حافظت الأمثال الشعبية على ذاكرة المرأة الجزائرية، إذ تعبر عن موروث غير مادي للهوية الثقافية، ويرمز بعضها إلى جمال الألبسة والمجوهرات التي ترتديها المرأة وإبراز مكانتها، وبعضها الآخر إلى ممارسات تبرز قيمتها في الأسرة والمجتمع.
يعتبر المثل الشعبي القائل: "بِنْتَ الْقَاعْ وَالْبَاعْ وَالْخِلْخَالْ الْمْرَبَّعْ وَالْخَاتِمْ فِي الصِّبَعْ"، الأكثر تعبيراً عن افتخار المرأة بحسبها ونسبها. وتفيد القصة الخاصة بهذا المثل بأن عائلة من مدينة القصبة العتيقة بالعاصمة الجزائرية زوّجت ابنها لفتاة من خارج المدينة تنحدر من عائلة ثرية من منطقة وادي الرمان المعروفة بأراضيها الخصبة ومزارعها وبساتينها، أو ما يسمى بريف العاصمة الجزائرية، لكنها لم تنل رضى حماتها بسبب دلالها فحاولت إحراجها، فردت العروس على ذلك بالاعتزاز بنسبها وموقعها الاجتماعي بمقولة باتت مثلاً شعبياً متداولاً بشكل واسع تقصد فيه بأنها ابنة عائلة ثرية وغنية وأصيلة.
أيضاً تستخدم النساء المثل الشعبي: "حْنَا بْنَاتْ َالخِيرْ مَرْمِي فَالطّْريقْ، والقَلْب يتسع للأحباب وما يضيق"، للتعبير عن الاعتزاز بأنفسهن وبكونهن من عائلات مضيافة وكريمة.
ويمكن ملاحظة وجود أمثال شعبية أخرى عن المرأة ذات مدلول اجتماعي في الدفاع عن النفس بلغة سلسة، وتتميز مفرداتها بإيقاع وسجع.
يعتبر الباحث في تاريخ الثقافة الشعبية في الجزائر، فوزي سعد الله، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الأمثال الشعبية تكشف رؤية المجتمع الجزائري للمرأة، وموقعها المهم من خلال مضامين شفوية مناسبة".
ولا تخلو مدينة في الجزائر من قصص شعبية حول مكانة المرأة تؤكد أهميتها في الأسرة والمجتمع، منها: "لِي مَا عِنْدُوا لْبْنَاتْ مَا عَرْفُوا وِينْ بَاتْ"، والمقصود الخدمات التي تقدمها البنت لأسرتها قبل زواجها وبعده، خصوصاً تجاه والديها، فهي التي تضحي لأجلهما باعتبارها الأكثر حناناً وحباً من الرجل، بحسب الخيال الشعبي الجزائري، ونمط التفكير الذي يصوّر البنات أكثر حناناً من الأبناء، كما أنها لا تتخلف عن تأدية الخدمات حتى إذا تزوجت وانتقلت للعيش في بيت زوجها، إذ تغدق عليهما العطف والحنان، وتهتم بكل شؤونهما حتى وهي بعيدة.
ويظهر هذا المثل وغيره تصوراً لبعض سلوكيات الأفراد في الحياة اليومية، خاصة الإيجابي منها في علاقة الفتاة مع والديها، ويعكس مدى تعلّق الأسر بالبنات لأن التجارب أثبتت قيمتهن واعترافهن بأفضال الوالدين، رغم أنها ليست قاعدة دائمة.
وتظهر المرأة في الأمثال الشعبية الجزائرية بأشكال عدة، وتمثل الروح النابضة في المجتمع بسبب دورها المهم خاصة في الوسط الأسري، كما تعكس ملامحها داخل البيت وخارجه.
وتلّح بعض الأمثال الشعبية على الزواج من بنت الأصول من دون الاهتمام إذا كان أهلها ميسوري الحال. وهذا ما يحضّ عليه المثل الشعبي: "خُذْ زَاوَالٍية بِنْتَ النَّاسْ إِذَا مَا لْقِيتْ لِهْنَا تَلْقَى الْخَلاَصْ" الذي يعني تزوّج بنت عائلة متواضعة بسيطة مكسب لراحة البال، فبعد الزواج يجد الرجل أن طلباتها قليلة، وإذا عانى زوجها من فقر لا تشتكي وتصبر على تلك الظروف".
وفي النموذج نفسه، حضرت المرأة في مثل شعبي آخر بشكل إيجابي يقول: "بْنَاتْ الأُصُولْ خِيرْ مِنْ بْنَاتْ الْمَالْ وَالمَحْصُولْ"، وهو ما يحرّض الرجال على خطبة وزواج بنات الحسب والنسب التي لا تملك عائلاتها فضة وذهبا، لكن هذا لا ينفي أن بعض الأمثال الشعبية تنظر بنظرة مجحفة للمرأة، وأخذت منحى سلبياً يسيء لها كونها الأكثر تضحية وخضوعاً مقارنة بالرجل في الأعراف الجزائرية من خلال ما تصوره هذه الأمثال.
وتقول باحثة علم الأنثروبولوجيا في جامعة سطيف (شرق) الأستاذة جميلة غيشي، لـ"العربي الجديد: "تأخذ الأمثال الشعبية المختلفة في الأساس من مقومات ومظاهر الحياة الاجتماعية التي صنعها الإنسان، والأمثال الشعبية الخاصة بالمرأة في الثقافة الجزائرية تمثل وجهة نظر المجتمع المختلفة للمرأة. وقد تطورت الأمثال الشعبية بحسب المجتمع، وانتقلت من نموذج متصل بالحكايات إلى جمل تعبيرية قصيرة ذات معنى للتوجيه والتوعية بطريقة مباشرة وغير مباشرة يعرض قضايا المجتمع بالتلميح وليس بالتصريح".
تضيف: "تتسم الأمثال بأسلوب بلاغي موجز دون أن يعرف قائلها، وكثيراً ما تختزل نظرة المجتمع للمرأة أو نظرتها لنفسها في وسط ذكوري. وقد انتشرت شفوياً واستمرت بالرواية التي منعت زوالها".