اللاجئون في تونس... الحق في الصحة والعلاج منتهك

15 يونيو 2021
هل يعبران البحر صوب أوروبا أم يستقران هنا؟ (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

 

تشهد تونس منذ عام 2011 تزايداً في عدد المهاجرين وطالبي اللجوء نتيجة الصدمة التي أحدثها النزاع المسلح في ليبيا وما يستمرّ في إفرازه عدم الاستقرار في دول عربية وأفريقية عدّة. لكنّ الحقّ في العلاج يبدو مسلوباً.

لم يكن أمام اللاجئة الأفريقية بيلاجي دوغبا من حلول سوى إطلاق نداء استغاثة عبر موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي بهدف الحصول على وحدات من الدم لإنقاذ حياتها بعد نزيف حاد أصابها. وسُلّطت الأنظار من خلال ندائها على حقوق اللاجئين المفقودة في ما يخصّ الرعاية الصحية والنفاذ إلى العلاج. ففي الثلاثين من مارس/ آذار الماضي، نشرت مجموعات فيسبوكية صورة بيلاجي دوغبا وهي تطلب الدم في أحد مستشفيات العاصمة تونس، بهدف إجراء عملية جراحية عاجلة. صحيح أنّ نداءها لاقى تفاعلاً كبيراً من قبل ناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي فتبرّعوا لها بالدم، غير أنّه كشف كمّ الصعوبات التي تعترض لاجئين ومهاجرين في تونس عند محاولتهم الحصول على الرعاية الصحية اللازمة، لا سيّما مع تزايد المخاطر الصحية منذ تفشي فيروس كورونا الجديد في البلاد. يُذكر أنّ تونس تشهد في الأعوام الأخيرة ارتفاعاً غير مسبوق في تدفّق المهاجرين وطالبي اللجوء في البلاد، بحسب بيانات رسمية للمجلس التونسي لشؤون اللاجئين، وذلك على خلفية اعتماد السلطات سياسة عدم الترحيل.

تقول بيلاجي دوغبا، البالغة من العمر 43 عاماً، إنّها من ساحل العاج (غربي أفريقيا)، إنّما تعيش في تونس منذ خمسة أعوام، لافتة إلى أنّ الثلاثين من مارس كان يوماً مفصلياً في حياتها بعدما واجهت الموت المحقق بسبب مضاعفات صحية. لكنّها أُنقذت من قبل متبرّعين أعادوا الحياة إليها بعدما ضُخّت دماؤهم في شرايينها. وتخبر "العربي الجديد" عن تفاصيل معاناتها الصحية: "فقد تنقّلت في بحثي عن علاج ما بين مستشفى خاص وآخر حكومي. وقد استمر ذلك مدة تجاوزت ثمانية أسابيع، خسرت في خلالها أكثر من 15 كيلوغراماً من وزني، بعد فشل عملية جراحية خضعت لها لإزالة تليّف في الرحم".

 

تضيف دوغبا أنّ "الجراحة التي تمّت في المستشفى الخاص كلفتني ألفَي دينار تونسي (نحو 730 دولاراً أميركياً)، واستنزفت كلّ مدخراتي التي وفّرتها من عملي كعاملة منزلية. لكنّ حالتي الصحية تراجعت كثيراً بعد العملية، فطلب الطبيب هناك ألفَي دينار إضافيَّين لعلاجي مجدداً ووقف النزيف الذي أصابني". تتابع دوغبا أنّ "النزيف كان متواصلاً، وبسبب عدم قدرتي على توفير المبلغ المطلوب للعلاج في القطاع الخاص، قصدت مستشفى وسيلة بورقيبة المتخصّص في أمراض النساء والتوليد. لكنّني واجهت صعوبات في توفير أكياس الدم التي كنت أحتاجها لتعويض الدم الذي فقدته من جرّاء النزيف". وتلفت دوغبا إلى أنّ "القانون التونسي لا يسمح لأصدقائي من ساحل العاج بالتبرّع لمصلحتي، وكدت أفقد حياتي. وهذا ما دفع ممرّضة في القسم حيث كنت أرقد، إلى إطلاق نداء عبر فيسبوك لبّاه تونسيون تبرّعوا لي بكثافة".

وترى دوغبا أنّ "النفاذ إلى العلاج من أكبر المصاعب التي تعترض اللاجئين والمهاجرين في تونس، فوضعنا المالي الصعب لا يسمح لنا بالحصول على الرعاية الصحية اللازمة عند الإصابة بمرض ما"، مشيرة إلى أنّها دفعت "850 ديناراً (نحو 310 دولارات)، في المستشفى الحكومي في مقابل أسبوع من الإقامة، وفّرتها بمساعدة مشغّلتي وعدد من أصدقائي". لكنّ دوغبا ما زالت في حاجة إلى مصاريف إضافية لمواصلة علاجها والخضوع لفحوصات، من قبيل التصوير بالرنين المغناطيسي، وهي لا تعرف كيف سوف تتمكّن من توفير المبلغ بعدما منعها المرض من العمل الذي كان يؤمّن لها دخلاً يومياً في حدود 30 ديناراً (نحو 10 دولارات).

الصورة
مهاجرون أفارقة والهلال الأحمر في تونس (فتحي الناصري/ فرانس برس)
(فتحي الناصري/ فرانس برس)

قصة دوغبا هي واحدة من قصص كثيرة للاجئين وطالبي لجوء ومهاجرين يواجهون أمراضاً ومشكلات صحية مختلفة بجيوب خاوية، فيُحرمون من حق أساسي هو الحقّ في تلقّي العلاج الذي تكفله كل الاتفاقيات الدولية والقوانين الخاصة باللاجئين والمهاجرين. وتعيش تونس في الأعوام الأخيرة على وقع تحوّلات عميقة تتعلّق بقضايا الهجرة. وكما يدفع بحرها شهرياً آلاف المهاجرين نحو السواحل الأوروبية، تستقبل مدنها آلافاً آخرين فضّلوا الإقامة على أراضيها بصفة دائمة عبر الحصول على صفة اللاجئ أو طالب اللجوء. وتكشف بيانات حديثة للمجلس التونسي للاجئين (منظمة غير حكومية)، عن تضاعف عدد طلبات اللجوء في تونس خمس مرّات في خلال الفترة الممتدة ما بين يناير/ كانون الثاني 2019 ومايو/ أيار  2021، إذ ارتفع عددها من 1245 طلب لجوء إلى 8500، وهو رقم غير مسبوق في البلاد. وتضع الزيادة القياسية في أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين في تونس المنظمات المدنية الراعية لهم أمام تحديات كبيرة لتوفير الحدّ الأدنى من الخدمات الصحية لطالبيها مع تردّي أوضاعهم الاقتصادية.

يقول المدير التنفيذي للمجلس التونسي للاجئين عبد الرزاق الكريمي إنّ "المنظمات التي تُعنى بشؤون اللاجئين تأخذ بعين الاعتبار تنامي حاجة هذه الفئة إلى الخدمات الصحية التي زادت مع أزمة كورونا. وقد تمّ توفير بدلات مالية شهرية للمصابين بأمراض مزمنة وعسيرة تراوح ما بين 200 و300 دينار (نحو 75 - 110 دولارات)، شريطة إظهار نتائج الفحوص الطبية ووصفة الدواء التي صُرفت من الصيدلية". يضيف الكريمي، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أنّ "المجلس يصرف كذلك للاجئين وطالبي اللجوء بدلات الفحوصات الطبية من تحاليل وصور أشعة وغيرهما تصل قيمتها إلى ألف دينار (نحو 365 دولاراً)، في حين تتكفّل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمصاريف التدخّلات الجراحية الكبرى والحالات المعقّدة".

ويتابع الكريمي أنّ "سقف تكفّل المجلس بمصاريف المرض يصل في بعض الحالات إلى ألف دينار، وهو مبلغ يفوق ما يصرفه صندوق التأمين للتونسيين. لكنّه في المقابل لا يتكفل بمصاريف العلاج في القطاع الخاص، إذ إنّ كلفة رعاية اللاجئ لا يمكن أن تتفوّق في أيّ حال من الأحوال على ما يحصل عليه المواطنون الأصليون". ولا ينكر الكريمي "تجاوب السلطات التونسية مع طلبات المنظمات الراعية للاجئين والمهاجرين، لجهة توفير الرعاية الصحية لهذه الفئة في القطاع الحكومي ببدلات منخفضة". وبالنسبة إلى الكريمي، فإنّ "الصعوبات التي يواجهونها للوصول إلى العلاج وطول انتظار مواعيد الفحص في المستشفيات هي من الأمور العادية التي تطاول المواطنين التونسيين والأجانب على حدّ السواء، بسبب وضع القطاع الصحي في البلاد عموماً".

ولا يخفي الكريمي أنّ "ثمّة صعوبات تواجهها المنظمات المعنية بشؤون المهاجرين، ما بعد تفشي فيروس كورونا الجديد والقيود المصاحبة له، نتيجة ارتفاع حاجة هذه الفئة إلى مساعدات مالية من أجل تكاليف المعيشة اليومية"، لافتاً إلى "تسجيل تراجع كبير في المنح والمساعدات الدولية المخصصة للمهاجرين". ويكمل أنّ "توفير المساعدات للمهاجرين يرتبط أساساً بالإرادة السياسية للدول المانحة. لكنّه مع ذلك، فإنّ وضع المهاجرين في تونس أفضل بكثير من أوضاعهم في بلدان أخرى، وذلك بفضل تكاتف جهود المنظمات والحكومة من أجل توفير الحقوق الدنيا لهم، منها الصحة والسكن وحق أبنائهم في التعلّم".

الصورة
مهاجرون أفارقة في تونس 2 (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
(فتحي بلعيد/ فرانس برس)

تفيد بيانات رسمية للمجلس التونسي للاجئين بأنّ الفئة العمرية بين 18-59 عاماً تمثّل النسبة الأعلى من المهاجرين (المسجّلين) في تونس، لكنّ التوزيع بحسب السنّ يكشف كذلك عن مسنّين بينهم يبلغ عددهم نحو 100، فيما يصل عدد الأطفال (17 عاماً وما دون)، إلى 1534. ويحتل طالبو اللجوء من ساحل العاج المرتبة الأولى مع 2519 شخصاً، يليهم السوريون ثمّ السودانيون. وعدم الحصول على صفة لاجئ أو طالب لجوء وفق القانون التونسي، يجعل آلاف المقيمين على الأراضي التونسية مهاجرين في وضع إقامة غير قانونية. لكنّ السلطات التونسية لا ترحّلهم، إذ غالباً ما تندمج هذه الفئة في المجتمع بالعمل في القطاعات الموازية، منها التجارة والخدمات والزراعة.

ويشدّد عضو "جمعية الجالية الإيفوارية" (مواطنو ساحل العاج) في تونس ماسي بلاماسي توري على أنّ "دور المجتمع المدني مهم في ضمان حقوق اللاجئين والمهاجرين في الرعاية الصحية"، مشيراً إلى أنّ "المنظمات المدنية شكّلت نسيجاً مهماً يتكامل مع الجهود التي تبذلها المنظمات الرسمية، غير أنّ هذه الجهود تبقى ضعيفة نظراً إلى الحاجة المتزايدة إلى الرعاية الصحية للأفارقة في تونس". يضيف توري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "المجتمع المدني وجمعيات الأفارقة في تونس يعملان على مساعدة اللاجئين والمهاجرين على الاندماج في المجتمعات الحاضنة وتمكينهم اقتصادياً بهدف تحقيق الاستقلال المالي الذي يتيح لهم الرعاية الصحية والنفاذ إلى العلاج من دون الحاجة إلى مساعدات". ولا ينكر توري أنّ "وضع المهاجرين الأفارقة صعب منذ بداية الجائحة، نتيجة انحسار فرص العمل وتراجع مداخيلهم اليومية، الأمر الذي يزيد حاجتهم إلى المساعدات المالية والصحية وحتى إلى التعاون في ما بينهم".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وعلى الرغم من أنّ الدولة التونسية كانت من أولى الدول التي صادقت على اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين وبروتوكولها لعام 1967، فإنّ الإطار القانوني في البلاد يبقى غامضاً في ظلّ غياب قانون خاص لشؤون اللاجئين. وهو ما دفع السلطات المحلية بالتعاون مع المنظمات الإنسانية، إلى الاضطلاع  بمسؤولياتها في استقبال المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين والإحاطة بهم بحسب الإمكانيات المتاحة. ويبدو إرساء قانون وطني للجوء أولويّة قصوى لتفادي مخاطر غياب حماية قانونية لهذه الفئة، بحسب ما يؤكد ناشطون في المجتمع المدني.

المساهمون