"المصباح الرطب" مؤشّر علمي لقدرة جسم الإنسان على تحمّل الحرارة

09 اغسطس 2023
الشباب الذين يتمتّعون بصحة جيدة معرضون بدورهم للموت وسط الحرّ الشديد (ستيفانو غويدي/Getty)
+ الخط -

بينما يستطيع جسم الإنسان أن يتحمّل قدراً محدداً من الحرّ والرطوبة، ينذر تغيّر المناخ المتسارع بتنامي ظاهرة مرتبطة بتضافر عوامل الحرّ والرطوبة تُعرف بـ"المصباح الرطب" التي قد تكون فتّاكة للبشر.

وأبعد من معدّلات الحرارة المطلقة التي تحقّق مستويات قياسية بانتظام، تُقيَّم قدرة مقاومة الجسم وفقاً لمفهوم "درجة الحرارة الرطبة" أو "المصباح الرطب". حتى الأشخاص في سنّ الشباب الذين يتمتّعون بصحة جيدة معرّضون لخطر الموت بعد ستّ ساعات عند مستوى 35 درجة مئوية في مؤشّر "درجة حرارة البصيلة الرطبة الكروية" الذي يأخذ في عين الاعتبار الحرارة والرطوبة، بحسب بحوث علمية.

عند هذا المستوى، تمنع الرطوبة في الهواء الساخن تبخّر العرق، الأمر الذي قد يؤدّي إلى ضربة شمس أو فشل أعضاء أو حتى الموت. يُذكر أنّ التعرّق هو آلية الجسم الرئيسية لتخفيض درجة حرارته.

وقال الباحث في وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" كولن رايمند لوكالة فرانس برس إنّ العالم شهد مستوى 35 درجة مئوية في مؤشّر "البصيلة الرطبة" عشرات المرّات حتى الآن، لا سيّما في جنوب آسيا ومنطقة الخليج في غرب آسيا. أضاف الخبير، المعدّ الرئيسي لدراسة حول هذا الموضوع نُشرت في عام 2020، أنّ مدّة كلّ من هذه الحلقات لم تتجاوز حتى الآن ساعتَين، ولم يُربَط أيّ "حدث وفيات جماعي" بها.

35 درجة مئوية

لكن مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، إذ كان يوليو/ تموز 2023 أكثر الأشهر حرّاً على الإطلاق على وجه الأرض، يحذّر العلماء من أنّ وتيرة "المصباح الرطب" سوف تتضاعف. وقد ازداد تواتر مستويات الحرارة الرطبة العليا بأكثر من الضعف في كلّ أنحاء العالم منذ عام 1979، والحرارة "سوف تتجاوز بانتظام 35 درجة مئوية" في أنحاء مختلفة من العالم إذا وصل الاحترار المناخي في العالم إلى درجتَين مئويتَين ونصف درجة، بحسب دراسة رايمند. ويُعَدّ جنوب آسيا وجنوب شرقها وكذلك منطقة الخليج وخليج المكسيك وأجزاء من القارة الأفريقية أكثر المناطق تعرّضاً لهذا الخطر.

ويُحتسب تأثير "المصباح الرطب"، بطريقة أساسية في الوقت الراهن، من خلال بيانات للحرارة والرطوبة، ويُقاس مبدئياً عن طريق وضع قطعة مبللة من القماش فوق مقياس حرارة وتعريضها للهواء. وقد أتاح ذلك قياس معدّل تبخّر المياه من القماش، بما يشبه تعرّق الجلد.

ويبلغ الحدّ النظري لبقاء الإنسان على قيد الحياة عند 35 درجة مئوية في حالات "البصيلة الرطبة"، 35 درجة مئوية مع رطوبة بنسبة 100 في المائة أو 46 درجة مئوية مع رطوبة بنسبة 50 في المائة.

ولاختبار هذا الحدّ، عمد باحثون في جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية إلى تقييم درجات حرارة أشخاص أصحاء في سنّ الشباب في غرفة حرارية. وقد وصل المشاركون إلى "الحدّ البيئي الحرج"، أي عندما يكون الجسم غير قادر على منع درجة الحرارة الداخلية من الاستمرار في الصعود، عند 30.6 درجة مئوية على مؤشّر "البصيلة الرطبة".

حرارة "خطرة حقاً"

وقال الباحث المشارك في الدراسة الأخيرة دانيال فيسيليو لوكالة فرانس برس إنّ الأمر سوف يستغرق ما بين خمس ساعات وسبع قبل أن تصل هذه الظروف إلى "درجات حرارة خطرة حقاً".

من جهته، أشار جوي مونتيرو، وهو باحث مقيم في الهند نشر أخيراً دراسة في مجلة "نيتشر" العلمية عن "البصيلة الرطبة" في جنوب آسيا، إلى أنّ موجات الحرّ القاتلة في المنطقة حتى الآن كانت بمعظمها أقلّ بكثير من عتبة 35 درجة مئوية. لكنّه قال لوكالة فرانس برس إنّ حدود التحمّل تختلف اختلافاً كبيراً من شخص إلى آخر. وشرح أنّ الأطفال الصغار أقلّ قدرة على تنظيم درجة حرارة أجسامهم، وبالتالي يكونون أكثر عرضة للخطر. مع ذلك، يبقى المسنّون الأكثر ضعفاً، إذ لديهم عدد أقلّ من الغدد العرقية، وبالتالي هم من أوّل ضحايا موجات الحرّ. كذلك فإنّ الأشخاص الذين يعملون في الهواء الطلق هم أكثر عرضة لخطر الإصابة.

وتؤدّي إمكانية تبريد الجسم أحياناً، على سبيل المثال في المساحات المكيّفة، دوراً أيضاً. بالإضافة إلى الوصول إلى المراحيض، لأنّ الأشخاص المحرومين منها يشربون كميات أقلّ من المياه، في الغالب، ويصيرون بالتالي أكثر عرضة للجفاف.

وتُظهر أبحاث رايمند كذلك أنّ ظاهرة "إل نينيو" المناخية زادت تأثير "البصيلة الرطبة" في الماضي. ومع عودة هذه الظاهرة أخيراً، سوف تظهر هذه النوبة الدورية الخطرة للأرصاد الجوية آثارها الكاملة بحدود نهاية عام 2023 الجاري وسوف تستمرّ في عام 2024 المقبل. وأوضح رايمند أنّ المستويات العليا من مؤشّر "البصيلة الرطبة" مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بدرجة حرارة سطح المحيطات.

تجدر الإشارة إلى أنّ المحيطات حطّمت رقماً قياسياً جديداً لدرجات الحرارة العالمية، في الأسبوع الماضي، متجاوزة المستوى القياسي السابق المسجّل في عام 2016، بحسب خدمة "كوبرنيكوس" المعنيّة بتغيّر المناخ التابعة لبرنامج "كوبرنيكوس" الذي تديره المفوضية الأوروبية.

لمعرفة حالة الطقس اليوم في بلدك ودرجة الحرارة، تابع هنا: حالة الطقس اليوم.

(فرانس برس)

المساهمون