال العامين الأولين من افتتاح مطعم النور في الفاتح، لم يدخله أي تركي. يضيف: "يقام بازار كل إثنين أمام المطعم، ويفضل الناس شراء الكعك من الباعة الجوالين بدلاً من طعامنا. وفي ما بعد، ربما بعدما تأكدوا من النظافة وكيفية إعداد الطعام، بدأوا يتذوقون بعض أطعمتنا، بل ويطلبون أنواعاً من الأرز كالكبسة والمندي والبريان لكنهم لم يتقبلوا بعض الأطعمة المشتركة، مثل الصفيحة السورية (اللحم بعجين)، لأنهم يضعون أنواعاً مختلفة من الخضار فيها، بينما نكثر من اللحم ولا نضع سوى البصل والبندورة. أما الكباب، فيعد مشتركا بين المطبخين العربي والتركي، لكنهم لم يتقبلوا الكبة المشوية بالشحم أو الكبة باللبنية أو الكبة السماقية بالباذنجان، ولهم موقف من الأكلات التي تحتوي على الثوم كالملوخية والمكدوس والمسقعات "خضار مطبوخة بزيت الزيتون مع بصل وثوم".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

ويقول عاشور إنّ الأتراك يضعون البهارات في الأطعمة وربّما أكثر منّا. يغرقون اللحم المشوي بالتوابل والفليفلة، ويضعون حب التوابل والفليفلة للفاصولياء البيضاء. ويلفت إلى "وجود خلاف وفجوة بالذائقة بدأت تردم. إلا أن لديهم مواقف قطعية في بعض الأطعمة". 
وبدأ بعض الشباب الأتراك ارتياد مطاعم سورية وبشكل يومي، كما يقول مصطفى من مطعم أبو العبد "شاورما" في منطقة آق سراي لـ "العربي الجديد". وعلى الرغم من اختلاف تتبيلة الشاورما ونوع اللحم، إلا أن الشباب أحبوا الشاورما السورية مع الوقت، هم الذين كانوا قد توجسوا لسنوات من الخبز السوري والمايونيز والثوم. ويعزو مصطفى السبب إلى رخص الأسعار أو نوع اللحوم. فالشاورما التركية قطعها صغيرة، في حين نعد قطعاً كبيرة ورقيقة. كما يضع الأتراك شاورما ناشفة في خبز اكمك يشبه الصمون. أما نحن، فنضعها في رغيف سوري وفوقه خبز صاج، ونضع المايونيز والثوم والطماطم. كما يضعون البطاطس والمخلل فقط. إلا أن كبار السن والنساء قلّما يقبلون على الشاورما السورية.

لا غنى عن الكباب في إسطنبول (Getty)
لا غنى عن الكباب في إسطنبول (Getty)

ومن مطعم بوز الجدي في نزلة الأمنيات في إسطنبول المفارقة، بدأ الأتراك يتناولون الأطعمة السورية التي كانوا يرفضونها قبل سنوات. وكانوا يعيبون على السوريين أكل الحمص والفول أو الفلافل الذين لم يعرفوه قبل تدفق اللاجئين السوريين منذ عام 2012.
وتقول الجامعية آسيا لـ "العربي الجديد": "دعوت صديقاتي في الجامعة لتناول الحمص الناعم والفتة السورية. إنه طعام لذيذ ورخيص لكن طلبنا ألا يضعوا الكثير من الثوم والتوابل"، مشيرة إلى أنها لم تتوقع منذ سنوات أن تدخل مطعماً سورياً. واليوم، وقفنا نحو نصف ساعة حتى فرغت طاولة في مطعم بوز الجدي، وأحببنا الفلافل كثيراً". تضيف ضاحكة: "اسأل صديقتي إيلول".
لكن "جيزمي" صاحب محل مجاور لمطاعم سورية بمنطقة أيفان ساراي بإسطنبول، يقول: "لا أتناول الطعام السوري، وذلك ليس تشكيكاً بالمكونات أو النظافة. ببساطة، يختلف عن طعامنا".
وتبقى المطاعم السورية التي دمجت بطعامها بين السوري والتركي، الأكثر إقبالاً من الأتراك. في هذا الإطار، فإن جل رواد مطعم "خان الوزير" قرب جامع الفاتح بإسطنبول، من الأتراك بحسب النادل صبحي الذي يؤكد لـ "العربي الجديد" أن أتراكاً يحجزون طاولات بشكل يومي، ولا يخلو المطعم من عائلات تركية.
وعن أسباب استمرار توجس الأتراك من الطعام السوري، يضيف صبحي: "نقدم مناسف وكبب ومشاوي وشيخ المحشي ومحشي ومقبلات مشتركة، وقد علمنا، بعد التجارب والحوارات معهم، ماذا يفضلون ومن ماذا يتوجسون، وبتنا نضع البهارات والبصل والثوم حسب الطلب، كاشفاً أن دعوات طعام كبرى يقوم بها الأتراك يتكفل مطعمه بها".

وخلال جولتنا على محال سورية لمعرفة مدى تقبل الأتراك طعام السوريين، وخصوصاً بعد حملات كراهية تقودها أحزاب تركية ضد اللاجئين السوريين، تبين أن الخبز السوري يدخل بيوت الأتراك بكثرة بحسب صاحب سلسلة محال "بيت المونة" بإسطنبول رامي الأشقر، الذي أكد أن مبيعات الخبز السوري للأتراك زادت خلال السنوات الأخيرة بشكل لافت. الحجة سابقاً هو احتواؤه على السكر. لكن بعد تعديل وتنويع الخبز السوري، الذي بات يحتوي على قمح كامل، شعير، ذرة، اعتاد الأتراك على خبزنا ربما بسبب رخص سعره ولأنه لا يتفتت ويتلف كما خبزهم الاكمك".
يضيف الأشقر أن نسبة الأتراك الذين يشترون من مخازنه كبيرة اليوم بالمقارنة مع الماضي. ويوضح أنهم يشترون الأرز الطويل، وأرز الكبسة، ومربيات سورية وزيت زيتون وحمص ناعم، وحتى الزعتر الذين فوجئوا به بالبداية. لكنهم حتى اليوم، يبتعدون عن الكثير من المؤن السورية مثل الشنكليش والمتة والفول اليابس، لافتاً إلى اختلاف كبير بالنمط الاستهلاكي بين السوريين والأتراك، إذ قلما يخزّنون كما السوريين مؤونة للشتاء وقلما يشترون كما السوريين كميات كبيرة أو يقيمون دعوات الطعام بمنازلهم كما يفعل السوريون بتركيا حتى اليوم.

المساهمون