فتح اكتشاف بقايا مبيدات في شحنة بطيخ في أحد أسواق المغرب الباب أمام تساؤلات عدة حول مدى اتباع معايير السلامة الصحية في قطاع الزراعة، وتزامن ذلك مع مطالبات برلمانية لوزارة الفلاحة والصيد البحري بالتحقيق ومحاسبة المسؤولين.
وكشفت وثيقة صادرة عن المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية التابع لوزارة الفلاحة، مؤخراً، عن اكتشاف مبيدات ضارة في شحنة من البطيخ في متجر بمدينة أغادير تابع لسلسلة تجارية شهيرة، وأظهرت التحاليل أن عينة البطيخ الأحمر تحتوي على مكونات غير معتمدة من السلطات، ويتعلق الأمر بمادتين يستعملهما الفلاحون كمبيدات لمحاربة الفطريات والحشرات.
ودعت المجموعة المالكة للمحال التجارية، عبر وسائط التواصل الاجتماعي، المستهلكين إلى تجنب استهلاك البطيخ الأحمر الذي يقبل عليه كثيرون خلال الصيف، في حين أشرفت السلطات على عملية إتلاف عشرات الأطنان من البطيخ في منطقة العوامرة التابعة لإقليم العرائش (غرب).
ويقول رئيس "الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة" علي لطفي إن استعمال المبيدات في المجال الزراعي بشكل مفرط أمر لا يمكن إنكاره في ظل غياب المراقبة والتتبع، بدليل ما يتحدث عنه التقرير السنوي لـ"المركز الوطني للتسمم واليقظة الدوائية" من احتلال التسمم الغذائي مرتبة متقدمة، معتبراً أن اكتشاف بقايا مبيدات في شحنة البطيخ الأحمر "ليست إلا النقطة التي أفاضت الكأس".
ويوضح لطفي لـ"العربي الجديد": "بعض الجهات في القطاع الزراعي تسعى إلى زيادة الإنتاج من خلال الاستعمال المفرط للمبيدات بحثاً عن الربح السريع من دون احترام معايير حماية صحة المواطنين، ويزيد من سوء الوضع تقادم القوانين، وغياب مراقبة مدى احترام المعايير الضرورية في استعمال المبيدات".
ويضيف أنه "ثبت علمياً أن الاستعمال المفرط للمبيدات الزراعية يؤدي الى الإصابة بأمراض مثل السرطانات والفشل الكلوي، وفي ظل غياب المراقبة، يصاب عدد من المواطنين بالأمراض من دون أن يعرفوا سبب إصابتهم. ويقول: "ما يقوم به المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية من حجز للمواد الغذائية جراء انتهاء صلاحيتها أو الاستعمال المفرط للمبيدات غير كاف، بل يتعين إصدار قانون يضم لائحة للمبيدات، فهناك أصناف عدة ليس لها ترخيص قانوني، لكنها تستعمل بشكل مفرط، فضلاً عن إنزال العقوبات على كل من لا يحترم لائحة المبيدات المرخصة، والمقادير والمعايير التي تحمي المواطنين".
ويرى رئيس "الجمعية المغربية لحقوق المستهلك" بوعزة الخرطي أن سوق المبيدات الزراعية تعرف غياباً للتقنين، وأنه يمكن لأي شخص المتاجرة فيها من دون الحاجة إلى الكفاءة العلمية اللازمة لإعطاء النصائح للمزارع في ما يخص المقادير، والمدة الزمنية اللازمة قبل جني المحصول تفادياً لاحتوائه على نسبة مرتفعة من المبيدات، وبالتالي عدم مطابقته المعايير المحلية والدولية، لافتاً إلى أن هذا يهدد المستهلك والمزارع بأنواع مختلفة من الأمراض، من بينها الحساسية والتسمم.
يواصل الخرطي: "ما أثارته قضية البطيخ الأحمر الملوث من جدل يفرض على الحكومة اتخاذ إجراءات لوضع برنامج وطني لاستعمال المبيدات الزراعية لما تشكله من تهديد على صحة المواطنين. منذ أكثر من عقد، نحاول كجمعية توعية المسؤولين بخطورة الوضع، ونرى أنه آن الأوان لاتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية المستهلكين من هذا الوباء الكيميائي".
وشدد المجلس الأعلى للحسابات (حكومي)، في تقرير عام 2019، على مراقبة المبيدات في الفواكه والخضر التي توجه إلى السوق المحلية، إذ لاحظ أنه "على عكس المنتجات المعدة للتصدير التي تمر عبر محطات التعبئة التي تخضع لمراقبة صارمة لبقايا المبيدات الزراعية، فإن المنتجات الموجهة إلى السوق المحلية لا تشملها هذه المراقبة".
وفي سبتمبر/أيلول 2020، أعلن المغرب اللجوء إلى إعادة تقييم تراخيص ممنوحة لمبيدات زراعية بعد نشر منظمتين غير حكوميتين تقريراً عن تصدير مبيدات غير مرخصة أوربياً إلى 85 دولة، من بينها المغرب. وكشف تقرير سابق لمنظمتي "غرينبيس" و"بابليك آي" أنّ أغلب البلدان الأوروبية تصدر مبيدات كيميائية محظور استخدامها على أراضيها إلى بلدان أخرى، رغم الأضرار الصحية والبيئية التي يمكن أن تنجم عنها.
ويحظر المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) استعمال المئات من المبيدات. لكن العديد من الأنواع المحظورة تجد طريقها إلى الأسواق والضيعات الزراعية لتكلفتها المنخفضة، إذ يتراوح سعرها بين 100 و150 درهما مغربيا (11 و17 دولارا)، في حين أن المبيدات المصنعة من قبل الشركات المعتمدة تباع بأسعار تصل إلى 2000 درهم (227 دولارا) للكمية التي تكفي هكتاراً واحداً.
ويظل قطاع المبيدات في المغرب من بين أقل المجالات الخاضعة للرقابة، ويرجع خبراء ذلك إلى عدم وجود تنسيق بين الجهات المعنية وشركات الاستيراد والموزعين، بالإضافة إلى تسرب هذه المنتجات من دول مجاورة، وكشفت دراسة لمنظمة الأغذية والزراعة "فاو" أن 90 في المائة من سوق المبيدات يسيطر عليها القطاع الخاص بقيمة 730.4 مليون درهم (نحو 83 مليون دولار).
وتبلغ نسبة الأراضي الزراعية في المغرب 12 في المائة من إجمالي مساحة البلاد، وتتراوح مساحتها بين 8 ملايين و9 ملايين هكتار، وفق دراسة "رصد تأثير مبيدات الآفات الزراعية على صحة الإنسان والبيئة" الصادرة عن منظمة "فاو" في عام 2015، والتي تحدثت عن استخدام "28 مبيداً، 22 منها حشرية، و7 أنواع مبيدات أعشاب ورخويات"، محذرة من تأثيرات ضارة جراء عدم اتخاذ الإجراءات الوقائية.