المرأة الليبية تكسر القيود

18 اغسطس 2021
ألبسة المراة الليبية تغيّرت (فرانس برس)
+ الخط -

بات تنقل المرأة في ليبيا بمفردها، وتخليها نسبياً عن اللباس التقليدي المحتشم، وتوسع انخراطها في مجالات العمل والتعليم ظواهر لا ينبذها المجتمع المحافظ اليوم، ما يطرح السؤال عن احتمال تحوّل هذه المظاهر إلى أنماط حياة، أو تشكيلها مجرد طفرة خلقتها ظروف ما بعد الثورة. 
لا تربط الناشطة الحقوقية بدرية الحاسي في حديثها لـ"العربي الجديد" التغيرات في حياة الليبيات بالتحولات السياسية وأنظمة الحكم "لأنهن تمتعتن في عهد النظام السابق بحرية نسبياً، وربما بدرجة أكبر من الآن، في حين يعشن بأمان أكبر اليوم". لكنها تستدرك أنه "رغم هامش الحرية الكبير اليوم لا يزال كُثر يرفضون سماع صوت المرأة التي تتعرض لجرائم وللإخفاء القسري. ويخالف ذلك واقعها في عهد النظام السابق حين خضع رأيها لقيود، وشاركت في شكل محدود في الحياة العامة". وتعتقد الحاسي بأنه لا يمكن فصل تطور أوضاع المرأة في البلاد عن التغيرات التي تجري في الخارج، خصوصاً في ظل التدفق الإعلامي الواسع، وامتلاكها فرص التعلم والسفر إلى الخارج. من هنا لا يمكن وصف التغيرات بتمرد على القيّم أو المبادئ المحافظة". 

في المقابل، تتحدث الطبيبة نور الهدى العاتي لـ"العربي الجديد" عن اضطرارها إلى مواجهة "العناد الأسري" عبر رفض قيود الأسرة التي طالبتها بعدم العمل في دوام ليلي يفرض عليها البقاء في المركز الصحي الخاص الذي تعمل فيه، وذلك قبل ان ينصاع الجميع لقرارها. وتعتبر أن "مواجهة المرأة القيود المجتمعية لا تنتهي، فبعد كسرها المخاوف الخاصة بالتمسك بشرف البنت والخوف من الاعتداء عليها، تنتقل إلى تحدي معايشة ضغوط استقلالها اقتصادياً إذا حصلت على فرصة عمل براتب جيد، واضطرت إلى تسليم راتبها إلى رب الأسرة أكان والدها أو زوجها". 
تؤكد العاتي أن الظروف المعيشية السيئة التي فرضت نفسها على الوضع السائد، وحاجة المصحات خصوصاً في القطاع الخاص لموظفات حتم تزايد الإقبال على الوظائف غير المقيّدة بأزمنة، "ففي المصحات الخاصة مثلاً يداوم عدد غير قليل من النساء في فترات الليل". 
ويبدو أن مظاهر الحرية لا تنحصر في انخراط المرأة في مجالات عمل جديدة لم تكن تتوافر لها سابقاً، بل تشمل الإقبال على قيادة السيارات خصوصاً في المناطق الريفية. ففي مدينة مصراتة التي ينتمي سكانها إلى أطياف مجتمعية محافظة، لم يعد مستغرباً رؤية نساء يتولين قيادة سيارات ويمارسن التسوق، حتى إنهن يقصدن مقاهي خاصة بهن، ومنتزهات لعقد لقاءات بينهن. 

أزياء مختلفة لليبيات (محمود تركية/ فرانس برس)
أزياء مختلفة لليبيات (محمود تركية/ فرانس برس)

لا توافق الحاسي على أن الحاجة والظروف الاقتصادية دفعت المرأة إلى خرق القيود المحافظة، وأجبرت المجتمع على تقبل الوضع المستجد، "فالمقاهي والمنتزهات التي ظهرت تدريجياً لا تتواجد اليوم في العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي فقط، بل في مناطق الأرياف، ما يدل على حصول تحوّل كبير ونقلة نوعية في وضع المرأة". 
ورغم التزام المرأة، وحتى الطالبات في الجامعات، بالحجاب، لكن أزياءها باتت أشبه بموضة جديدة رفضها المجتمع لفترة. تقول الطالبة الجامعية شيماء رشيد لـ "العربي الجديد": "حتى وقت قريب، تشدد المجتمع مع المرأة ورفض ارتدائها البنطال خصوصاً في الجامعة. أما اليوم فالبنطال أحد وجوه الحريات الخاصة التي تمتد إلى الحجاب والملابس الفضفاضة التي أصبحت من أسس التجمل بموديلات متعددة". ولا تنكر رشيد استمرار تأثير القيود الأسرية عليها، لكنها ترى أن ارتداءها للحجاب "رمزي، والأهم أنه يحميني من التعرض لعنف لفظي". لكنها ترفض في الوقت ذاته ما تصفه بأنه "محاولة لتفصيل طموحاتها مع حدود العادات"، معتبرة أن "الوقت تغيّر ويجب أن نجاريه، وإلى متى سنعيش في الماضي؟". 
من جهتها، تؤيد الباحثة الاجتماعية الليبية حسنية الشيخ، بأن القيود الاجتماعية على المرأة قد تأتي بنتائج عكسية، وصولاً إلى التمرد على الأسرة وتهديد وحدتها وتماسكها. وتقول لـ"العربي الجديد": "مظاهر تشدد المجتمع المحافظ مع المرأة قد يشكل مؤشراً إلى جانب ولّى في تاريخ المجتمع الذي يستند إلى موقعها وغيرة الرجل على أسرته". 
وتحذر من "انفلات القيم وتفككها، إذا استمر دفق الحريات من دون متابعة ورعاية مناسبة من متخصصين ومسؤولين في الجامعات وقيمين على المنابر الإعلامية ذات الحضور الشعبي الواسع، علماً أن فتيات وسيدات هربن فعلاً من أسرهن بحثاً عن حلم الحرية والاستقلال، قبل أن يضعن في متاهات مجتمع لم يملكن معرفة كافية به". لذا تعتبر الروادع الاجتماعية مهمة للحدّ من تفكك قيّم المجتمع. 

واللافت أن الشيخ تبدي ارتياحها الكبير من مظاهر الحريات "المقنّنة". وتشير إلى أنها زارت جمعية نسائية نشطة جداً في مجال الإغاثة، وتعتبر اليوم إحدى العلامات البارزة التي ساهمت في استرجاع قيم التكافل التي كادت أن تغيب بسبب الحرب، "رغم أن أعضاء هذه الجمعية يتحركن بحرية". وتفسر الشيخ ذلك بأن "تقدير المجتمع لنوع النشاط الذي تمارسه المرأة يمنحها هامشاً أكبر من الحرية".

المساهمون