المصريون واكتئاب الشتاء

17 فبراير 2021
مصرية تحت المطر في القاهرة (أحمد حسن/ فرانس برس)
+ الخط -

يأتي الشتاء مع كثرة أمطاره وطول ساعات الليل وقلة التعرّض إلى أشعة الشمس، ليزيد من احتمالات الإصابة بالاكتئاب الموسمي للفصول أو ما يعرف بـ"اكتئاب الشتاء". وقد أظهرت أحدث نتائج المسح القومي للصحة النفسية في مصر أنّ 25 في المائة من المصريين يعانون من اضطرابات نفسية، وأنّ 43 في المائة من المصابين يعانون من الاكتئاب تحديداً. ومع زيادة معدّل الأمطار في مصر، قد تتفاقم الحال لدى بعض الأشخاص لتصل إلى حدّ الإصابة بـ"فوبيا المطر". تجدر الإشارة إلى أنّه من المتوقع في خلال الأعوام العشرة المقبلة أن تزيد الحالة المناخية في مصر من احتمال هطول غزير للأمطار، الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث فيضانات بحلول عام 2050، وذلك بحسب تقرير أعدّه المركز العربي للبحوث والدراسات.
تعرّف استشارية الصحة النفسية الدكتورة شيماء مغازي اكتئاب الشتاء بأنّه "أحد الاضطرابات العاطفية الموسمية. هو نوع من الاكتئاب الذي يتزامن مع حلول فصل الشتاء أو أواخر فصل الخريف ويختفي بحلول فصل الصيف أو فصل الربيع". وتوضح مغازي لـ"العربي الجديد"، أنّ "النساء أكثر إصابة بهذا النوع من الاكتئاب بالمقارنة مع الرجال، فيما لا يُصاب في الغالب من هم دون العشرين من عمرهم. كذلك تقلّ الإصابة بهذا الاكتئاب كلّما تقدّم الإنسان في السنّ، ويعود الأمر إلى مجموعة من التغيّرات الفسيولوجية المتعلقة بكيمياء المخّ والتي ترتبط بكميّة ضوء الشمس الذي يصاحبه انخفاض في نسبة هرمون السيروتونين أو هرمون السعادة الذي يعمل كمضاد للاكتئاب".

في السياق، يشير أستاذ الطب النفسي بكلية طب القصر العيني الدكتور ممتاز عبد الوهاب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "كل الأشخاص عرضة للإصابة باكتئاب الشتاء، ويعود ذلك إلى الوضع في المنازل في هذا الفصل، عندما تُغلق النوافذ والستائر لتجنّب البرد القارس. فغياب الضوء يتسبب في حالة من الاكتئاب. كذلك فإنّ حركة الناس تقلّ في فصل الشتاء، ويشمل ذلك الخروج من المنزل والنزهات بسبب الطقس البارد. فالناس بمعظمهم يلجأون إلى الغرف المدفّأة، وينتج عن ذلك غياب الحركة والخمول، الأمر الذي يدعم الإصابة بالاكتئاب". يضيف عبد الوهاب أنّ "أشخاصاً كثيرين ممّن يملكوا صفات الانطوائيين، إذ يميلون إلى العزلة بطبعهم، لا يتأثرون كثيراً بأجواء الانغلاق الشتوية. فالانعزال يبعث في أنفسهم راحة نفسية تحميهم من اكتئاب الشتاء".
من جهته، يقول أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس الدكتور عبد الناصر عمر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "اكتئاب الشتاء يتفاقم عند بعض الأشخاص، إذ يعاني هؤلاء من فوبيا (رهاب) المطر والبرق والرعد، فيصابون بالهلع بمجرّد سماع رعد أو رؤية برق". ويشرح أنّ "ثمّة فارقاً ما بين الخوف الطبيعي وبين ما يزيد عن الحدّ الطبيعي، ونشير بالتالي إلى رهاب الرعد والبرق. فمن الممكن أن تتسبّب عاصفة رعدية بمستويات معقولة من القلق أو الخوف، لكن عند الأشخاص الذين يعانون من الرهاب تسبب تلك العواصف ردّ فعل شديد قد تؤثر سلباً على حياتهم. قد تكون مشاعر القلق تلك شديدة لدرجة يحسّ في خلالها المريض بأنّه غير قادر على التغلب عليها". يضيف عبد الناصر أنّ "رهاب المطر يُعَدّ حديث العهد في مصر، إذ إنّ الأمطار راحت في السنوات الأخيرة تتسبّب في سيول تنجم عنها وفيات، بخلاف ما اعتدناه قديما في البلاد. والأطفال هم الأكثر عرضة للإصابة بهذا النوع من الرهاب".

وفي عدد من الشهادات التي جمعتها "العربي الجديد"، تخبر مرفت محسن، ربّة منزل، "ظللت أعاني لسنوات طويلة من فترات اكتئاب حاد يصل إلى حدّ الإعياء، ولم أكن أدرك أنّ ذلك مرتبط بحلول فصل الشتاء، حتى تنبّهت إلى تكرّر الأعراض في الوقت نفسه من كلّ عام". أمّا ياسمين عبد الله، طالبة جامعية، فتربط "الشتاء بإحساس اقتراب الموت"، مشيرة إلى أنّ "ذكرى وفاة عدد من المعارف في فصل الشتاء تدفعني إلى الإحساس بالموت وإلى البكاء المستمر من دون سبب مباشر". بالنسبة إلى وائل محمد، طالب جامعي، فإنّ "صوت الرعد يبعث إحساساً بالخوف لديّ يدفعني إلى الاختباء أو النوم لتجنّب الشعور بالرهبة". في المقابل، تقول بسنت زين، محاسبة في أحد البنوك: "أحب الشتاء كثيراً على الرغم من أنّ مناعتي الضعيفة تجعلني عرضة للإصابة أكثر بالأمراض في هذا الفصل. لكنّني أنتظر الأيام الممطرة لأمارس رياضة المشي مستمتعة بأجواء الشتاء التي تضفي البهجة على نفسي".

المساهمون